هناك أسماء تبدأ من الصفر تحفر في الصخر قبل أن يعرفها العالم، وهناك أسماء لا تحتاج سوى لتلميع بسيط تنطلق بعده وهي محاطة بهالة من ذهب. ميزون إيرفي (IRFE) تنتمي إلى الشريحة الثانية، لأن كل ما تطلبته من مصممتها الحالية أولغا سوروكينا، أن تنفض عنها غبار الزمن لتعود إلى سابق عهدها. أهم ما قامت به أولغا، عندما أعادت إحياء الدار في عام 2007، أنها لم تُعد أمجادها القديمة فحسب، بل أعادت أيضا تاريخا مثيرا، يدور حول قصة حب ربطت اثنين من أفراد الأسرة المالكة في روسيا القيصرية: الأميرة إيرينا رومانوف حفيدة القيصر ألكسندر الثالث، والأمير فيليكس يوسوبوف ابن أغنى رجل في روسيا آنذاك. قصة «ميزون إيرفي»، وهو اسم مؤلف من الأحرف الأولى من اسمي إيرينا وفيليكس، الشخصي والعائلي، بدأت عام 1924 بعد زيارة قام بها الأمير إلى الولايات المتحدة الأميركية. ولتمويلها، يقال إنه باع ماسة قيمة لدار كارتييه الفرنسية. كان الافتتاح ضخما في فندق الريتز، شاركت فيه عارضات شهيرات، كما حضرته باقة من المجتمع الأرستقراطي والمخملي. نجمة العرض والحفل لم تكن سوى إيرينا رومانوف نفسها، التي بقيت سفيرة لدارها لسنوات.
لكن الزمن لم يكن رحيما باسم «إيرفي» حيث توارت عن الواجهة ومن الأذهان 80 سنة قبل أن تجذب القصة أولغا سوروكينا فتقرر أن تعيد كتابة فصل جديد منها. اتصلت بحفيدة إيرينا وفيليكس وحصلت على إذنها لاستعمال الاسم، وهو ما تحقق. الآن تعد أولغا سفيرة الدار كما كانت إيرينا سفيرتها في العشرينات من القرن الماضي. أمر تقوم به على أحسن وجه بحكم أنها كانت عارضة أزياء من قبل، ومن ثم تعرف ما يخدم المرأة وكيف يمكن استغلاله فضلا عن دورها كمصممة فنية. ويشهد لها الجميع بأنها نجحت خلال فترة قصيرة أن تضخ الدار بثقافة عصرية اعتمدت فيها على قراءة واسعة وذكية لما ترغب فيه بنات جيلها خصوصا، وهو ما ترجمته في هذه التشكيلة، التي كان التنوع عنوانها. فقد استعملت أقمشة مختلفة مثل الدينم والجلد في تصاميم تفوح الأنوثة من جوانبها تارة والإيحاءات العسكرية القوية تارة أخرى، بينما حافظت الألوان على هدوئها وحياديتها بالتركيز على الأبيض والأسود والكحلي والرملي، مثلا. تنوعها يجعل بإمكان أي امرأة شابة أن تجد فيها شيئا يروق لها، سواء تعلق الأمر بفساتين منسابة بسحابات متعددة منحتها روحا رياضية إلى جانب أخرى ناعمة، أو تعلق بتايورات مفصلة أو جاكيتات مع «شورتات» قصيرة أو قمصان واسعة وطويلة. كان الإحساس بالانطلاق والصيف ينبعث منها بقوة حتى عندما أرسلت مجموعة مرصعة بما يشبه الأزرار الضخمة ظهرت بسخاء على الفساتين أو الكنزات. لكن يبقى الدينم أقوى خامة في هذه التشكيلة، ربما لأنه كان الأجمل أو ربما لأنه كان أول ما استهلت به العرض، مما أبقاه مرسوما في الذاكرة.
الطريف أنه في الوقت الذي ركزت فيه أولغا سوروكينا على الانطلاق والابتعاد عن الرسميات وكل ما يتعلق بها مثلها مثل غيرها من باقي المصممين، اختار الثنائي الألماني تالبوت رانهوف أن يسبحا ضد التيار برفضهما الانسلاخ عما يجري حولهما من أحداث سياسية. وكانت النتيجة أنهما استعملا عرضهما لتوجيه رسالة سياسية أعلنا فيها رفضهما ما يجري في أوكرانيا وغضبهما من بوتين وسياسته الداخلية والخارجية على حد سواء. لم تكن الرسالة مفاجئة، فقد كانت متوقعة منذ اللحظة التي وصل فيها للضيوف بطاقات الدعوة، التي ظهر فيها بوتين بقبعة كاريكاتيرية، كتب عليها «تعال إلى باريس بسرعة قبل أن يأتي هو إليها».
ما قام به المصممان أنهما جمعا 4 صور، على شكل «كولاج» يظهر فيها بوتين وعينه على عواصم الموضة الأربع: باريس، ولندن، وميلانو ونيويورك. كانت الصور ساخرة وطريفة، في الوقت ذاته لا تخلو من روح النكتة، حيث ظهر في نيويورك، مثلا، وهو يحمل العلم الروسي بيده ويتأرجح من فوق مبنى الإمباير ستايت مستحضرا صورة كينغ كونغ في الفيلم الشهير. الثنائي تالبوت رانهوف أكدا أن هدفهما لم يكن تسييس العرض، بقدر ما كان استعمال الأزياء كطريقة تعكس نبض الشارع وتعبر عنه. ورغم أن العرض لم يقتصر على هذه الـ«تي - شيرتات»، إذ شمل أيضا قطعا أنيقة مصنوعة من البروكار على شكل فساتين بتصاميم مختلفة ومبتكرة فإن هذه «التي - شيرتات» المسيسة تبقى أقوى ما فيها، ومن المتوقع أن تجد لها أصداء تجارية في شوارع العالم عندما تطرح في الأسواق.
أسبوع باريس.. قوته تكمن في تنوعه
https://aawsat.com/home/article/190026
أسبوع باريس.. قوته تكمن في تنوعه
الثنائي تالبوت رانهوف يسيّس الموضة.. وإيرينا سوروكينا تعيد كتابة قصة قديمة
- باريس: جميلة حلفيشي
- باريس: جميلة حلفيشي
أسبوع باريس.. قوته تكمن في تنوعه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة