ضغوط الحوثيين تسفر عن انسحاب مرشح هادي لرئاسة الحكومة

الرئيس اليمني يستنجد بالدول الراعية للمبادرة الخليجية ويدعوها إلى تحمل مسؤوليتها إزاء بلاده

يمني أصيب جراء العملية الانتحارية في صنعاء أمس (رويترز)
يمني أصيب جراء العملية الانتحارية في صنعاء أمس (رويترز)
TT

ضغوط الحوثيين تسفر عن انسحاب مرشح هادي لرئاسة الحكومة

يمني أصيب جراء العملية الانتحارية في صنعاء أمس (رويترز)
يمني أصيب جراء العملية الانتحارية في صنعاء أمس (رويترز)

أفلحت الضغوط التي مارسها المتمردون الحوثيون الشيعة في اليمن على الرئاسة اليمنية، من أجل التراجع عن قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي تكليف مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك، لرئاسة حكومة الوفاق الوطني.
وهدد الحوثيون بالخروج في مسيرات حاشدة في صنعاء، واتهموا الرئيس بالانصياع إلى جهات خارجية، مما أرغم بن مبارك على إعلان اعتذاره أمس عن تشكيل الحكومة، في رسالة وجهها إلى الرئيس هادي.
وأعلنت الرئاسة اليمنية في وقت لاحق قبولها اعتذار رئيس الوزراء المكلف، في ضوء رفض الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح لترشيحه، في الوقت الذي بحث فيه الرئيس اليمني، أمس، تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية مع سفراء الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية.
وكان الرئيس هادي شكل لجنة من 4 شخصيات لمعالجة تداعيات الرفض الذي قوبل به تكليف بن مبارك. وعقدت اللجنة لقاء مطولا مع هادي، وتوصلت إلى قرار يقبل بموجبه اعتذار بن مبارك، ويدعو مستشاريه للبدء في اختيار رئيس وزراء جديد، في مقابل أن يتوقف الحوثيون عن الخطوات التصعيدية التي كانوا يعتزمون القيام بها في العاصمة صنعاء، اعتبارا من أمس. وضمت اللجنة الرئاسية الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائب رئيس الوزراء، والدكتور علي حسن الأحمدي رئيس جهاز الأمن القومي (المخابرات)، وعبد القادر هلال أمين العاصمة، ومحمد قحطان القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وتشير معلومات خاصة حصلت عليها «الشرق الأوسط» إلى أن بن مبارك طُلب منه، من قبل اللجنة الرئاسية، التقدم باعتذار عن رئاسة الحكومة، تفاديا للمشكلات الراهنة، خاصة في ظل تصعيد الحوثيين الذين طالبت مجاميع منهم، أمس، وعقب الحادث الانتحاري الذي استهدفهم في ميدان التحرير بصنعاء، والذي أسفر عن سقوط أكثر من 50 قتيلا وعشرات الجرحى، باستقالة الرئيس هادي، في إشارة إلى عدم قدرته على قيادة البلاد، في حين يراهن الرئيس اليمني على الدعم الإقليمي والدولي من أجل تجاوز هذه الأزمة.
ولبحث التداعيات الجارية على الساحة اليمنية وموضوع رفض رئيس الوزراء المكلف، التقى الرئيس هادي، أمس، سفراء الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية، وذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أنه استعرض مع السفراء «طبيعة الإجراءات التي أدت إلى ترشيح الدكتور أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة، وفقا لمعطيات ديمقراطية، وقبول الاعتذار بناء على طلب اللجنة التي شُكّلت لحل ملابسات الأزمة».
وقال هادي إن «الحرص على الأمن والاستقرار والوحدة هو همنا الأول، وكذا تجنيب كارثة الصدام والحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر»، وأضاف أنه «من أجل اليمن واستقراره وأمنه لا بد من التنازل لبعضنا البعض، وبما يكفل تجاوز التحديات الماثلة والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد»، وأن «الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني لا يسمح باستمرار هذا النهج، وعلى الجميع تحكيم العقل والمنطق وبموضوعية مطلقة، وتغليب مصلحة الوطن العليا، بدلا من زعزعة أمنه واستقراره وتهديد أمنه الاجتماعي».
ودعا الرئيس اليمني سفراء الدول الـ10 الراعية والضامنة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى أن تتحمل «مسؤوليتها إزاء أمن واستقرار اليمن، والعمل من أجل استكمال ما تبقى من شروط المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ووثيقة السلم والشراكة الوطنية المبنية على أساس مخرجات الحوار الوطني».
ومن المتوقع أن تجري جولة مشاورات جديدة خلال الساعات القليلة المقبلة، من أجل تسمية رئيس جديد للوزراء بعد اعتذار بن مبارك، وقال مصدر سياسي يمني إن المشاورات ستضم جميع القوى في الساحة اليمنية، إضافة إلى الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن لجان وساطة جديدة تقوم بالتواصل مع جماعة «أنصار الله الحوثيين» من أجل وقف التصعيد والتهدئة والعودة إلى المفاوضات للتوافق على شخصية رئيس الحكومة المقبل.
وما زال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، ويرفضون تسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط، وممارسة العمل السياسي بوصفهم إحدى القوى، رغم الاتفاقات الموقعة مع الحكومة اليمنية، وقال محللون سياسيون لـ«الشرق الأوسط» إن «التصعيد الحوثي المتمثل في دخولهم واحتلالهم للعاصمة صنعاء يفتح المجال لاستقطاب تنظيمات إرهابية متطرفة كتنظيم القاعدة»، مما يدخل البلاد في صراع من خلال العمليات الانتحارية التي يمكن أن تستمر، بحسب قول المراقبين الذين يؤكدون أن «الحوثيين يسعون إلى استمرار الأزمة حتى يبسطوا سيطرتهم على جميع مفاصل الدولة، بدليل أنهم بدأوا في المطالبة برحيل الرئيس عبد ربه منصور هادي، فيما يسمونه الثورة الشعبية التي بدأت بمطالب تتعلق بالإجراءات الاقتصادية، وتحولت إلى احتلال للمقار والمباني الحكومية والعسكرية».
وأعرب مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» عن استغرابه من تحميل الحوثيين المسؤولية للحكومة والرئاسة بشأن الحادث الانتحاري والأوضاع الأمنية في صنعاء.. «في ظل أنهم هم من قام بشل عمل الأجهزة الأمنية ونشروا ما سموه اللجان الشعبية في صنعاء وغيرها من أجل حفظ الأمن، حسبما يقولون، وهم من يتحمل الآن عواقب الأمور لأن مسيراتهم وتحركاتهم لو لم تكن مسلحة ومتشددة، وتُرك للأجهزة الأمنية حمايتها وهي سلمية، لما حدث أي تطور أمني في هذا السياق»، حسب المصدر، الذي أكد إدانة جميع الأطراف هذا الحادث «الإرهابي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».