قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز: إننا في السعودية، استطعنا أن نجرد الفكر المنحرف، من كل الشبهات التي حاول أن يجد فيها سنداً له، وينشر من خلالها دعايته، بفضل التعاون بين علمائنا وأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية والثقافية، فكوّنا بذلك جبهة موحّدة عملت على كل المستويات، وفي كل الاتجاهات، لإيجاد تحصين قوي ومستقر في المجتمع من هذه الآفة الدخيلة.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الأمير مشعل بن عبد الله أمير منطقة مكة المكرمة، اليوم (الأحد)، في حفل افتتاح مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي ويستمر لمدة ثلاثة أيام تحت عنوان (الثقافة الإسلامية: الأصالة والمعاصرة)، وفيما يلي نصها :
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويسرني أن أنقل إليكم تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وأرحبُ بالإخوة المشاركين في هذا المؤتمر، الذي يعقد في هذه الأيام التي عظمها الله: ((والفجرِ وليالٍ عَشْرٍ)) وفي هذا البلد الأمين الذي يستقبل ملايين المسلمين، قادمين من كل فج عميق.
نسأل المولى الكريم أن يرزقنا التوفيق والعون على خدمتهم، والسهر على أمنهم وراحتهم، حتى يؤدوا مناسكهم على أحسن وجه، ويرجعوا إلى أوطانهم سالمين غانمين.
أيها الإخوة: إن الثقافة الإسلامية هي التي تعرّف بالأمة وتحدّد وجهتها الحضارية، وتربط أطرافها بعضهم ببعض، فبهذه الثقافة يرتبط المسلم بمئات الملايين من المسلمين المبثوثين في مختلف أنحاء العالم، ويشترك معهم في الدين الذي يدين به، والرسالة التي يتبعها، والمشاعر والآمال والتطلعات التي تعتلج في وجدانه، تجاه حاضر الأمة ومستقبلها.
إن الثقافة الإسلامية هي التي توحد الأمة وتصل بين شعوبها ودولها؛ فينبغي أن يعطى لها ولمكونها الأساسي وهو الدين، اهتمام أساسي في الاعتناء بالثقافات المحلية والوطنية وتنميتها، وبذلك يكون الانتماء الوطني مؤسساً على الانتماء الإسلامي في مختلف البلدان الإسلامية. وأمتنا الإسلامية أمة كاملة الشخصية، لها تجربتها الحضارية المشرقة، وسجلها التراثي الزاخر، إضافة إلى تميزها عن غيرها من كونها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وتحمل رسالة الله العالمية الخاتمة، وهي رسالة نور ورحمة: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا)) [النساء/174]؛ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء/107].
فمن الواجب على الأمة الإسلامية أن تتمسك بثقافتها وتدافع عنها بالطرق المشروعة، ووفاؤها بالتزاماتها في التعاون الدولي والإنساني، لا يتعارض مع خصوصيتها الثقافية، ذلك أن التنمية البشرية، وما يتصل بها من مفاهيم كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يجوز أن تكون خارجة عن إطار البيئة الثقافية للأمة. وصلتنا بثقافتنا تتطلب موازنة بين جانبي الأصالة والمعاصرة فيها.
فالمعاصرة هي الاتصال الفاعل بعصرنا، والتعامل مع مشكلاته وملابساته، والاستفادة مما يتوفر فيه من تطورات في العلوم والمعارف ونظم الحياة المختلفة، وذلك يقتضي إقامة علاقات إيجابية مع الآخرين للتعايش والتعاون في فضاء المشترك الإنساني الواسع.
