هدوء حذر في طرابلس بعد اشتباكات أسفرت عن مقتل شخص

تحذيرات من «الفتنة».. وإدانة واسعة لحرق مكتبة عريقة فيها

جندي لبناني يقف قرب مكتبة السائح في طرابلس بعد أن أضرمت فيها النيران (أ.ف.ب)
جندي لبناني يقف قرب مكتبة السائح في طرابلس بعد أن أضرمت فيها النيران (أ.ف.ب)
TT

هدوء حذر في طرابلس بعد اشتباكات أسفرت عن مقتل شخص

جندي لبناني يقف قرب مكتبة السائح في طرابلس بعد أن أضرمت فيها النيران (أ.ف.ب)
جندي لبناني يقف قرب مكتبة السائح في طرابلس بعد أن أضرمت فيها النيران (أ.ف.ب)

خيم الهدوء الحذر على مدينة طرابلس، شمال لبنان، بعد اشتباكات متقطعة اندلعت ليل السبت/الأحد، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين. في حين تواصلت ردود الفعل المنددة بإحراق مكتبة يملكها الكاهن إبراهيم سروج الذي أعلن أمس أنه سيعيد بناء مكتبته «بمعونة العلماء والمشايخ المسلمين» في المدينة.
وتوتر الوضع الأمني مساء السبت على محوري القتال التقليديين بين منطقة جبل محسن (غالبية شيعية) ومنطقة باب التبانة (غالبية سنية). إذ شهد المحوران اشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية كما تجدد رصاص القنص، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام، قبل أن يتوفى الجريح علي سويد، صباح أمس، متأثرا بجراح أصيب بها خلال عمليات القنص في باب التبانة.
وذكرت مصادر ميدانية أن هدوءا نسبيا خيم أمس على محاور القتال التقليدية في طرابلس، اخترقته رشقات نارية محدودة ومتقطعة، فضلا عن سماع رصاص قنص في الصباح. وذكرت مواقع إلكترونية أن المحال التجارية في سوق القمح وشارع سوريا ومحيطهما، أغلقت أبوابها بسبب الوضع الأمني المتدهور.
وتعقيبا على تجدد الاشتباكات المتقطعة، أكد مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، في تصريح إذاعي، أن مدينة طرابلس «ستبقى عرضة للاهتزازات في ظل استمرار الأزمة السورية».
وكانت آخر جولة قتال عنيف شهدتها المدينة بين السنة والعلويين، وقعت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعدما رفض زعيم جبل محسن ذات الأغلبية العلوية النائب السابق علي عيد تسليم نفسه للقضاء اللبناني، للاشتباه بضلوعه في تهريب متهمين بتفجيري طرابلس في أغسطس (آب) الماضي إلى سوريا.
ولم يثنِ التوتر الأمني فعاليات دينية وسياسية وأهلية في طرابلس، عن إدانة إحراق مجهولين، ليل أول من أمس، مكتبة «السائح» التي أسسها الكاهن إبراهيم سروج، ما أتى على قسم كبير من الكتب الموجودة فيها، والتي يفوق عددها الـ85 ألف كتاب.
وفيما تواصلت ردود الفعل المستنكرة، أعلن الأب سروج في حديث تلفزيوني، أنه سيعود اليوم (الاثنين) إلى المكتبة «وأبنيها أفضل مما كانت مع الأصدقاء الذين زودوني بمكرمات»، مشيرا إلى أنه «سنبنيها معا بسواعد فتية وبمعونة العلماء والمشايخ» في المدينة.
وجاء إعلان سروج بموازاة اتصال رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة به، مكررا استنكاره لجريمة إحراق مكتبة السائح، معتبرا أن من قام بجريمة الإحراق «مدسوس ومشبوه يعمل لخدمة أعداء لبنان وأعداء مدينة طرابلس»، مطالبا بالقبض على المجرمين.
واستنكر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني إحراق مكتبة السائح، قائلا إن «إضرام النار في مكتبة علمية تاريخية هو عمل همجي لا ينم عن أخلاق الإسلام، وهو محاولة إجرامية لجر المسيحيين إلى الفتنة مع المسلمين في لبنان وهو مؤشر خطير في توسيع دائرة النزاعات الطائفية والمذهبية في لبنان ربما لتحويل الأنظار عن موضوع الواقع الراهن في طرابلس إلى مظهر آخر من الصراع الطائفي».
بدوره، اعتبر عضو كتلة المستقبل النائب محمد قباني أن «استنكار وإدانة إحراق المكتبة لا يكفي»، مشيرا إلى أنه «عمل أكثر من مشبوه»، واضعا إياه في خانة «الدخول في بدايات فعلية للفتنة الطائفية والمذهبية، التي وإن لم نعمل جادين على إيقافها، ستحرق لبنان، لا سمح الله، بما يتجاوز كل المراحل السابقة». وشدد قباني على «أننا مدعوون إلى التماسك الوطني والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الغرائز الطائفية في الخطاب السياسي وفي الإعلام وفي التواصل مع الناس».
وتظاهر المئات في طرابلس السبت معبرين عن غضبهم لإحراق المكتبة، ورفعوا لافتات كتب على إحداها «طرابلس مدينة التعايش».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر أمني لبناني أن الحريق المفتعل حصل غداة العثور على نص «مهين للإسلام وللنبي محمد داخل مخطوطة كانت المكتبة أرسلتها للطبع ما أثار غضب شبان قاموا بإحراق المكتبة ويجري البحث عنهم حاليا لإلقاء القبض عليهم».
وأضاف المصدر نفسه «من البديهي القول: إنه لا علاقة للكاهن على الإطلاق» بهذا النص.
وقال الأب سروج في تصريح صحافي لاحق بأنه «يصفح» عن الذين أحرقوا مكتبته التي ورثها عن والده وتضم الكثير من المخطوطات النادرة ووثائق حول تاريخ طرابلس ونسخا قديمة من القرآن والإنجيل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.