أطفال يطاردون انقطاع الكهرباء بالنقر على «الصفيح»

«النور» يدخل إلى الفولكلور المصري من باب «العتمة»

أطفال يطاردون انقطاع الكهرباء بالنقر على «الصفيح»
TT

أطفال يطاردون انقطاع الكهرباء بالنقر على «الصفيح»

أطفال يطاردون انقطاع الكهرباء بالنقر على «الصفيح»

أدهشني منظرهم، وخفة حركتهم وهم ينقرون على علب من الصفيح، ويتناوبون فيما بينهم مقاطع أنشودة يبدو أنها ولدت للتو فوق شفاههم الغضة، يطاردون بها العتمة التي اكتست بها شوارع وبيوت المدينة جراء انقطاع الكهرباء المتكرر الذي أصبح بمثابة هم يومي، يفاجئهم في أي لحظة ولعدة ساعات من الليل أو النهار.
منظر جوقة الأطفال الصغار فجر فيَّ الضحك إلى حد البكاء، وأنا أجر خطواتي المجهدة بأحد شوارع مدينة الشيخ زايد (غرب القاهرة)، بعد يوم ثقيل من العمل، ورغم العتمة التي خيمت على الشارع والبنايات، فإنني سرعان ما انخرطت في الغناء وبتلقائية شديدة مع جوقة الأطفال، وأحسست بنشوة وأنا أردد معهم: «هو وحشني يا امه.. هو حياتي يا امه.. النور النور النور.. خلاني أقعد في البلكونة، لا أنا عاقلة ولا مجنونة.. النور النور النور».
وفجأة جاء النور، تصورت أن الأطفال سيقعون في ورطة، لكنهم أيضا فاجأوني بحس شديد الفطرة والبديهة، وفي لمح البصر تحول إيقاع الأغنية إلى «أهو جه يا أولاد.. فتح الأبواب.. النور النور النور.. خلانا اصحاب، نلعب وندور.. النور النور النور».
شهاب، أكبر الأطفال سنا، وحاديهم أو قائد الأوركسترا بلغة الفن الحديث، يرى أن ما يصنعونه نوع من مقاومة العتمة، وما تخلفه من إحساس بالملل والرتابة والإحباط، يقول وهو يمسك آلته الموسيقية، علبة الصفيح ومسمار حديد سميك القوام: «قلنا نلعب شويه، الضلمة بتربكنا، وتشل حركتنا، ومينفعش نلعب على ضوء شمعة.. كلنا أصحاب.. أنا أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي.. بنسلي أنفسنا ونضحك على الضلمة».
استوقفتني كلمة «بنضحك على الضلمة» ولاحظت وجود ثلاث بنات في المجموعة، سألت شيماء، الأكثر حركة وصاحبة الصوت المميز عن إحساسها بهذا الجو المرح، فبادرتني قائلة بعفوية وبلغة تنحو نحو الفصحى: «يا عمو، إحنا مظاهرة سلمية ضد العتمة، ولا نخالف القانون، نمارس حقنا وفقا للدستور.. المفروض الحكومة تشكرنا.. إحنا مظاهرة للمرح والضحك.. ننفس فيها عن همومنا من انقطاع النور، بدلا ما نستسلم للإحباط وحرق الدم». شيماء التي تتجاوز السنوات العشر بقليل، تبدو فخورة بوعيها، وكأنها تقوم بمهمة وطنية، وهو الشعور نفسه الذي نقله لي عصام، الأكبر منها بسنتين، قائلا: «النور بيونسنا والعتمة بتخوفنا، بنشوف فيها حاجات غريبة، أنا بخاف من العفاريت تطلع في الضلمة». أحاديث الأولاد وغناؤهم العفوي أرجعني إلى تراث الفلكلور الشعبي المصري، وكيف يجدد نفسه في فترات زمنية معينة، حتى إن الباحث في هذا التراث يجد أسسا من الأساطير المصرية القديمة ومن ديانة قدماء المصريين، وكيف تنقلت هذه الأساطير وتلك الديانات وتطورت على مرور الزمن حتى وصلت إلينا في صور ربما حافظت على الكثير من مظاهرها القديمة.
ويرى الكثير من الباحثين في هذا التراث أن ثنائية النور والظلام واحدة من الركائز المهمة في تراث الفلكلور المصري، وتتوازى مع ثنائية الموت والحياة. ويذهبون إلى أن هذه الثنائية تشكل صراعا لافتا في المخيلة الشعبية، حيث يعد الظلام انفتاحا على العالم الآخر، عالم السحر والخرافة والخيال، بينما يمثل النور انقطاعا عن هذا العالم، وإغلاقا مؤقتا لأبوابه.
ويضرب هؤلاء الباحثون المثل بالكثير من الأغنيات الشعبية العفوية، التي تواكب المظاهر الدينية، والاجتماعية، وخوارق الطبيعة، ومن أبرزها الأغنية التي لا تزال تتردد في مخيلة الوجدان الشعبي خاصة في الريف المصري، عند حدوث ظاهرة «خسوف القمر».. حيث يخرج الأهالي في تجمعات وهم يدقون على أغطية حلل الطعام والشخللة بها، ويرددون في غناء جماعي: «يا بنات الحور.. خلوا القمر يدور.. يا بنات الجنة خلوا القمر يتهنى».
ويؤكد الباحثون أن هذه العادة التي يتبعها المصريون حتى الآن عند خسوف القمر لا يوجد لها مثيل في أي بلد من بلاد العالم. وانفردت بها مصر حتى أصبحت من الفولكلور المصري الخالص. ويرون أنها تعود إلى عادات المصريين منذ العصر الفرعوني حيث كانوا يهرعون إلى الإله «حور»، رمز الصقر ليترك القمر، ولم يقلع الشعب المصري في كل عصوره التاريخية عن هذه العادة رغم وجود الديانات السماوية الثلاث.
وفي سياق هذا الفلكلور أعادت أزمة انقطاع الكهرباء الحياة إلى لمبة الجاز (الكيروسين) وهي وسيلة إنارة بدائية تخرج على ضوئها الكثير من العباقرة والعلماء والفنانين على مر التاريخ، وعادت إلى المناطق الشعبية في القاهرة «عربة الجاز» الشهيرة التي يجرها حصان، يبدو أنه استشعر خطر انقطاع الكهرباء، كما تكونت الكثير من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم «لمبة جاز»، بل إن فرقة فنية من الشباب أطلقت اسمها عليها.
تباغتني شيماء قائلة بدلال الطفلة: «بما أن حضرتك صحافي، متى سينصلح حال النور، ونعيش في أمان واستقرار». لا أعرف كيف أجيب عن سؤالها المباغت، لكني بروح الأب أَرْبِتُ على كتفيها وأقول: «كل ما ينقطع النور تعملوا المظاهرة الحلوة دي، وإن شاء الله سيستقر ولن ينقطع».
وبتردد أتابع بقولي: «الحكومة عندها مشاكل كثيرة، وتبذل جهودا مضنية لحلها، وعلى رأس هذا المشاكل أزمة انقطاع الكهرباء». ثم أشد على يد شهاب، قائد جوقة الأطفال وأحييه، فيردد علي قائلا: «مش مشكلة.. كل ما ينقطع النور هنهيص ونغني لغاية ما يرجع بالسلامة».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.