خادم الحرمين يدعو العلماء إلى دراسة الواقع الثقافي المضطرب للأمة الإسلامية

في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير مشعل بن عبد الله خلال افتتاح مؤتمر مكة المكرمة

الأمير مشعل بن عبد الله يلقي كلمة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر أمس (تصوير: أحمد حشاد)
الأمير مشعل بن عبد الله يلقي كلمة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر أمس (تصوير: أحمد حشاد)
TT

خادم الحرمين يدعو العلماء إلى دراسة الواقع الثقافي المضطرب للأمة الإسلامية

الأمير مشعل بن عبد الله يلقي كلمة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر أمس (تصوير: أحمد حشاد)
الأمير مشعل بن عبد الله يلقي كلمة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر أمس (تصوير: أحمد حشاد)

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جميع العلماء والدعاة، وأصحاب الأقلام، لضرورة دراسة حال الأمة التي تعيش واقعا ثقافيا مضطربا، وتتبع أسباب الخلل فيها، ومعالجة ذلك بالحكمة والحجج المقنعة، حتى يستقيم على المنهاج الصحيح الذي يتصف بالوسطية والاعتدال، ونبذ التطرف والعنف والإرهاب.
وقال خادم الحرمين الشريفين، في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير مشعل بن عبد الله، أمير منطقة مكة المكرمة، أثناء افتتاح مؤتمر مكة المكرمة الـ15 تحت عنوان «الثقافة الإسلامية.. الأصالة والمعاصرة» إن الأمر يتطلب تنسيقا تتكامل فيه الجهود، ويتحقق فيه التعاون في وضع البرامج والخطط التي تنشر الوعي الصحيح، وتحارب الفكر المنحرف، وتصحح التصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية.
وقال خادم الحرمين: «إن الثقافة الإسلامية هي التي تعرف بالأمة وتحدد وجهتها الحضارية، وتربط أطرافها بعضهم ببعض، فبهذه الثقافة يرتبط المسلم بمئات الملايين من المسلمين المبثوثين في مختلف أنحاء العالم، ويشترك معهم في الدين الذي يدين به، والرسالة التي يتبعها، والمشاعر والآمال والتطلعات التي تعتلج في وجدانه، تجاه حاضر الأمة ومستقبلها».
وأضاف: «إن الثقافة الإسلامية هي التي توحد الأمة وتصل بين شعوبها ودولها، فينبغي أن يعطى لها ولمكونها الأساسي، وهو الدين، اهتمام أساسي في الاعتناء بالثقافات المحلية والوطنية وتنميتها، وبذلك يكون الانتماء الوطني مؤسسا على الانتماء الإسلامي في مختلف البلدان الإسلامية».
وأكد خادم الحرمين الشريفين أن الأمة الإسلامية أمة كاملة الشخصية، لها تجربتها الحضارية المشرقة، وسجلها التراثي الزاخر، إضافة إلى تميزها عن غيرها من كونها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وتحمل رسالة الله العالمية الخاتمة، وهي رسالة نور ورحمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا» [النساء]، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» [الأنبياء].
وقال: «فمن الواجب على الأمة الإسلامية أن تتمسك بثقافتها وتدافع عنها بالطرق المشروعة.. ووفاؤها بالتزاماتها في التعاون الدولي والإنساني، لا يتعارض مع خصوصيتها الثقافية، ذلك أن التنمية البشرية، وما يتصل بها من مفاهيم كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يجوز أن تكون خارجة عن إطار البيئة الثقافية للأمة».
وتطرقت كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى أهمية الموازنة بين الأصالة والمعاصرة: «صلتنا بثقافتنا تتطلب موازنة بين جانبي الأصالة والمعاصرة فيها، فالمعاصرة هي الاتصال الفاعل بعصرنا، والتعامل مع مشكلاته وملابساته، والاستفادة مما يتوفر فيه من تطورات في العلوم والمعارف ونظم الحياة المختلفة، وذلك يقتضي إقامة علاقات إيجابية مع الآخرين للتعايش والتعاون في فضاء المشترك الإنساني الواسع، والوفاء بمتطلبات المعاصرة لا يتعارض مع التمسك بالجانب الثابت من ثقافتنا، وهو ديننا ولغتنا العربية وقيمنا العربية الإسلامية، وذلك يتطلب منا الاعتزاز بتراثنا والاهتمام به والاستفادة منه في تنظيم شؤون حياتنا».
وتابع: «واليوم تعيش أمتنا واقعا ثقافيا مضطربا، يحتاج منكم أيها العلماء والدعاة وأصحاب الأقلام، أن تدرسوه دراسة ضافية، وتتبعوا أسباب الخلل فيه، وتعالجوها بالحكمة والحجج المقنعة، حتى يستقيم على المنهاج الصحيح الذي يتصف بالوسطية والاعتدال، ونبذ التطرف والعنف والإرهاب، والأمر يتطلب تنسيقا تتكامل فيه الجهود، ويتحقق فيه التعاون في وضع البرامج والخطط التي تنشر الوعي الصحيح، وتحارب الفكر المنحرف، وتصحح التصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية».
وأوضح الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته: «نحن في المملكة، استطعنا أن نجرد الفكر المنحرف، من كل الشبهات التي حاول أن يجد فيها سندا له، وينشر من خلالها دعايته، بفضل التعاون بين علمائنا وأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية والثقافية، فكونا بذلك جبهة موحدة عملت على كل المستويات، وفي كل الاتجاهات، لإيجاد تحصين قوي ومستقر في المجتمع من هذه الآفة الدخيلة، ولئن كان التفريط في الثقافة الإسلامية والتقصير في حمايتها، أحد العوامل التي أوقعت بعض أوطاننا العربية والإسلامية في دوامة من المشكلات، فإن الاستقرار الذي تنعم به المملكة والحمد لله، يستند إلى محافظتها على ثقافتها التي هي الثقافة الإسلامية».
وزاد: «وستستمر بإذن الله على هذا المسار الذي تأسست عليه المملكة. وقد استطعنا، بتوفيق الله، أن نصل إلى معادلة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة في المسألة الثقافية، فلم يمنعنا التمسك بأصالتنا وبناء منهجنا عليها، من مواكبة العصر والاستفادة من كل إبداعاته وتطوراته المفيدة التي لا ضرر فيها على ديننا وأخلاقنا، ولم نجد في هذه المواكبة الواعية المُرَشَّدَةِ، ما يؤثر على هويتنا وانتمائنا لأمتنا وتراثها وحضارتها المشرقة».
وفي الختام شكر خادم الحرمين رابطة العالم الإسلامي ورئيس مجلسها الأعلى وأمينها العام، على ما تسهم به من جهود متميزة في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها، ودحض الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته، ومواجهة الإرهاب والتطرف والغلو.
ونقل الأمير مشعل بن عبد الله، أمير منطقة مكة المكرمة، تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كما رحب بالمشاركين في هذا المؤتمر، الذي يعقد في هذا البلد الأمين الذي يستقبل ملايين المسلمين، قادمين من كل فج عميق.
بعد ذلك، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام السعودية، رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، إن الإسلام دين كمال حل جميع المشاكل؛ فلا قضية إلا ورد فيها بيان من حيث الوجوب والاستحباب والكراهية والتعليم تبيينا للحق وتوضيحا له، موضحا أن الإسلام بيّن العقيدة السليمة، وأوضح للمسلمين المعاملات التي يتعاملون بها في بيعهم وشرائهم وسائر علاقاتهم المالية، كذلك موقف الشرع من الملبوسات والمطعومات والمشروبات الجائز منها وغير الجائز.
وأكد مفتي عام المملكة، أن الإسلام اهتم بالأقليات غير المسلمة في بلاد الإسلام، وحقن دماءهم وأموالهم ولم يمسهم بسوء.. احترم الأديان السابقة في حال السلم والحرب، وأن هذه العلاقات مبنية على العدل والإنصاف وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم متى ما احترموا دين الإسلام ولم يناوئوا المسلمين.
وأشار المفتي إلى أن هذه المبادئ والنظم هي ثقافة إسلامية ينبغي أن نفتخر ونعتز بها، وهي ثقافة دلت على الإيمان بالله وكتابه ورسوله والإيمان بقضائه وقدره، وأنها ثقافة ترسخ تعظيم أركان الإسلام والمحافظة عليها، تعظيم أوامر الله واجتناب نواهي الله، ثقافة يجب أن تمثل في الدعوة إلى الخير وتبيين محاسن الإسلام وصورته الناصعة.
وقال المفتي إن هذه القيمة الأخلاقية وفضائلها، يجب أن تعمل على توعية المجتمعات المسلمة مما حل بها من هذه الكوارث والمصائب التي عمت بلاد الإسلام والتي وراءها من وراءها لإذلال المسلمين وإهانتهم وجرهم إلى الذل والهوان. ثقافتنا هذه يجب أن تمثل في الدعوة إلى الله وتحذير أمتنا من الأخطار المحدقة بها ومن المبادئ الهدامة الإرهابية المتطرفة والإرهاب الظالم والعدوان الغاشم.
ودعا المفتي، إلى أهمية توعية الشباب وعدم الاغترار بهذه المبادئ الضالة والآراء الزائفة التي جاء بها أعداء الإسلام ليفرقوا جمع المسلمين ويشتتوا كلمتهم ويزرعوا الأحقاد والبغضاء في قلوب أبناء المسلمين.
وفي سياق متصل أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أن ما سيخرج من توصيات في هذا المؤتمر الذي يحضره نخبة كبيرة من علماء المسلمين، في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الجماعات المتطرفة، سيعيدهم إلى جادة الصواب والطريق الصحيح.
ولفت الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المؤتمر جاء ليصحح الثقافة الإسلامية في أذهان الشباب، ويرشدهم إلى المفهوم السليم، خاصة وأن المؤتمر يحرص من خلال جلساته على التركيز على التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، والمتمثلة في محاربة الإرهاب والتطرف، والحزبية، والطائفية.
وقال التركي إن الأمر يتطلب العمل على مسار آخر في تغيير الصورة السلبية التي انطبعت في أذهان الآخرين، نتيجة الأوضاع السيئة التي يعيشونها، وحملات التشويه المستغلة استغلالا تعصبيا مغرضا، والتصحيح لدى الآخرين خطوة هامة لإسهامهم في معالجة القضايا الإنسانية المختلفة والتأثير بثقافتهم في الأنظمة الدولية والإنسانية.
ولفت التركي إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية، الخلل في أذهان بعض المسلمين، في فهم بعض أحكام الإسلام في الأصول أو الفروع، وأهدافه والمغزى من رسالته، والتعريف به وتطبيقه في واقع الحياة، موضحا أن هذا الخلل من أبرز أسباب الاضطراب الذي يعاني منه العالم الإسلامي والعربي، والذي أسهم في ظهور الطائفية البغيضة، والحزبية المفرطة والتطرف المنتج للتكفير والإرهاب.
وشدد التركي في كلمته على أن الطائفية هي ما تهدد وحدة المسلمين، وتعمل على تخريب الديار، الأمر الذي يسهم في التدخل الأجنبي المغرض، وتعمل على تحقيق أهدافها من خلال فهم بصورة منحرفة نشأت من موقف سلبي من سلف الأمة.
وأشار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى أن الحزبية التي يدعي أصحابها أنها تسهم في تمكين الدين، انعكست على المسلمين بشر أوقعهم في العديد من الفتن وتسببت في تهديد الاستقرار السياسي والوحدة الاجتماعية، من خلال نشر فكر خاطئ يدعي أصحابه أنهم الغيورون على الإسلام وحماته في المجتمع.
وحذر التركي من الإرهاب، الذي وصفه بالرأي المتطرف، ولا يقبل المجادلة، كما أنه يرى فيه دعوة الناس إلى حمل السلاح واستهداف الناس في أنفسهم وأموالهم، موضحا أن هذه الفئة تعمل على استقطاب ذوي الثقافة البسيطة، وتجنيدهم في عصابات إجرامية، على أنهم مجاهدون بهذه الأعمال.
ولفت التركي إلى أن السعودية قامت بجهود جبارة في مكافحة التطرف والإرهاب، وتعد هذه التجربة رائدة تحتوي على رصيد كبير من الخبرة والنجاح في مواجهة هذه الجماعات، ولا بد أن تستثمر في الدراسات والبحوث التي تعتني بهذا الجانب، موضحا أن هذه الجهود يقف خلفها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يغتنم كل مناسبة لإطلاق توجيهات قوية وبعيدة الأهداف في معالجة قضايا الإرهاب وما يتعلق به.



السعودية تدين قصف إسرائيل مخيم النصيرات وسط غزة

فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
TT

السعودية تدين قصف إسرائيل مخيم النصيرات وسط غزة

فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)

أعربت السعودية، الجمعة، عن إدانتها واستنكارها قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية لمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وأكدت في بيان لوزارة خارجيتها، أن إمعان قوات الاحتلال في انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي والإنساني، واستهدافاتها المستمرة للمدنيين الأبرياء «ما هي إلا نتيجة حتمية لغياب تفعيل آليات المحاسبة الدولية».

وجدّدت السعودية مطالبتها للمجتمع الدولي بضرورة التحرك الجاد والفعّال لوضع حد لهذه الانتهاكات الصارخة والمتكررة «حفاظاً على أرواح المدنيين، وما تبقى من مصداقية الشرعية الدولية».