والوفاء بمتطلبات المعاصرة لا يتعارض مع التمسك بالجانب الثابت من ثقافتنا، وهو ديننا ولغتنا العربية وقيمنا العربية الإسلامية، وذلك يتطلب منا الاعتزاز بتراثنا والاهتمام به والاستفادة منه في تنظيم شؤون حياتنا. واليوم تعيش أمتنا واقعاً ثقافياً مضطرباً، يحتاج منكم أيها العلماء والدعاة وأصحاب الأقلام، أن تدرسوه دراسة ضافية، وتتبعوا أسباب الخلل فيه، وتعالجوها بالحكمة والحجج المقنعة، حتى يستقيم على المنهاج الصحيح الذي يتصف بالوسطية والاعتدال، ونبذ التطرف والعنف والإرهاب. والأمر يتطلب تنسيقاً تتكامل فيه الجهود، ويتحقق فيه التعاون في وضع البرامج والخطط التي تنشر الوعي الصحيح، وتحارب الفكر المنحرف، وتصحح التصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية. ونحن في المملكة العربية السعودية، استطعنا أن نجرد الفكر المنحرف، من كل الشبهات التي حاول أن يجد فيها سنداً له، وينشر من خلالها دعايته، بفضل التعاون بين علمائنا وأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية والثقافية، فكونّا بذلك جبهة موحدة عملت على كل المستويات، وفي كل الاتجاهات، لإيجاد تحصين قوي ومستقر في المجتمع من هذه الآفة الدخيلة ,ولئن كان التفريط في الثقافة الإسلامية والتقصير في حمايتها، أحد العوامل التي أوقعت بعض أوطاننا العربية والإسلامية في دوامة من المشكلات، فإن الاستقرار الذي تنعم به المملكة والحمد لله، يستند إلى محافظتها على ثقافتها التي هي الثقافة الإسلامية.
وسنستمر بإذن الله على هذا المسار الذي تأسست عليه المملكة، وقد استطعنا بتوفيق الله أن نصل إلى معادلة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة في المسألة الثقافية، فلم يمنعنا التمسك بأصالتنا وبناء منهجنا عليها، من مواكبة العصر والاستفادة من كل إبداعاته وتطوراته المفيدة التي لا ضرر فيها على ديننا وأخلاقنا، ولم نجد في هذه المواكبة الواعية المُرَشَّدَةِ، ما يؤثر على هويتنا وانتمائنا لأمتنا وتراثها وحضارتها المشرقة.
وفي الختام أشكر رابطة العالم الإسلامي ورئيس مجلسها الأعلى وأمينها العام، على ما تسهم به من جهود متميزة في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها، ودحض الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته، ومواجهة الإرهاب والتطرف والغلو.
وأسأل الله تعالى أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق لما فيه الخير للأمة الإسلامية جمعاء.
ثم ألقى رئيس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر الدكتور عبدا لله بن إبراهيم بو خلخال، كلمة المشاركين التي عبر فيها عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر.
إثر ذلك ألقى الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، كلمة قال فيها: لقد رأت الرابطة أن تجعل موضوع الثقافة الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، عنواناً لمؤتمر مكة المكرمة في هذا العام، ونرجو أن يوفق المشاركون لتسليط الضوء على هذا الموضوع المهم بمختلف جوانبه، ويقدموا رؤية جلية في محاوره وعناصره الأساسية، تستفيد منها الأمة وتستنير بها في طريقها نحو إصلاح حالها، وإيجاد مكان لائق وملائم لثقافتها في ظل الانفتاح والتنافس اللذين يشهدهما عالمنا المعاصر. مبينًا أن الأمة الإسلامية تتميز عن غيرها من الأمم، بأنها أمة مؤتمنة على الرسالة العالمية الخاتمة، في العمل بها وتبليغها للعالم، فهي أمة تستمد قيمتها من صلتها بهذه الرسالة، وتستنير بها في مسيرتها، وتستلهم منها معالم الحضارة الإنسانية الراقية.
من جانبه، قال مفتي عام المملكة رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، إن الإسلام دين كمال حل جميع المشاكل فلا قضية إلا ورد فيها بيان من حيث الوجوب والاستحباب والكراهية والتعليم تبينا للحق وتوضيحا له.
وأكد المفتي أن الإسلام اهتم بالأقليات غير المسلمة في بلاد الإسلام وحقن دماءهم وأموالهم ولم يمسهم بسوء. احترم الأديان السابقة احتراما بمعنى أنه في حال السلم والحرب، وأن هذه العلاقات مبنية على العدل والإنصاف وإعطاء الحقوق؛ حقوقهم متى ما احترموا دين الإسلام ولم ينأوا المسلمين.
ودعا إلى توعية الشباب وعدم الاغترار بهذه المبادئ الضالة والآراء الزائفة التي جاء بها أعداء الإسلام ليفرقوا جمع المسلمين ويشتتوا كلمتهم ويزرعوا الأحقاد و البغضاء في قلوب أبناء المسلمين.
خادم الحرمين: تعاون علمائنا وأجهزتنا الأمنية جرّد الفكر المنحرف من كل شبهاته
في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير مشعل في حفل افتتاح مؤتمر مكة الـ 15
خادم الحرمين: تعاون علمائنا وأجهزتنا الأمنية جرّد الفكر المنحرف من كل شبهاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة