«داعش» يستخدم المياه سلاحا في العراق

قلق من سيطرة تنظيم متطرف لا يحمل صفة الدولة على البنية التحتية المائية

أطفال العراق باتوا في حاجة ماسة للمياه بعد سيطرة {داعش} على بعض السدود (نيويورك تايمز)
أطفال العراق باتوا في حاجة ماسة للمياه بعد سيطرة {داعش} على بعض السدود (نيويورك تايمز)
TT

«داعش» يستخدم المياه سلاحا في العراق

أطفال العراق باتوا في حاجة ماسة للمياه بعد سيطرة {داعش} على بعض السدود (نيويورك تايمز)
أطفال العراق باتوا في حاجة ماسة للمياه بعد سيطرة {داعش} على بعض السدود (نيويورك تايمز)

يتزايد استخدام المتشددين لدى تنظيم داعش، والذين اجتاحوا المنطقة الشمالية العراقية، المياه كسلاح، حيث يقطعون إمدادات المياه عن القرى التي تقاوم حكمهم ويتخذون من ذلك وسيلة للضغط من أجل توسيع سيطرتهم على البنية التحتية المائية في البلاد.
ويتسم تهديد المتطرفين بالحساسية الشديدة في الوقت الذي تقصف فيه القوات الأميركية مواقع المتشددين القريبة من كل من سد الموصل وسد الحديثة – أكبر سدود العراق – بصفة تكاد تكون شبه يومية. غير أن المتشددين مستمرون في تهديد كلتا المنشأتين.
يريد المتشددون السنة الاستحواذ على السدين من أجل تعزيز زعمهم أنهم يعملون على بناء دولة فعلية، والسدود تعتبر حيوية لري الحقول الشاسعة في الدولة كما أنها توفر الكهرباء للمواطنين العراقيين. والأدهى من ذلك، فإن تنظيم داعش قد استخدم سيطرته على المرافق المائية – بما فيها 4 سدود على طول نهري دجلة والفرات – من أجل تهجير المجتمعات أو حرمانها من إمدادات المياه الحيوية.
يقول السيد مايكل ستيفنس، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط ونائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو معهد للدراسات الأمنية مقره في مدينة لندن «يدرك تنظيم داعش أهمية وقوة المياه، ولا يخشون من استغلال ذلك».
وأضاف «بذلت جهود ضخمة من أجل السيطرة على الموارد في العراق بصورة لم تشهدها أي صراعات من قبل».
وقد لعبت المياه ولفترة طويلة دورا حيويا في الصراعات المسلحة، من قصف الحلفاء للسدود الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية وحتى تجفيف صدام حسين للمستنقعات الجنوبية العراقية في عقد التسعينات لمعاقبة سكانها إثر تمردهم على الحكومة.
غير أن الفكرة وراء تنظيم راديكالي لا يحمل صفة الدولة ويسيطر على البنية التحتية المائية الحيوية قد أثارت المزيد من القلق. فلقد انزعج البيت الأبيض كثيرا في شهر أغسطس (آب) حينما سيطر متشددو «داعش» بصورة جزئية على سد الموصل – والذي يقع على نهر دجلة ويمر بالعاصمة بغداد – حتى إنه دعم عملية موسعة ضمت القوات العراقية والكردية لاستعادة ذلك السد. وصرح الرئيس باراك أوباما في 18 أغسطس (آب)، وهو اليوم الذي استعادت فيه القوات العراقية السد من المتشددين، «إذا ما أصيب جسم ذلك السد، فسوف يكون أمرا كارثيا، حيث سوف تهدد الفيضانات أرواح الآلاف من المدنيين وتعرض مجمع السفارة الأميركية في بغداد للخطر».
لا يزال نهرا دجلة والفرات في العراق هما عصب الحياة الزراعية هناك، بعد رعايتهما لأولى الحضارات في العالم على طول الهلال الخصيب – وهو القطاع الغذائي القديم والذي امتد عبر منطقة الشرق الأوسط. وهما يوفران الكهرباء والمياه التي تصل إلى المنازل عبر شبكة واسعة من الأنابيب.
غير أن مستويات المياه في العراق قد انخفضت خلال الأعوام الأخيرة، نظرا لقلة هطول الأمطار، والاستخدام الهائل للمياه، وغير ذلك من العوامل، على حد وصف منظمة الأمم المتحدة. ووفقا لتلك المنظمة العالمية، يتوقع أن ينخفض تدفق المياه في نهر الفرات بنسبة تزيد على 50 في المائة بحلول عام 2025. وبحلول ذلك الوقت، قد يعاني العراق فعليا من نقص في 33 مليار متر مكعب من المياه في كل عام، على حد زعم مسؤولي الأمم المتحدة.
يقول كينيث بولاك، وهو خبير في الشؤون العسكرية للشرق الأوسط لدى معهد بروكينغز «ليس لدى العراق ما يكفيه من المياه، ولنقص المياه آثاره الاقتصادية الوخيمة – والسياسية كذلك – والتي استمرت للكثير من السنوات حتى الآن». إن أي محاولة من تنظيم داعش لقطع الإمدادات، «سوف تتسبب في أضرار هائلة»، على حد وصفه. يصف المتشددون السنة من تنظيم داعش الشيعة بأنهم مرتدون. وفي العراق، يتهم المتشددون السنة السكان الشيعة بدعم الحكومة الطائفية والتي قمعت واضطهدت السنة. وفي شهر أبريل (نيسان)، قام جهاديو تنظيم داعش بإغلاق بوابات سد الفلوجة الذي كانوا يسيطرون عليه في محافظة الأنبار، وهي خطوة وصفها بعض المسؤولين العراقيين بأنها تهدف إلى إبطاء تدفق المياه إلى المناطق ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب. ولكن التراكمات اللاحقة في المياه لدى ذلك السد أدت إلى غمر قناة الري بالمياه الكثيرة في المنطقة السنية القريبة، مما أرسل موجة عارمة من المياه على المنازل، والمدارس، والأراضي الزراعية. وانتهى الأمر بذلك الطوفان – والذي اجتاح في طريقه الماشية وجعل السكان يهرولون إلى العوامات المائية المؤقتة – إلى الإضرار بما يصل إلى 40 ألف نسمة من السكان، على حد وصف عمال الإغاثة.
وفي الشهر الماضي، استغل تنظيم داعش سيطرته على سد «صدور» الصغير شمال بغداد لقطع إمدادات المياه عن قرية بلدرزو، ذات الأغلبية الشيعية في محافظة ديالى. ووفقا لما أدلى به عمدة القرية، والذي تحدث إلى وكالة الأنباء العراقية في شهر سبتمبر (أيلول)، فقد لغم المتشددون الطريق إلى السد بالعبوات الناسفة، واضطرت الحكومة إلى الاستعانة بشاحنات كبيرة لجلب المياه إلى السكان. مؤخرا، قال مسؤول محلي من محافظة ديالى إن «المتشددين من تنظيم داعش أغرقوا 9 قرى في منطقة شيروين عن طريق تحويل مسار المياه من الأنهار المجاورة، حتى يمنعوا تقدم القوات الأمنية العراقية».
وقال عبد المجيد ستار، وزير الزراعة والموارد المائية في حكومة إقليم كردستان، والتي تسيطر على منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمالي العراق إننا «في صراع مع تنظيم داعش حول المياه في العراق. إنهم يريدون السيطرة على المياه بأي ثمن. ويمكنهم تهديد أي جزء من أجزاء الدولة إذا ما أحكموا سيطرتهم على المياه».
وقد سيطر تنظيم داعش، في شهر يونيو (حزيران)، على سد الموصل وهو ثاني أكبر سد في العراق، وبعد شهرين قاموا بتوسيع هجومهم لما هو أبعد داخل المنطقة الشمالية العراقية.
تمكنت قوات البيشمركة الكردية، بمساعدة الضربات الجوية الأميركية، من استعادة معظم المناطق التي احتلها تنظيم داعش خلال هجوم شهر أغسطس (آب). ولكن حينما غادر الجهاديون، استغلوا سيطرتهم على المياه وشبكات الطاقة في مدينة الموصل لقطع إمدادات المياه والكهرباء عن تلك المناطق، والتي تتصل بنفس الشبكات. قال مسعود شاكر محمد، وهو مزارع كردي من إقليم جوير في شمالي العراق، وهي إحدى المناطق التي استعادها المقاتلون الأكراد «عدنا إلى قرانا وعندما اكتشفنا أنه لا وجود للكهرباء أو المياه، غادرنا مرة أخرى». واستطرد قائلا «حتى عندما انسحب المتشددون، فلا يزالون في السلطة. فهم لا يحتلون الأرض، ولكنهم يسيطرون على عودة الناس إلى تلك القرى».
وفي مقابلة هاتفية مع أحد أقدم الموظفين في دائرة المياه بمدينة الموصل، والتي تقبع حاليا تحت سيطرة تنظيم داعش، كان ممنوعا من الحديث عن قطع إمدادات المياه إلى قرى معينة. يقول ذلك الموظف والذي عرف نفسه باسم صلاح «كل ما أعرفه أننا كنا دائما نوفر المياه إلى تلك القرى، ولكننا لا نستطيع ذلك الآن. لكنني أعتقد أن الجماعة المسلحة (تنظيم داعش) تستخدم المياه كسلاح». وفي قرية أخرى صغيرة بالقرب من جوير، انتهج تنظيم داعش مسارا مغايرا تماما. فقد انسحب الجهاديون من قرية مزارعي القمح المسماة طلخانيم، ولكنهم أغلقوا محطة الطاقة التي كانت تستخدم لسحب المياه من الآبار المحلية هناك. ثم اتصل المتشددون بأحد المسؤولين المحليين ليخبروه أنهم يمكنهم إعادة المحطة للعمل إذا ما دفعوا لهم أموالا لقاء ذلك، وفقا لأحد السكان الأكراد وأحد الفلاحين الذي يدعى إبراهيم إسماعيل رسول.
حيث يقول رسول الذي اكتسى وجهه بلون البرونز من طول السنوات التي قضاها تحت الشمس «طلبوا 4 ملايين دينار عراقي (3500 دولار أميركي) مقابل إعادة تشغيل الكهرباء. إنهم يعملون كالحكومة، ويجمعون الفواتير من الناس».
دون المياه، لا يمكن لأي من السكان العودة إلى منازلهم، ولا يمكنهم المحافظة على ماشيتهم كذلك. وقال رسول إنهم طلبوا من المسؤولين الأكراد إذا كان يمكنهم دفع المال لتنظيم داعش من أجل إعادة الكهرباء والمياه مرة أخرى. وقال أيضا «رفضت الحكومة الطلب. مبررة أنهم لن يتعاملوا مع (داعش). ولكنني أراه أمرا منصفا أنهم إذا وفروا لي الكهرباء فسوف أدفع لهم».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».