مبارك في المحكمة: لم أجز قتل المتظاهرين

قانونيون لـ («الشرق الأوسط») : قاعات المحاكم ليست مكانا للدفاع السياسي.. لكنه جائز

الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثناء نقله من الهليوكوبتر إلى قاعة محكمة القاهرة أمس (إ ب أ)
الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثناء نقله من الهليوكوبتر إلى قاعة محكمة القاهرة أمس (إ ب أ)
TT

مبارك في المحكمة: لم أجز قتل المتظاهرين

الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثناء نقله من الهليوكوبتر إلى قاعة محكمة القاهرة أمس (إ ب أ)
الرئيس المصري السابق حسني مبارك أثناء نقله من الهليوكوبتر إلى قاعة محكمة القاهرة أمس (إ ب أ)

نفى الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، أمس، عن نفسه تهم قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، خلال إفادته في الجلسة الأخيرة لما يعرف إعلاميا بـ«محاكمة القرن»، والتي حددت المحكمة جلسة يوم 27 سبتمبر (أيلول) المقبل للنطق فيها بالحكم.
وبينما انتقد سياسيون حديث مبارك الذي استغرق نحو 23 دقيقة، واصفين إياه بأنه أقرب إلى «خطبة رئاسية» منها إلى دفاع في «موضوع القضية»، وأن الغرض منها «تسفيه وتشويه ثورة 25 يناير واللعب بعواطف الشعب»، أكد خبراء قانون أنه رغم أن «الدفاع السياسي ليس مكانه قاعات المحاكم، إلا أن القاضي ترك للمتهمين الفرصة لقول ما يريدون بحرية ودون تدخل، وهو أمر غير معتاد في مصر؛ إلا أنه سيحكم بما يراه في النهاية دون التأثر بفحوى ما قيل».
وأكد مبارك في حديثه أنه بشر وله أخطاء، لكنه أكد أنه لم يأمر بقتل المتظاهرين، ولم يرتكب جرائم الفساد المالي والعدوان على المال العام التي أسندتها إليه النيابة العامة. قائلا إن «شرفي العسكري والوطني لا يسمحان لي بذلك»، موضحا أنه سوف يتقبل الحكم الصادر عن المحكمة، أيا كان هذا الحكم، بنفس راضية ومطمئنة.
وأشار مبارك في كلمته إلى أن «عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء»، قبل أن يستعرض تاريخه العسكري والسياسي على مدار أكثر من 60 عاما، مستعرضا إنجازاته خلال تلك الفترة.. وأكد أنه لم يسع إلى منصب أو سلطة، وأنه حمل المسؤولية في ظروف عصيبة.
كما نوه مبارك بأن «المتاجرين بالدين والمتحالفين معهم اخترقوا المظاهرات السلمية التي بدأت في 25 يناير 2011، وحولوها إلى أعمال عنف ونهب وتخريب وتعدٍ على الممتلكات العامة والخاصة واقتحام للسجون وإحراق لأقسام الشرطة»، لكنه لم يتطرق إلى تفنيد تفاصيل الاتهام المسند إليه من النيابة العامة، مكتفيا بالإشارة بصورة مجملة إلى عدم ارتكابه جرائم جنائية من أي نوع، وإنما كانت له «قرارات لم يحالفه التوفيق في اتخاذها»، على حد تعبيره.
واختتم مبارك حديثه قائلا: «إن حديثي لحضراتكم اليوم يأتي قبل أن ينتهي العمر ويحين الأجل وأوارى في تراب مصر الطاهر، إنني وقد اقترب العمر من نهايته أحمد الله مرتاح الضمير. إنني دافعت عن مصر ومصالحها وأبنائها حربا وسلاما، وإنني بخبرة السنين أقول لكل مصري حافظوا على وحدة الوطن والتفوا حول قيادته، وانتبهوا لما يحيق بالوطن من مخططات ومؤامرات.. إن مصر أمانة في أعناقكم فاحفظوها واحملوا رايتها وامضوا بها إلى الأمام».
