3 صحف مصرية أمام اختبار استعادة دورها في الحياة الثقافية

مشرط جابر عصفور يطال «القاهرة» و«إبداع» و«الهلال» ويطلق رهانات وانتقادات

غلاف جريدة {القاهرة}
غلاف جريدة {القاهرة}
TT

3 صحف مصرية أمام اختبار استعادة دورها في الحياة الثقافية

غلاف جريدة {القاهرة}
غلاف جريدة {القاهرة}

تاريخ طويل من المد والجذر، والصعود والانكسار، قطعته المجلات الثقافية في مصر، بلغ ذروته في الستينات من القرن الماضي، من حيث الكم والكيف، الذي شهد باقة متنوعة من المجلات الثقافية استطاعت أن تقدم وجبة دسمة لجمهور المبدعين والقارئ المتذوق العادي، في السينما والمسرح والقصة والشعر والفن، وقضايا الفكر الإنساني والثقافة بشكل عام، كما استطاعت هذه المجلات في تلك الفترة أن تشكل امتدادا حيا لجذورها القريبة والبعيدة، مثل مجلة «روضة المدارس المصرية» التي أسسها رفاعة الطهطاوي عام 1870. لينقل من خلالها الثقافة الأوروبية، التي عاشها خلال بعثته في أوروبا إلى القارئ المصري والعربي.
وتقاطعت هذه المجلات مع عدد من المجلات المهمة صدرت في خضم الحرب العالمية الثانية، من أبرزها «التطور» لأنور كامل 1940، «المجلة الجديدة» التي كان يصدرها المفكر سلامة موسي، ثم أصبح رمسيس يونان رئيسا لتحريرها عام 1943. وقد أفردت مساحات أكبر للفنون التشكيلية، ثم مجلة «الكاتب المصري» لطه حسين في عام 1945. كما شهد مخاض الحرب العالمية الثانية صدور 3 مجلات مهمة في تاريخ الحياة الثقافية المصرية والعربية، وهي مجلة «الرسالة» لأحمد حسن الزيات في عام 1933، و«الثقافة» لأحمد أمين في عام 1934، و«أبوللو» 1932، التي أسسها الشاعر أحمد زكي أبو شادي.
ربطت هذه المجلات قضايا الأدب والفن والفكر بالمجتمع، ودافعت عن حرية الرأي والتعبير، ورفضت التبعية لنظام الحكم، وكانت صوتا معارضا للاستبداد السياسي، وحفرت ركائز أساسية لأفكار التنوير والتأصيل والتغيير، وشكلت منابر حقيقية للكتاب والأدباء والشعراء في تلك الفترة، كما كشفت عن الكثير من المواهب الطليعية في شتى مناحي الإبداع.
ومع بداية حقبة السبعينات، بدأ نجم هذه المجلات في الأفول والانحسار، وطغت هزيمة 1967 العسكرية على مجريات الحياة في مصر، ووضعت النكسة المثقفين والمبدعين على المحك أمام سؤال الهوية بكل تبدياته الملتبسة، وكان لا بد من البحث عن صيغة لوضع المثقفين في خندق السلطة، لمواجهة هذه الهزيمة، وبوصف هذه المواجهة خيارا ثوريا وحيدا يتضمن ضمنيا الإجابة عن سؤال الهوية الشائك.
لكن، مع ذلك، جرى البطش بالمثقفين والكتّاب المعارضين للسلطة آنذاك، ومطالبتهم بمحاكمة المسؤولين عن الهزيمة. وعلى أرض الواقع أسفر هذا المناخ عن إغلاق وتصفية عدد من المجلات المحورية، كان أبرزها مجلة «الطليعة» صوت اليسار المصري، التي كان يرأسها الكاتب اليساري لطفي الخولي، كما جرى السطو على مجلة «الكاتب» ذات الطبيعة الاشتراكية التقدمية التي كان يرأسها الكاتب أحمد عباس صالح، وتحويلها إلى مجلة أدبية برئاسة الشاعر صلاح عبد الصبور. وكلتا المجلتين تصدر عن مؤسسة حكومية؛ الأولى عن مؤسسة صحيفة «الأهرام»، والثانية عن وزارة الثقافة.
خيمت أجواء هذا المناخ المعادي للثقافة على حقبتي الثمانينات والتسعينات، حتى إن البحث عن نقطة توازن بين التبعية الكاملة أو التناقض أو الصراع مع السلطة، كان بمثابة تهمة تصم المثقفين بالتميع والانتهازية، ومحاولة إرضاء كل الأطراف، التي تكرسها سياسة «مسك العصا من الوسط».. وفكريا، برزت قضايا الفن للفن، والعلم للعلم، والعودة للجذور الثقافية في تراثنا المحلي، ومراعاة قيم المجتمع وأعرافه وتقاليده، بل إن الإبداع الرفيع أيا كان، مسرحا أو شعرا أو رواية، أو قصة، أو فيلما سينمائيا أو فنا تشكيليا، اتهم بالغموض واحتقار وعي الجماهير العريضة.
وباستثناء مجلتي «إبداع» في فترة رئاسة الدكتور عبد القادر القط، و«القاهرة»، في فترة رئاسة الدكتور غالي شكري، لم يكن ثمة نافذة ثقافية تُذكر في البلاد، خلال فترتي الثمانينات والتسعينات، ورغم دورهما النشط، فإنهما لم تتمكنا من سد الفراغ الثقافي، وحين توقفتا وتغير مسارهما برحيل الرجلين خلت مصر تقريبا من مجلة ثقافية حقيقية، فتكلست «إبداع» على يد مجلس تحرير رأسه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وأصبح مقياس النشر فيها يخضع في المقام الأول لذائقة مجلس التحرير نفسه، على عكس رحابة الدكتور القط، الذي أنشأ بابا خاصا بالمجلة سماه «تجارب»، أصبح سجلا للتجريب والحداثة الشعرية، كما تحولت مجلة «القاهرة» إلى صحيفة أسبوعية برئاسة الكاتب الصحافي صلاح عيسي، لكنها ظلت بمثابة عين لوزارة الثقافة أولا، تفسح المجال لكتبتها وسدنتها، ثم الحياة الثقافية ثانيا، وعلى استحياء بعيدا عن الدخول في معارك حقيقية يفرزها الحراك الثقافي وحركة الإبداع، وهو ما جعل الكتاب والمثقفين الجادين ينصرفون عنها.
وفي مسعى لاستعادة مجلات وزارة الثقافة دورها المفتقد في الحياة الثقافية، وجذب المثقفين والمبدعين للالتفاف حولها، ولتصبح نبضا حقيقيا لواقع مجتمع خاض ثورتين خلال السنوات الـ3 الأخيرة، أصدر الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصري قرارا بتولي الكاتب الصحافي الشاعر سيد محمود رئاسة تحرير صحيفة «القاهرة» الأسبوعية، لكن مشرط عصفور الإصلاحي أبقى على الكاتب الصحافي صلاح عيسى في منصب رئيس مجلس إدارة الصحيفة، وهو ما أثار انتقادات جمة في أوساط المثقفين، الذين تضافروا مع الصحيفة في ثوبها الجديد برئاسة محمود، بل راهنوا على أنها ستشكل إضافة حقيقة للثقافة المصرية.. ونجحت الصحيفة في هذا الرهان مع أول عدد جديد يصدر منها، محققا أعلى عائد توزيع لها على مدار تاريخها، وهو ما أشار له سيد محمود نفسه، في متابعته لمنافذ التوزيع في القاهرة والأقاليم.
وصف محمود مهمته الجدية في افتتاحية هذا العدد بـ«الشاقة»، واختتمها قائلا: «لكن ليس أمامنا سوى خيار المغامرة والتمسك بنور الخيال».. وحفل العدد بموضوعات ونصوص وتحقيقات وشهادات تؤكد روح المغامرة والحداثة والتجريب.
وفي مجلة «إبداع»، اتسم مشرط الوزير عصفور بروح ثورية، حيث أطاح بمجلس تحرير المجلة القديم برئاسة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وأصدرا قرارا بتولي الكاتب والقاص الروائي محمد منسي قنديل رئاستها، وكذلك تولي القاص الشاب طارق إمام مسؤولية مدير تحرير المجلة، على أن تصدر بشكل شهري كما كانت في السابق. وكانت مجلة تحولت إلى مجلة فصلية نظرا لتدهور أوضاعها وتدني أرقام توزيعها.
يكمل هذا المشهد الذي يراه كثير من الكتاب والمبدعين بمثابة صحوة ثقافية تولي الكاتب الروائي الصحافي سعد القرش مسؤولية تحرير مجلة «الهلال» الشهرية، وهي واحدة من أقدم المجلات الثقافية في مصر، أسسها جورجي زيدان في عام 1892، ومن ضمن إصداراتها «روايات الهلال»، التي تصدر بشكل شهري، وتُعد سجلا للأدب الروائي الرفيع سواء في نسيجه المصري أو العربي أو العالمي. وأيضا عانت «الهلال» طيلة السنوات الماضية من رؤساء تحرير لا علاقة لهم بالثقافة والإبداع بمعناهما الحقيقيين، حتى تحولت إلى مجرد قالب فارغ من القيمة الفكرية والإبداعية في شتى المستويات.
دشن القرش هذا المعنى الحقيقي عن علاقة الإبداع بهموم الوطن، في افتتاحية عدد «الهلال» لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قائلا: «مصر كبيرة، ولا يكاد قارئ تاريخ مصر يصدق أنها ما زالت تحيا، بعد قرون من الاستعمار والاستنزاف. لا يدرك هذه الحقيقة كثير من أبنائها، بمن فيهم المرضى بالشوفينية. بعد جمعة الغضب 28 يناير 2011 كان العرب، في بلادهم وفي المنافي، يرون جوهر مصر التي يحلمون بها (مصرهم) القادرة على صنع المستحيل، الناهضة من رماد الموت».



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

 

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.