قطع محمد بقادة، وهو مؤرخ فرنسي يبلغ من العمر 26 عاما، ما مجموعه 6500 كيلومتر من السير على القدمين، طوال العام الماضي، بهدف توعية الناس بضرورة الحفاظ على الصروح القديمة والتاريخية وجمع المال لترميمها. وأنفق بقادة 30 ألف يورو لتحقيق هذه المغامرة.
وإذا كان برج إيفل أشهر معالم باريس فإن هناك، حسب المشّاء الشاب، عشرات الأبنية المهمة التي تستحق الالتفات إليها لأنها مهددة بالتداعي والزوال. لذلك قرر بقادة أن يكرّس جهوده خلال عام 2014 لمسيرة عبر المدن والقرى يرصد فيها الآثار التاريخية وما تحتاج إليه من صيانة وترميم. وانتهت الرحلة يوم السبت الماضي، حيث كان عدد من رؤساء البلديات التي مرّ بها وممثلي وسائل الإعلام في انتظار المؤرخ الذي لا يملك سوى قوة ساقيه وقدرته على الحوار والإقناع.
لا يتحرج محمد بقادة في المقارنة بين تخصيص 25 مليون يورو لتجديد أرضية الطابق الأول من برج إيفل من جهة، والشح الذي تعاني منه معالم تراثية غيره من جهة ثانية. وقد شكّل هذا المبلغ صدمة للباحث العربي الأصل الذي يحمل «الماستر» في التاريخ والآثار، وخصوصا أن الأزمة الاقتصادية ومشكلات البطالة تستحوذ على اهتمام الحكومة وتؤجل الحديث عن صيانة الآثار. وقد لاحظ بقادة من خلال الاتصال بـ531 بلدية فرنسية وعدة لقاءات مع المسؤولين، أن الحفاظ على التراث العمراني لا يأخذ موقعه بين الأولويات الوطنية.
انطلق محمد بقادة في أول أيام 2014، وقطع راجلا ما معدله 30 كيلومترا في اليوم، ترافقه عربة محملة بـ75 كيلوغراما من المعدات، بينها خيمة وجهاز استدلال على المواقع وثياب تناسب المواسم، وكان يعرف أن الجهد العضلي الذي يبذله يثير اهتمام الأهالي الذين مرّ بمدنهم وبلداتهم ويدفعهم إلى تفهم أهدافه والتضامن معه وضم أصواتهم إلى صوته. ويقول إنه صادف في مسيرته لآلئ تراثية منسية يتآكلها الإهمال، يصل عددها إلى 50 ألف أثر ومبنى. فقد قاده الأهالي إلى لوحات ذات قيمة تقبع في قبو كنيسة في مقاطعة «سافوا»، شرق البلاد، ومنحوتة أثرية من الخشب على شكل بومة عثر عليها في شمال «النورماندي»، شمال غربي فرنسا، وصالة تاريخية للعروض السينمائية والمسرحية عفى عليها الزمان في بلدة «شالان» على الساحل الغربي، وعدد من المتاريس تعود للقرون الوسطى، والكثير من الوثائق التي ينوي نشرها في كتاب بعنوان «فرنسا المجهولة».
يرى بقادة أن العناية بإصلاح أثر من الآثار يمكن أن تعود على القرية التي تحتضنه بفوائد سياحية غير متوقعة. ويعطي مثلا بمصنع للحبال تحوّل إلى متحف للبحرية قرب ميناء «كاليه»، في شمال فرنسا، يستخدم صيادين متقاعدين أدلاّء لاستقبال الزائرين الذين يبلغ عددهم 40 ألفا في السنة. وفي بادرة تعكس روح التسامح المزروعة فيه، كانت آخر محطات المؤرخ المسلم، كنيسة «القديسة ريتا» العتيقة في الدائرة الـ15 من باريس، والمهددة بالهدم لإنشاء مجمع سكني محلها. وكان فيليب غوجون، عمدة الدائرة، مسرورا بمشاركة محمد بقادة في الحملة التي يقودها لإنقاذ الكنيسة.
مؤرخ من أصل عربي يقطع فرنسا على القدمين للتذكير بآثارها المهملة
محمد بقادة يشارك في حملة لإنقاذ كنيسة «القديسة ريتا» في باريس من الهدم
مؤرخ من أصل عربي يقطع فرنسا على القدمين للتذكير بآثارها المهملة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة