أربعة فصائل سورية متشددة تحتجز العسكريين اللبنانيين

سكان عرسال يعودون إليها.. و350 نازحا سوريا يعبرون إلى بلادهم

اللاجئون السوريون الذين فروا من القتال الأخير في عرسال ينتظرون داخل الشاحنات  في «مجدل عنجر» في سهل البقاع قرب الحدود اللبنانية مع سوريا (رويترز)
اللاجئون السوريون الذين فروا من القتال الأخير في عرسال ينتظرون داخل الشاحنات في «مجدل عنجر» في سهل البقاع قرب الحدود اللبنانية مع سوريا (رويترز)
TT

أربعة فصائل سورية متشددة تحتجز العسكريين اللبنانيين

اللاجئون السوريون الذين فروا من القتال الأخير في عرسال ينتظرون داخل الشاحنات  في «مجدل عنجر» في سهل البقاع قرب الحدود اللبنانية مع سوريا (رويترز)
اللاجئون السوريون الذين فروا من القتال الأخير في عرسال ينتظرون داخل الشاحنات في «مجدل عنجر» في سهل البقاع قرب الحدود اللبنانية مع سوريا (رويترز)

عاد القسم الأكبر من النازحين اللبنانيين من أهالي عرسال الذين غادروا البلدة إثر المعارك العسكرية بين الجيش اللبناني والجماعات المتشددة، إلى منازلهم أمس، حيث تواصل الهدوء في مختلف أحيائها، وبسط الجيش اللبناني سيطرته على كامل منطقة تلة السرج الواقعة على مدخل البلدة الغربي، كما عزز مواقعه العسكرية، من غير حصول أي خرق على مستوى الإفراج عن العسكريين المخطوفين لدى الجماعات السورية المسلحة.
وفيما أعرب قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، أمس، عن قناعته بأن الجنود المخطوفين «باتوا خارج البلدة»، قالت مصادر مطلعة على أجواء المفاوضات مع الجماعات المسلحة لـ«الشرق الأوسط» إن العسكريين المخطوفين «توزعوا على أربعة فصائل عسكرية سورية متشددة كانت تقاتل الجيش اللبناني داخل عرسال، بعدما كانوا بيد خاطف واحد»، مشيرا إلى أن المعلومات التي ترد من التلال الحدودية مع سوريا تفيد بأن الخاطفين «عمدوا إلى توزيع العسكريين المخطوفين بهدف رفع مستوى مطالبهم من الدولة اللبنانية، وتحقيق أهداف لهم»، مؤكدا أن تلك الفصائل «ترفع سقف شروطها».
وكان الجيش اللبناني اعلن فقدان الاتصال بـ22 عسكريا يُرجح أنهم محتجزون لدى المجموعات المسلحة، قبل أن تنجح وساطة «هيئة العلماء المسلمين» في لبنان في الإفراج عن ثلاثة من عناصر قوى الأمن، وثلاثة من عناصر الجيش اللبناني، يوم الأربعاء الماضي. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الفصائل الأربعة هي «جبهة النصرة» و«داعش»، إضافة إلى فصيلي «أحرار القلمون» و«الكتيبة الخضراء»، علما بأن الفصيلين الأخيرين «لم يعرفا أثناء المعارك». وأشارت المصادر إلى «صعوبة الاتصال بالجهات الخاطفة نظرا للعوائق اللوجيستية، كونهم يقيمون في الجرود (التلال المرتفعة) الحدودية مع سوريا، بالإضافة إلى تعدد الجهات التي يجري التفاوض معها».
فيما ذكرت وكالة رويترز أن متشددين إسلاميين يحتجزون 19 جنديا لبنانيا أسروهم أثناء توغلهم في لبنان وأنهم طالبوا بالإفراج عن سجناء إسلاميين مقابل إطلاق سراح الجنود الأسرى. وقال قائدان عسكريان قريبان من الجماعة التي تحتجز الجنود في مكالمة هاتفية إن المطالب أرسلت للحكومة اللبنانية والجيش الذي طرد المسلحين من بلدة عرسال الحدودية أول من أمس الخميس بعد قتال استمر عدة أيام.
ونقلت الوكالة عن مصدر أمني لبناني أن المتشددين قدموا أسماء نحو 20 متشددا إسلاميا محتجزين وطالبوا بالإفراج عنهم. وقال أحد المتشددين: «الأمر بسيط.. جنودهم مقابل الرهائن الإسلاميين».
ولفتت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شروط الفصائل الخاطفة «متعددة بحسب مصالحها»؛ ففي حين يشترط تنظيم داعش إطلاق الموقوف أبو أحمد جمعة الذي أوقفه الجيش يوم السبت الماضي ما تسبب في الهجوم على مراكز الجيش، يشترط تنظيم جبهة النصرة إطلاق سجناء إسلاميين من سجن رومية، لقاء الإفراج عن العسكريين لديها، فيما اشترط أحد الفصائل «توفير ضمانات لسوريين من النازحين كانوا قاتلوا في صفوف المجموعات المسلحة ضد الجيش، قبل أن يرموا سلاحهم ويعودوا إلى المخيمات لاجئين».
وكانت معلومات تحدثت عن أن عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ سميح عز الدين كان يتولى الاتصال بين الطرفين. لكن مصادر هيئة العلماء المسلمين، قالت لقناة «LBCI» إن التواصل مع المسلحين يجري بطريقة غير مباشرة عبر وسيط سوري وهو شخصية دينية لها احترامها لدى «داعش» و«جبهة النصرة». وأكدت المصادر أن الوسيط سينقل لائحة مطالب إلى العلماء المسلمين الذين سيسلمونها بدورهم للسلطات اللبنانية.
بدوره، أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي، في تصريح له بعد انتهاء الاجتماع الأمني في السراي الحكومي، أنه على قناعة بأن «الجنود المخطوفين باتوا خارج عرسال ونحن دخلنا إلى البلدة». وأشار إلى أننا «بحاجة إلى طائرات لمكافحة الإرهاب وممنوع على أحد أن يمنعنا من دخول إلى عرسال»، مشددا على أن «الهبة السعودية كفيلة بتسليح الجيش بمواجهة الإرهاب».
ودخل الجيش اللبناني منطقة السرج بكاملها أمس، وبدأ السكان النازحون العودة إلى منازلهم. وقال المختار عبد الحميد عز الدين لـ«الشرق الأوسط» إن المنطقة «منكوبة، وتشهد على الدمار والمعارك»، لافتا إلى عودة الحركة إلى الشارع بعد خمسة أيام على المعارك.
وبدأ أبناء عرسال يزيلون الركام وحطام الزجاج من أمام منازلهم ومحلاتهم، محاولين بصعوبة استعادة حياتهم العادية التي كانت لأيام عدة رهينة لجماعات متشددة. كما شهدت عرسال ازدحاما عند مداخلها لقوافل سيارات العائدين إليها من أهلها الذين نزحوا منها قسرا وترهيبا من المسلحين الذين عاثوا في بلدتهم قتلا وفسادا ونهبا وتنكيلا. وفيما اختفى المسلحون من الشوارع، ذكرت وكالة «الصحافة الفرنسية» أن قناصين فتحوا النار على سكان من أهل البلدة كانوا عائدين إليها، ما أجبرهم على العودة من حيث أتوا، فيما رد الجيش المنتشر على مداخل البلدة بإقفال الطرق حفاظا على سلامة المواطنين. وأدت المواجهات بين الجيش والمسلحين الجهاديين في عرسال إلى مقتل 17 جنديا وعشرات المقاتلين الجهاديين والمدنيين بين السبت والأربعاء قبل التوصل إلى تسوية إثر تدخل من جمعية علماء المسلمين.
وعلى خط عودة اللاجئين السوريين في عرسال إلى بلادهم، قالت الراهبة انياس المقربة من النظام السوري إن «مجموعة أولية تعدادها 350 شخصا استطاعت عبور الحدود إلى سوريا»، وهم من أصل 1700 لاجئ ينتظرون العبور إلى سوريا، مشيرة إلى «مشاكل إجرائية لأن عددا من الأطفال ولدوا في لبنان ولم يجر تسجيلهم في سفارة سوريا في بيروت». لكن السلطات السورية أعادت النازحين السوريين الذين عبروا الحدود عبر نقطة المصنع، بحسب ما ذكرت قناة «إل بي سي» اللبنانية.
وكان مسؤول في أجهزة الأمن اللبنانية أعلن مساء الخميس أن أكثر من 1500 لاجئ سوري في عرسال الواقعة على الحدود مع سوريا، يتوجهون نحو مركز المصنع الحدودي للعودة إلى بلادهم.
وأكدت الراهبة أن «1700 على الأقل من الرجال والنساء والأطفال غادروا ضواحي عرسال عائدين إلى سوريا»، مشيرة إلى أنهم «جميعهم تقريبا من القلمون وخصوصا من بلدة قارة». وأوضحت الراهبة التي قامت في السابق بوساطات بين النظام والمتمردين، أن «السلطات اللبنانية ساعدت في تسهيل إجراءات الخروج للاجئين» الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، نافية أن يكون النظام وضع عقبات أمامهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».