وعقب انتهاء إفادته، حدد المستشار محمود كامل الرشيدي، رئيس محكمة جنايات القاهرة، جلسة يوم 27 سبتمبر المقبل، للنطق بالحكم في إعادة محاكمة الرئيس الأسبق مبارك ونجليه علاء وجمال، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه. وكانت القضية بدأت أولى جلساتها في 11 مايو (أيار) من العام الماضي.
لكن الجلسة وإفادة مبارك أثارا لغطا واسعا في الشارع المصري أمس، ووصفها سياسيون وناشطون وحقوقيون بأنها «سياسية» وليست «جنائية»، وتسعى لاختزال ثورة 25 يناير في مجرد أحداث الأيام الـ18 للثورة، بعيدا عن الأسباب الحقيقية المترسبة لقيامها على مدار 30 عاما من حكم مبارك.
وحول التوصيف القانوني لما شهدته قاعة المحكمة، أكد خبراء القانون، أن «القاعدة في قانون الإجراءات الجنائية أن المتهم آخر من يتكلم». وقال الفقيه القانوني محمد نور فرحات لـ«الشرق الأوسط»: «القاعدة سليمة، ولكن جرى العمل أن المتهم يتكلم في موضوع الدعوى وليس خارجها. لكن ما شاهدناه في المحاكمة منذ فترة ليس دفاعا للمتهمين عن الجرائم المتهمين بها، ولكنه دفاع سياسي.. وأعتقد أن هذا ليس مكانه قاعة المحكمة».
وعن مدى قانونية ابتعاد «دفوع المتهمين عن لب القضية»، أكد الدكتور فرحات، أن «هناك مدرستين في القضاء في حال خروج المتهم أو الدفاع عن موضوع الدعوى، الأولى أن يترك المتهم ودفاعه ليقول ما يشاء، سواء تعلق بالموضوع أو لا؛ ثم يحكم القاضي بما يشاء. المدرسة الثانية أن يتحكم القاضي فيما يجري في الدعوى من مساجلات وأن يعمل على حصرها في موضوع الدعوى.. وواضح أن القاضي هنا ينتمي إلى المدرسة الأولى، دون أن يكون ذلك مؤشرا على ما سيكون عليه الحكم.. ولا تجاوز في ذلك؛ رغم أن العمل لم يجر على تلك الطريقة في المحاكم المصرية».
وبينما هاجم سياسيون التحور السياسي للقضية، قال الدكتور عبد الحليم قنديل، الصحافي والسياسي البارز، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «بصفة عامة، المشهد اليوم كان سياسيا وليس قضائيا، وتجاوز حدود قاعة المحكمة وحدود التهم الموجهة إلى المتهمين».
وانتقد قنديل إتاحة المحكمة للمتهمين تحويل القضية إلى منبر سياسي، وما وصفه بـ«التأثر الظاهر للقاضي بحديث المتهمين»، ورأى أنه «كان جديرا بالقاضي أن يتنحى عن نظر القضية شعورا بالحرج».
وأشار قنديل إلى أنه أيا كان الحكم في القضية «فإنه لن يعني شيئا»، مبررا ذلك بأنه «جرى اختزال المسألة في تهم جانبية تتعلق فقط بما حدث خلال 18 يوما هي عمر ثورة يناير، وتتجاهل 30 عاما من تدمير وتجريف الوطن؛ وكان ذلك هو الأولى بالمحاكمة».
وأوضح القيادي البارز في حركة كفاية، التي كانت من بين أولى الحركات التي خرجت إلى الشارع ضد الرئيس الأسبق مبارك في عام 2005، أن «محاكمة النظام السابق تجري وفقا لقوانين عادية وليست استثنائية، ووفقا لتلك القوانين فإن الثورة ذاتها هي جريمة لقلب نظام الحكم، مما يعني أن تنتهي في أي محاكمة إلى إدانة الثورة ذاتها لا إدانة النظام الذي ثار عليه الشعب»، منوها بأن القوى السياسية طالبت البرلمان السابق، الذي سيطرت عليه القوى الإسلامية قبل حله، بمحاكمة نظام مبارك «وفقا لقانون محاكمة رئيس الجمهورية الصادر عام 1956، والذي ما زال ساريا حتى الآن، لكنهم رفضوا رفضا باتا.. ويبدو وكأنهم كانوا يعملون ليوم قريب، ويتطلعون الآن لمحاكمة (الرئيس الأسبق محمد مرسي) على طريقة مبارك»، مضيفا: «قد لا أبالغ إذا قلت إن محاكمة مرسي ستنتهي إلى ذات نهاية محاكمة مبارك، وربما إلى تبرئته».
 



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.