شاشة الناقد: أحدهم طار فوق برودواي

مايكل كيتون يطير
مايكل كيتون يطير
TT

شاشة الناقد: أحدهم طار فوق برودواي

مايكل كيتون يطير
مايكل كيتون يطير

* ‫بيردمان: أو «الفضيلة

* غير المتوقـعة للجهل»
Birdman: Or the Unexpected Virtue of Ignorance‬
إخراج: أليخاندرو غونزاليز إيناريتو
تقييم الناقد: (3*)

باشرت الصالات الأميركية، ومنها للعالم، عرض الفيلم الجديد للمخرج أليخاندرو ج. إيناريتو «بيردمان» تحت عنوانه الكامل (أعلاه). ونسبة الإعجاب به بين النقاد سبقت عروضه: 88 في المائة من النقاد أحبـوا الفيلم وكثيرون رشـحوه وبطله مايكل كيتون للأوسكارات المقبلة. الفيلم يستحق كل كلمة مدح، وذلك انطلاقا من خطوط سير متوازية بين الشخصية والممثل الرئيسين.
في عام 1989، عرف الممثل مايكل كيتون شهرة عالمية عندما قام ببطولة شخصية باتمان في فيلم حمل الاسم ذاته وأخرجه الجيد تيم بيرتون. اختياره الدور أثار حفيظة المحتفين بالشخصية البطولية كما وردت في مطبوعات الكوميكس الأميركية، إذ تخيلوا الممثل الصالح لهذا الدور هو ذاك الذي يتمتع ببنية جسدية قوية. كيتون لم يكن من هذا النوع، لكنه برهن على جدارته، كونه ممثلا جيدا يعرف كيف يمنح ما تقوم به شخصية خاصـة. نجاح «باتمان» أدى إلى فيلم آخر من السلسلة هو «باتمان يعود» [إخراج بيرتون أيضا، 1992] قبل أن يأتي الإنتاج بجورج كلوني ليتسلم مكانه. كانت تلك الفترة هي الذروة بالنسبة لمايكل كيتون، الذي لم تشهد أفلامه المتعاقبة بعد هذين الفيلمين أي نجاح قريب.
هذا التاريخ يأتي مطابقا مع السيناريو الذي وضعه المخرج إيناريتو وصحبه. فبطله هو أيضا من الذين تبوأوا النجومية لاعبا شخصية بطل خارق المواصفات، وذلك قبل عقدين من الزمن. الآن، يجد نفسه ممثلا منسيا وعليه أن يجهد لاستعادة مكانته - إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلا. التطابق هو جزء من لعبة الفيلم المنسوجة جيـدا، فالهدف هنا ليس نقل سيرة للممثل كيتون، ولا الحديث عن شخصية متأثرة بتجربة الممثل المهنية، بل هو، في جزء كبير منه، تداول لما هو حال هوليوود ونجومها وشروط البقاء ممثلا في نظام يعتمد كلـيا على العرض والطلب كشأن أي تجارة أخرى.
«كل ما أريده هو أن أُحب»، يقول ريغان- كيتون في أحد المشاهد، وينقل بتلك العبارة المأزق إلى مستوى الأزمة الوجدانية. في هذا الوضع، يصور المخرج إناريتو شخصياته بأسلوب برغماني من دون برغمان ذاته. الأزمة دفينة. الشخصيات متناقضة ومتطاحنة في مكان مغلق في معظم الوقت (تخرج الكاميرا إلى الشارع لأول مرة بعد فصل يقع داخل المسرح مدته 34 دقيقة). المختلف هو أسلوب العمل والتعامل مع المادة وشخصياتها. وحين يذكر ريغان زوجته (ناوومي ووتس) بأن الممثلة فرح فوست ماتت في اليوم ذاته الذي مات فيه المغني مايكل جاكسون تصل الرسالة إلى بعد آخر: ضمن هذا النظام السائد، ما عاد هناك اكتراث فعلي لمن يسقط إذا ما كان الضوء انحسر عنه قبل سنوات من وفاته (هذا يحدث عندنا طوال الوقت). في الصلب، هو فن التمثيل ذاته. ربما فرح فوست لم تكن الممثلة القديرة بموهبة توازي تلك التي عند ميريل ستريب، لكنها كانت ممثلة لم يلتفت أحد إليها.
«بيردمان» ليس أقل من تراجيديا ساخرة، صاحبها يعيش حالة تشبه انعدام الوزن تودي به إلى اضطراره إلى الخروج إلى الشارع النيويوركي المزدحم بسرواله الداخلي فقط. تودي به إلى الجدال مع كل الشخصيات الأخرى، وإلى معركة صبيانية بينه وبين الممثل الآخر مايك (إد نورتون الذي بدوره لعب واحدا من شخصيات السوبر هيرو هو The Hulk).



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.