الملاحظ في الآونة الأخيرة هجرة بعض المصممين اللبنانيين العرض في عواصم عالمية معتمدين إما على أسلوب التواصل باللسان، وهو ما يعرف بالفرنسية بـ«De bouche à oreille»، أي من الفم إلى الأذن، وإما على الأسلوب الذي يعتمد على تصوير تشكيلاتهم وطرحها في ألبومات، للترويج لمجموعاتهم وتسويقها.
مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما، بدأت أيضا تشكل أسلوبا جديدا ومهما لا يستغنون عنه لهذه الغاية.
تبرير هؤلاء المصممين أنهم عزفوا عن العرض في الخارج، وتحديدا في باريس أو ميلانو أو روما مثلا، لكي يفتتحوا محلات خاصة بهم في عدد من دول العالم. ومع ذلك فإن غيابهم يثير عدة علامات استفهام، أجاب عنها بعضهم بصراحة بالقول إن الأسباب خاصة أو تتعلق بالأوضاع غير المستقرة في لبنان والعالم العربي. أما آخرون فبرروا المسألة على أنها نزعة جديدة راجت في الآونة الأخيرة، واتبعتها دور أزياء عالمية شهيرة.
يقول المصمم اللبناني عبد محفوظ في هذا الصدد: «على مدى 13 سنة، تعودت عرض تصاميمي في روما، وفي النهاية وجدت أن تلك العروض لم تعط النتيجة المرجوة منها، فقررت أن أنتقل إلى باريس. لكن، وفي خضم التحضير لهذه النقلة، ساءت الأوضاع في لبنان وحصل انفجار في منطقة (ستاركو) على مبعدة أمتار من مشغلي، سبب دمارا لا يستهان به. هذا الأمر أثر عليّ نفسيا بشكل سلبي، فانعزلت عن العالم الخارجي، وانفردت بنفسي لفترة من الوقت ساعدتني على أن استجمع أفكاري وأرتب أوراقي من جديد». ويتابع محفوظ: «لم أستطع وقتها أن أحضر لمجموعتي الجديدة لربيع وصيف 2014، في المقابل، وبعد أن أخذت قسطا من الراحة، أنجزت مجموعتي لخريف وشتاء 2014 - 2015. كان لا بد أن أطلقها بأقل خسارة ممكنة، أي بمصاريف أقل. فالحالة الاقتصادية في البلاد تأثرت بالأوضاع الأمنية غير المستقرة، مما جعلني أقرر تصويرها وطرحها على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر) و(إنستغرام) وتزويد وسائل الإعلام بها».
ولكن هل هذا يعني عزوف المصمم عبد محفوظ نهائيا عن العودة إلى العالمية؟
يرد بسرعة: «بالطبع لا فهذا الوضع مؤقت، وقريبا سأحمل مجموعتي لربيع وصيف 2015 إلى باريس. يمكنك القول إن غيابي هذه المرة جاء قسريا ولأسباب شرحتها سابقا، ولكني لن أستسلم من حيث تقديم الجديد، كما أنوي توسيع نشاطاتي من خلال افتتاح محل عبد محفوظ للأزياء الجاهزة في الإمارات مثلا. فأنا موجود حاليا من خلال نقاط بيع معينة في عدة دول عربية وأجنبية، منها روسيا وقطر والرياض وجدة، لكن لا بأس من المزيد من التوسع». لا يخفي عبد محفوظ أن تكلفة عروض الأزياء، نحو 250 ألف يورو، وهو مبلغ يصعب تأمينه بالنسبة للكل، في ظل الأوضاع السائدة في لبنان والدول العربية المجاورة.
لكنه يشرح: «ومع ذلك لا يمكننا أن نعد التكلفة كبيرة، لأنه قد تجري الاستعانة بمستثمرين يدخلون في شراكة مع المصمم ويدعمونه ماديا. في الماضي، كنت ضد الفكرة، أو بالأحرى لم أمنحها اهتماما، لكني بدأت أخيرا أميل إليها». ويشير المصمم بأن زبائن دول الخليج العربي هم حاليا بمثابة «الحجر الذي يسند الخابية»، بمعنى أن الفضل يعود إليهم لإسناد صناعة الأزياء في لبنان، وبفضلهم استطاع عدد من المصممين الاستمرار والحفاظ على مكانتهم. فرغم أنهم لا يأتون إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، فإن التعامل معهم لم يتوقف. فتطور وسائل السفر، سهلت الأمر على المصممين الذي يمكنهم السفر إلى زبائنهم أينما كانوا لتلبية طلباتهم. ويعلق عبد محفوظ: «كانت الأسواق العربية، من بينها ليبيا ومصر وسوريا، تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لي، لكن عندما قامت ثورات الربيع العربي، لم يبق أمامنا سوى سيدات دول الخليج العربي نعلق عليهن كل الآمال».
من جهته، يوضح المصمم اللبناني روبير أبي نادر، الذي غاب عن منصات عروض الأزياء لموسمين متتاليين، أسباب قراره قائلا: «لا يمكننا الاستغناء عن المنصات العالمية فهي ترسخ مكانتها في الساحة، لكنها لم تعد تشكل الهدف الأول لنا. فالموضة الجاهزة هي الرائجة اليوم، لأن المرأة صارت تفضلها على الـ(هوت كوتير)، هذا الأمر دفعنا إلى افتتاح (بوتيكات) في عدد من الدول العربية، لأنها سوقنا الأساسية. وتضم هذه المحلات كل ما تطلبه المرأة من أزياء جاهزة إلى فساتين الزفاف وغيرها، وبالفعل تلاقي رواجا كبيرا. فالمنافسة اليوم، انتقلت من الـ(هوت كوتير) إلى الجاهزة منها». ويتابع: «الموضوع لم نتبعه من باب التوفير المادي، فالتكلفة هي نفسها إذا ما حسبنا ما نتكبده من إعلانات ورحلات سفر وتحضيرات تسبق كل مجموعة وتصويرها وغيرها من الأمور. في العام الماضي، مثلا، سافرت إلى روما لتصوير مجموعتي الجديدة، واندهشت عندما حصلت على شهرة أكبر من تلك التي نحصل عليها بعد كل عرض في باريس مثلا. لكن هذا لا يلغي أهمية العرض على منصة عالمية، وبالتالي لا يمكنني أن الغي الفكرة تماما، لأنها وسيلة لإثبات وجودي في الساحة».
أما المصمم اللبناني نيكولا جبران، الذي عرف عنه طيلة مشواره في عالم الأزياء، اختياره بيروت كمحطة أساسية لإطلاق تصاميمه الموسمية، فقال في هذا الصدد: «لم تجذبني المنصات العالمية أبدا، وكنت أول من استمر في إقامة عروض الأزياء في بيروت. صحيح أني توقفت عن ذلك، منذ نحو الثلاث سنوات، لكن السبب معروف وهو أن اخترت أن أتريث وأن أحسب كل خطوة. كان مهما أن أتبع أسلوبا مختلفا، تجلى في افتتاح صالة عرض في لوس أنجليس، وهناك خطط مستقبلية بأن أجد لي مكانا في فرنسا بأن أشارك في أسبوع باريس للموضة. لكن قبل ذلك، سأطلق مجموعة أزياء جاهزة خاصة بي. لقد قاومت وتحديت المصاعب في حرب يوليو (تموز) مثلا، واستقدمت مشاهير من الخارج، ولكني اليوم لست على عجلة من أمري، وخصوصا أن الأوضاع السياسية والأمنية لا تساعد». ويرى نيكولا جبران أن دور أزياء عالمية سبقته في تبني الأسلوب الذي يتبعه اليوم، وأن الاتكال على التصوير والتسويق المحليين، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، أعطى نتائجه وأصبح قادرا على الوصول إلى الناس بسرعة البرق.
مثل روبير أبي نادر، يتفق نيكولا جبران بأن وجود المصمم في الخارج مهم لإثباب الذات: «ولكن لكل منا خطته في العمل، فالظروف تتغير وعلينا مواكبتها والتأقلم معها، وليس غض النظر عنها».
قد تكون موضة الـ«هوت كوتير» أصبحت نوعا من الرفاهية تستقطب نسبة قليلة جدا من النساء في العالم، وقد تكون الأزياء الجاهزة، كما تشير الإحصائيات هي المستقبل في لبنان والوطن العربي، إلا أن اللافت هو أن الكثير من مصممي الأزياء اللبنانيين يعيدون ترتيب أوراقهم حاليا ومستعدون لمعانقتها للخروج من الأزمة التي وجدونا أنفسهم وسطها بسبب الأوضاع السياسية والأمنية. أما الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت وسيلة كل من وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بعد أن أكدت تأثيرها وفعاليتها.
مصممو لبنان يستبدلون «فيسبوك» و«تويتر» بمنصات عروض الأزياء
وسائل التواصل الاجتماعي وافتتاح محلات وسيلتهم للخروج من الأزمة الأمنية
مصممو لبنان يستبدلون «فيسبوك» و«تويتر» بمنصات عروض الأزياء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة