فوز ملالا بجائزة نوبل يتوج التغطية الإعلامية البريطانية خلال أسبوع

أوباما يتصدر أعلى الصفحات الأولى بزيارة هوليوود.. و«إيبولا» على غلاف الـ«تايم»

فوز ملالا بجائزة نوبل يتوج التغطية الإعلامية البريطانية خلال أسبوع
TT

فوز ملالا بجائزة نوبل يتوج التغطية الإعلامية البريطانية خلال أسبوع

فوز ملالا بجائزة نوبل يتوج التغطية الإعلامية البريطانية خلال أسبوع

مع نهاية الأسبوع، توجت الصحافة البريطانية تغطيتها اليومية بفوز الصبية الباكستانية ملالا يوسفزاي بجائزة نوبل للسلام يوم الجمعة الماضي، والتي نالتها مناصفة مع الهندي كايلاش ساتيارثي «لنضالهما ضد قمع الأطفال والمراهقين ومن أجل حق الأطفال في التعلم». التغطية جاءت شاملة ومتنوعة ويمكن اعتبارها حدث الأسبوع بالنسبة لجميع الصحف بشتى اتجاهاتها السياسية والآيديولوجية. لكن صحيفة «الغارديان» تميزت أكثر من زميلاتها من الصحف بخصوص ملالا، وتبنت قضيتها منذ تعرضها لمحاولة الاغتيال قبل سنتين، لتعكس تبني المؤسسة السياسية البريطانية لقضيتها. وجاءت تغطية فوزها بالجائزة في الصحيفة تتويجا لهذا الاهتمام بملالا وقضية حق تعليم الفتيات. ونشرت «الغارديان» صورة لملالا على 6 أعمدة على صفحتها الأولى، وتبعتها بصفحات أخرى في الداخل تحت عنوان «من أجل من لا صوت لهم من الأطفال».
لكن على مدار الأسبوع استمدت الصحف مادتها من الاختلافات في البرامج السياسية للأحزاب البريطانية الرئيسة، والتي احتلت حيزا لا بأس به في التغطية، وكان آخرها مؤتمر حزب الديمقراطيين الأحرار السنوي، الأسبوع الماضي، وبذلك أسدل الستار على هذا التقليد السنوي للأحزاب وعلى هذه التغطية. وهذه كالعادة تشكل مادة دسمة للإعلام والصحافة المكتوبة بشكل خاص. وعلى الرغم من أن الحزب هو ضمن التشكيلة الحكومية الائتلافية الحالية مع حزب المحافظين، فإن ثقله البرلماني وتراجع فرص فوزه بنسبة عالية من الأصوات والمقاعد انعكست في هذه التغطية، التي جاءت خجولة لحد ما. وتناولت صحيفة «الغارديان»، القريبة من حزب العمال، الاختلافات في الائتلاف الحاكم، بين حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار. ونشرت الصحيفة على صفحتها الأولى يوم الاثنين الماضي اقتباسا من خطاب نيك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار والذي طلب فيه من وزرائه في الحكومة «معاقبة المحافظين على سياساتهم الضريبية».
وجاء عنوان صحيفة «التايمز» بخصوص الخلافات السياسية والآيديولوجية بين الأحزاب الحاكمة ليعكس موقفا سياسيا نقيضا لصحيفة «الغارديان»، وكتبت تحت عنوان «الكبار في حزب العمال يصطفون ضد ميليباند (زعيم الحزب)»، في محاولة لإظهار الشروخ داخل حزب العمال، المنافس الأكبر على السلطة والأوفر حظا في الانتخابات المقبلة.
لكن الهزة التي أحدثها فوز حزب الاستقلال البريطاني المعادي لوجود بريطانيا في أوروبا بمقعد في انتخابات تكميلية والمتهم باستقطابه العديد من العناصر اليمينية، جاءت تغطيتها لتعكس حجم الخوف الذي يشكله هذا الحزب على حساب الأحزاب الرئيسة في الانتخابات المقبلة في مايو (أيار) المقبل. صحف «الغارديان» و«التايمز» و«الديلي تلغراف» اختارت جميعها إظهار صورة زعيم حزب الاستقلال نايغل فاراغ على صفحتها الأولى.
وتناولت جميعها بعنوان ومقالات وأخبار هذا الفوز لحزب الاستقلال، وخصوصا التهديد الذي يواجهه حزب العمال بعد أن حقق الفوز بصعوبة في انتخابات تكميلية أخرى أجريت في دائرة في شمال إنجلترا. إذ فازت ليز ماكينز على منافسها جون بيكلي بفارق 617 صوتا فقط، في تراجع عن هامش بلغ 6 آلاف صوت لصالح حزب العمال في انتخابات عام 2010 العامة.
فوز حزب الاستقلال في الانتخابات البرلمانية اعتبر بمثابة «إنذار» لحزب المحافظين الحاكم وتحفيز للمعارضة العمالية «للتواصل» مع الناخبين الساخطين. وحقق حزب الاستقلال فوزا ساحقا، بعد أن حصل مرشحه دوغلاس كارسويل على 60 في المائة من الأصوات مقابل 25 في المائة لمرشح الحزب المحافظ. لكن صحيفة «الغارديان» ركزت على الجوانب العنصرية من سياسات حزب الاستقلال في تغطيتها، محذرة بذلك جمهور الناخبين للانتخابات المقبلة.
وكتبت الصحف كيف شجع الفوز الأول لحزب الاستقلال زعيم الحزب نايغل فاراغ للتكهن بأن الحزب المناهض للهجرة يمكن أن يكون بمثابة ميزان القوى، إذا أدت نتائج الانتخابات العامة في مايو (أيار) إلى تشكيل حكومة أقلية.
أما صحيفة «الإندبندنت»، المشاكسة دائما، وكعادتها، تخرج عن المألوف في الصحافة البريطانية؛ فقد اختارت صورة حول الإجراءات المتخذة بخصوص احتواء فيروس إيبولا. أضف إلى ذلك موضوعها الرئيس حول التصويت المزمع إجراؤه يوم الاثنين المقبل حول الاعتراف بفلسطين كدولة.
وفي يوم الأربعاء الماضي اختارت صحيفة «التايمز» التركيز على تقرير صندوق النقد الدولي، الذي اعتبر الاقتصاد البريطاني الأفضل بين الدول الأوروبية. وأبرزت الصحيفة هذا الجانب تحت عنوان «أوروبا تتوقف وبريطانيا منطلقة» لتبين سياسات وزير الخزانة المحافظ «الناجحة» في تعامله مع الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أوروبا منذ سنوات.
لكن قضايا مكافحة فيروس الإيبولا تصدرت أخبارها الصحف وبشكل يومي خلال الأسبوع الماضي. «الغارديان» اعتبرته «فشلا» دوليا في مكافحته. وحذرت صحيفة «ديلي تلغراف» من انتشار الفيروس في بريطانيا، وتساءلت إذا كانت هناك خطة محكمة من أجل وقف انتشاره.
ومن القضايا الأخرى التي تصدرت الأخبار وبشكل يومي وعلى الصفحات الرئيسة قضية «داعش». وتحت عنوان على الصفحة الأولى جاء المانشيت الرئيس لصحيفة «الغارديان»: «الضربات الجوية ضد (داعش) في سوريا ليست كافية». واعتبرت أن الضربات فشلت في وقف مقاتلي «داعش» من التقدم للسيطرة على كوباني. ونشرت «التايمز» صورة على عرض الصفحة الأولى تبين سربا من الدبابات التركية المتمركزة في المرتفعات المطلة على كوباني.
لكن التغطية جاءت أيضا لتعكس التنوع في الموضوعات والصور المختارة خصوصا للصفحات الأولى، منها قضية البريطاني الآسيوي الذي يحاكم بتهمة قتل زوجته في جنوب أفريقيا خلال شهر العسل في كيب تاون. كما أبرزت «الغارديان» القضية التي ربحتها منظمة البيئة «غرين بيس» ضد شركة ليغو لألعاب الأطفال، والتي تربطها عقود مع شركة الزيوت «شل»، بعد أن قامت الأخيرة باستعمال ألعاب ليغو للترويج للحفريات في القطب الجنوبي. كما حمل نفس العدد صورا للممثل بنديكت كمبرباتش مع الممثلة كيرا نايتلي بمناسبة افتتاح فيلمها «ايميتيشن غيم». نفس الصورة نشرتها أيضا صحيفة «التايمز». وحتى قضية انتحار امرأة اتهمت بملاحقتها عائلة مكان، التي فقدت ابنتها في حادثة اختفاء في البرتغال قبل 7 سنوات، فقد وجدت مساحة لها على الصفحات الأولى في «الغارديان». أما «الديلي تلغراف» فقد أبرزت في أحد أخبارها متطلبات القبول الجديدة التي تعمل عليها جامعة أكسفورد للدراسة فيها. كما أبرزت «التايمز» تقريرا مطولا حول العلاج الجديد المتاح لمعالجة المرضى بالسكري.
و خلال الأسبوع الماضي، ولمناسبتين هامتين، ظهرت أخبار الرئيس باراك أوباما في أعلى الصفحات الأولى للصحف الرئيسية وفي بدايات نشرات أخبار التلفزيونات الرئيسية:
الأولى: مناسبة لم تُرضِه: صدور كتاب «ويرثي فايتز» (معارك تستحق) الذي كتبه ليون بانيتا، الذي عمل تحت أوباما في وظيفتين: مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ثم وزير الدفاع. ومثل كتاب سابق لوزير سابق (روبرت غيتز، وزير الدفاع قبل بانيتا)، ووزيرة سابقة (هيلاري كلينتون، وزير الخارجية قبل الوزير الحالي جون كيري)، انتقد بانيتا أوباما. خاصة بسبب تردده في اتخاذ قرارات الحرب والسلام في العالم.
الثانية: مناسبة أرضته: زيارة أخرى لنجوم السينما والتلفزيون في هوليوود. لأن أغلبية هؤلاء يؤيدون الحزب الديمقراطي، دائما يجد أوباما عندهم التأييد، والحب، والتبرعات. وربما ما كانت الزيارة ستكون هامة لولا أن صحف وإذاعات كاليفورنيا انتقدت إغلاق شوارع رئيسية في لوس أنجليس، وفي سان فرانسيسكو، خلال زيارة أوباما. لكن، على أي حال، كما نشرت صحيفة «بوليتيكو»، وجد أوباما في كاليفورنيا الحب، والمال، الذي ربما أنساه نتيجة استطلاع تلفزيون «سي بي إس»، في الأسبوع الماضي، حيث عارضت أغلبية الأميركيين حرب أوباما ضد «داعش» (لأنها إما مبالغ فيها، أو لا تكفي). وفي منزل الممثلة غوينث بالترو، قبلته، وأعلنت: «أنت رجل جميل».
مع «داعش» وخوف الأميركيين منها، اهتم الإعلام الأميركي بخوف أميركي آخر: «إيبولا». خاصة بعد وفاة الرجل الأفريقي الذي جاء بها من أفريقيا. ووضعت مجلة «تايم» المرض المخيف على غلافها. وكتبت: «هذا أكبر انفجار لوباء (إيبولا) في تاريخ العالم». وأشارت إلى أن المرض قتل أكثر من أربعة آلاف شخص، ويعاني منه أكثر من ثمانية آلاف شخص، و«وصل الدول الغربية»، وربما سيصيب مليون ونصف مليون شخص مع نهاية هذا العام.
لكن، كانت مواقع الاتصالات الاجتماعية أكثر خوفا. وتناقلت أخبار إغلاق مدارس بسبب الخوف من المرض. وهبوط طائرات اضطراريا لإخراج مسافرين مشتبهين بالمرض. ومظاهرات ممرضات، وعمال نظافة الطائرات، ونظافة المستشفيات، بسبب الخوف من المرض.
واهتم الإعلام الأميركي بموسم جوائز نوبل. خاصة فوز أميركيين بالجائزة في الكيمياء (مع فرنسي)، وفوز أميركي بالجائزة في الطب (مع زوج وزوجة نرويجيين). وعادت إلى الأضواء ملالا يوسفزاي، الفتاة الباكستانية التي كاد رجال طالبان أن يقتلوها بسبب قيادتها لحركة تعليم البنات هناك.
وكتبت صحيفة «سنت لويس ديسباتش» عن عودة المظاهرات إلى فيرغسون (ولاية ميزوري) بعد مقتل شخص آخر، في أعقاب اضطرابات الصيف التي أجبرت حاكم الولاية على استدعاء حرس الولاية لاستتباب الأمن في هذه الضاحية الفقيرة، حيث الأغلبية من الزنوج. وفي نفس مجال الجريمة والمجرمين، ركزت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» على اعتقال الشرطة في المكسيك، بمساعدة الشرطة الأميركية، فنسنت كاريلو، ربما أكبر تاجر مخدرات على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وفي مجال الاقتصاد ورجال الأعمال، كان من أهم الأحداث إعلان شركة «هيلتون» إنها ستبيع فندق «والدورف إستوريا» في نيويورك بملياري دولار إلى شركة صينية. وهبوط نسبة العطالة إلى ستة في المائة، أقل نسبة منذ الكارثة الاقتصادية عام 2008. وهجوم إلكتروني علي موقع بنك «جي بي مورغان جيز»، وبنوك أخرى، أدى إلى كشف حسابات قرابة مائة مليون شخص.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.