لغز علاقة «سيدة القاعدة» بالصحافي الأميركي ذبيح «داعش»

عافية صديقي العالمة الباكستانية خبيرة علوم الأعصاب تمضي عقوبة السجن لمدة 86 سنة في ولاية تكساس الأميركية

عافية صديقي سيدة «القاعدة»
عافية صديقي سيدة «القاعدة»
TT

لغز علاقة «سيدة القاعدة» بالصحافي الأميركي ذبيح «داعش»

عافية صديقي سيدة «القاعدة»
عافية صديقي سيدة «القاعدة»

في خضم أعمال الاختطاف، والسعي لجلب الأموال، وأعمال القتل، ظهر اسم مثير للجدل وهو اسم عافية صديقي، التي كان يطلق عليها في السابق «أكثر سيدة مطلوبة في العالم»، وهي الآن معروفة على نطاق واسع باسم «سيدة تنظيم القاعدة»، ويريد «داعش» عودة السيدة التابعة لهم.
إنهم يريدون عودتها بشكل ملح للغاية، وأوضح الجهاديون أنه كان من الممكن أن يقوموا بإطلاق سراح جيمس فولي مقابل الإفراج عن صديقي، التي تقبع في السجن شديد الحراسة في ولاية تكساس الأميركية لمدة 86 سنة. وقالوا إنه كان من الممكن إطلاق سراح الجندي الأميركي بيرغدال الذي كان محتجزا لدى طالبان مقابل إطلاق سراحها.
وأشاروا إلى أنه من الممكن أن يفرجوا عن سيدة أميركية تبلغ من العمر 26 سنة، اختفت قبل عام واحد مقابل إطلاق سراح صديقي.
وتمثل حياة صديقي لغزا لوسائل الإعلام، فهي تحمل شهادة دكتوراه، ومتخصصة في علوم الأعصاب، وهو تخصص نادر، وتخرجت في جامعة أميركية، وعاشت في الولايات المتحدة لمدة عقد من الزمن، ثم اختفت عن الأنظار لمدة 5 سنوات، وحينما ظهرت تمت إدانتها بالإرهاب.
ولدت صديقي في كراتشي لأب جراح أعصاب، وأم ذات مكانة مرموقة في الأوساط الدينية والسياسية في البلاد، ما أهلها لتكون عضوا في البرلمان الباكستاني، كما أن شقيقتها طبيبة أعصاب أيضا، وتخرجت في جامعة «جونز هوبكنز»، وتدربت في جامعة «هارفارد» الأميركية، قبل عودتها إلى باكستان.
وفي تسعينات القرن الماضي ذهبت عافية إلى الولايات المتحدة للدراسة، والتحقت بجامعة نيوإنغلاند، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة «برانديز» عام 2001، وتدربت بعدها في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، وهو أحد المعاهد المرموقة في العالم، وتزوجت من طبيب تخدير باكستاني، وأنجبت 3 أبناء.
وكتب تنظيم داعش رسالة موجهة إلى عائلة جيمس فولي قبل أسبوع من ذبحه، ورد بها الآتي: «قدمنا لكم الكثير من الفرص للتفاوض على الإفراج عن مواطنيكم عن طريق دفع الفدية على غرار حكومات أخرى». وأضافوا: «وعرضنا عليكم أيضا تبادل أسرى لتحرير مسلمين محتجزين لديكم الآن، مثل أختنا عافية صديقي، ولكن سريعا ما أثبتم لنا أن هذا ليس ما تهتمون به».
وبعد ذلك، قال «داعش» يوم الثلاثاء إنه يريد الإفراج عن سيدة أميركية تبلغ من العمر 26 سنة مقابل دفع 6.6 مليون دولار وإطلاق سراح صديقي، التي أُدينت عام 2010 بمحاولة قتل أميركيين، وحُكم عليها بالسجن لمدة 86 سنة، وتقبع في سجن فيدرالي أميركي.
وحسبما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس: «أرسلت الجماعة الإرهابية قائمة بمطالبها من أجل الإفراج عن أجانب، بدأت بدفع فدية، وطالبت أيضا بمبادلة سجناء، بمن فيهم تحرير عافية صديقي الباكستانية المتخصصة في علوم الأعصاب، التي تدربت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا».
تعد المطالب المتكررة من أجل إطلاق سراح صديقي واحدة من أغرب الروايات التي تكشف عنها الحرب على الإرهاب، تتمحور حول أم غامضة ومتعلمة بدرجة كبيرة، تركت حياتها المهنية الناجحة والمريحة سعيا وراء الإرهاب.
ومنذ إدانتها عام 2010، لاقت قصتها رواجا، وأدت الاحتجاجات التي نظمت في باكستان اعتراضا على اعتقالها إلى إثارة حركة أميركية كرست جهودها لإثبات أن صديقي تعرضت للتعذيب على يد الجنود الأميركيين ثم أُدينت ظلما.
وإلى يومنا هذا، ما زالت الأسئلة ذاتها التي كانت تدور حول صديقي وقت محاكمتها مستمرة: ما الذي يجعل هذه الأم - التي درست لمدة 10 سنوات في الجامعات الأميركية المرموقة - تضع خططا تهدف إلى «شن هجوم يسفر عنه وقوع عدد كبير من الضحايا» على مبنى إمباير ستيت؟ هل كانت هي العقل الإرهابي المدبر أم أنها ضحية لحرب عدوانية ضد الإرهاب؟ وما الذي يريده «داعش» منها الآن، عقب سنوات من إدانتها؟
وقال المتحدث باسم النائب الجمهوري دنكان هنتر عن ولاية كاليفورنيا، العضو بلجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، لمجلة «فورين بوليسي»: «نحن على علم بجهة واحدة على الأقل بوزارة الدفاع قامت بوضع الخيارات الممكنة لمبادلة صديقي».
تبدأ قصة صديقي في كراتشي حيث ولدت هناك عام 1972، ووفقا لصحيفة «الغاريان»، فقد كان يحتل التعليم والإيمان المرتبة الأولى لدى عائلتها - كما اتضح من طموحها المهني. وكان والدها طبيبا، وكانت والدتها على صلة بالرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق. وكان شقيقها مهندسا معماريا في هيوستن، بينما كانت شقيقتها طبيبة في مجال الأعصاب.
وفيما يتعلق بعافية، فقد كانت ماهرة وناضجة، وأثناء طفولتها، كانت تحصل على درجات جيدة في دراساتها، مما أهلها لدخول معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ثم حصلت بعد ذلك على درجة الدكتوراه من جامعة برانديس في بوسطن، وكانت أطروحة رسالتها العلمية عن «آثار المحاكاة على الإدراك الحسي والذاكرة»، وذلك وفقا لما ورد في ملف الطب النفسي الشرعي الخاص بها، الذي جرى إعداده بصدد محاكمتها. وبعد فترة قصيرة، تزوجت وهي في الـ23 من عمرها من طبيب شاب باكستاني بموافقة أسرتيهما، وأنجبت منه ثلاثة أطفال.
كانت حياتها الزوجية مضطربة، ووفقا لما كتبه إل توماس كوتشارسكي من كلية جون جاي في التقرير النفسي الذي أعده: «يوجد دليل على أن العلاقة بينهما كانت سيئة للغاية»، مضيفا: «أقر زوجها بوقوع حادثة عنف منزلي واحدة فقط... ولكن اطلع أساتذة سابقون بجامعة براندي على آثار الكدمات الموجودة على وجهها، مما يشير إلى تعرضها لمزيد من الاعتداءات».
ويبدو أن الغارات الإرهابية على مركز التجارة العالمي لم تسهم فقط في انهيار حياتهما الزوجية، ولكنها أثرت بشكل كبير في شخص صديقي. لقد تفوقت في دراستها - في المنزل - وفي غضون ذلك قامت بتنظيم أنشطة خيرية. ولكن احتدمت مشاعر الغضب؛ حيث أفاد التقرير النفسي الآتي: «عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، أخبرت دكتورة صديقي زوجها أنها ترغب في العودة إلى باكستان، وكان أحد الأسباب وراء ذلك أنها في ذلك الوقت كانت تعتقد أن الأميركيين يعتزمون خطف الأطفال المسلمين لجعلهم يعتنقون المسيحية، كانت فكرة تثير الذعر للغاية»، وذلك على حد قول التقرير الذي عدها شخصية متوهمة.
وسرعان ما عادت إلى باكستان مع أطفالها. وأفادت تقارير بأنها تزوجت مرة أخرى - رغم نفي أسرتها ذلك - من ابن شقيق خالد الشيخ محمد، المعتقل في غوانتانامو، ويقال إنه العقل المدبر للهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001.
وبعد ذلك بفترة قصيرة، اختفت لمدة خمسة أعوام لأسباب لا تزال غير مؤكدة. وادعت الطبيبة الباكستانية أنها اختطفت من جانب جنود أميركيين، وجرى الزج بها في السجن وتعرضت للتعذيب لمدة خمس سنوات، ولكن نفت الحكومة ذلك، قائلة لقد كانت حقا «أكثر سيدة مطلوبة في العالم»، وذلك حسبما أفادت صحيفة «لوس أنجليس تايمز». وقال مسؤول أميركي بارز: «إنها تشكل خطرا واضحا وقائما على الولايات المتحدة».
واتضحت حقيقة تلك الرواية في 18 يوليو (تموز) 2008 عندما ألقت السلطات الأفغانية القبض عليها وهي تحمل مذكرات مكتوبة بخط اليد ورد بها تفاصيل عن «هجوم يسفر عنه وقوع عدد كبير من الضحايا» في عدة مناطق بمدينة نيويورك.
وأثناء التحقيق اللاحق معها، قال مدعون أميركيون إنها حصلت - بطريقة ما - على بندقية طراز M - 4 لضابط بالجيش كانت «متروكة من دون تأمين خلف إحدى الستائر». وتزعم سجلات المحكمة أنها هتفت قائلة: «الله أكبر!»، وأطلقت النار، ولكنها لم تتمكن من إصابة الضباط، الذين قاموا بإطلاق النار عليها وضربها مرتين في بطنها.
وعقب مرور عامين - بعد شفائها - أُدينت أمام محكمة مانهاتن الاتحادية بمحاولة القتل والاعتداء على أميركيين، وحُكم عليها بالسجن لمدة 86 سنة. وهي تقبع الآن في أحد السجون الفيدرالية في فورت وورث بولاية تكساس، ومن المقرر الإفراج عنها في السادس من أغسطس (آب) 2083.
وبذلك، اعتقد الكثير أن قصة صديقي انتهت، ولكن «داعش» يريد خلاف ذلك. إنه يريد استعادة «سيدة تنظيم القاعدة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.