ورقة تكشف كيف يعمل المتطفلون على «الحسبة» في السعودية

لجان خاصة لها مواعيد ومقرات وسكرتير

يوسف الأحمد
يوسف الأحمد
TT

ورقة تكشف كيف يعمل المتطفلون على «الحسبة» في السعودية

يوسف الأحمد
يوسف الأحمد

يحتار كثير من المتابعين، سواء من السعوديين أو غيرهم، من الفجوة الكبيرة بين السياسات المعلنة لجهاز رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في السعودية، وبين بعض الممارسات على الأرض.
على مستوى التصريحات والمواقف والسياسات المعلنة، يتولى قائد هذا الجهاز، الشيخ د. عبد اللطيف آل الشيخ، التأكيد مرة تلو مرة على التزام العاملين في الجهاز بالضوابط المرعية المحددة لعمل وصلاحيات أفراد الهيئات، وهي تنحصر في ضبط السلوك العام تمثيلا لجانب ضبط السلوك العام المطلوب في الإسلام، والمصطلح فقهيا على تسميتها بـ«الحسبة»، وفق ما حدده النظام الجديد لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر بالموافقة السامية عام 1434هـ، ناسخا للنظام القديم الصادر 1400هـ، وفيه تنظيم للصلاحيات والاختصاصات بين جهاز الهيئة، وغيره من الأجهزة، المنوط بها وفق التنظيمات الجديدة صلاحيات التحقيق وأمر الاحتجاز وآليات الضبط. وحين صدور النظام، أبدى د. عبد اللطيف آل الشيخ، أن هذا النظام ممتاز ومفيد ومريح للهيئة ولغيرها من الأجهزة، وأن تنظيم الاختصاصات من مصلحة العمل العام.

وكان رئيس الهيئات، عبد اللطيف آل الشيخ، يردد باستمرار، حاجة العمل الإداري في أورقة الجهاز إلى إيجاد أدوات تأديبية وصلاحيات للرئاسة من أجل المحاسبة، عبر لجنة توفر ضمانات الشفافية والعدالة لها صيغة معينة، بغرض تحقيق الانضباط في الميدان، مع توفير ضمانات العدالة للعضو المعاقب، وعليه فهامش الضبط والربط المتاح له، من ناحية النظام، هامش ضيق.

قضايا ساخنة

على مستوى العمل الميداني، يتابع الإعلام السعودي دوما، وقائع مثيرة، يكون طرفها أفراد من الهيئات أو من المحسوبين عليها، وكان أشهر هذه الوقائع ما عرف في الإعلام المحلي بمطاردة اليوم الوطني، حيث لقي شابان سعوديان حتفهما بعد مطاردة بالسيارات في شمال العاصمة الرياض، وكان المطاردون من أعضاء الهيئة.
سرعان ما بادر رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد اللطيف آل الشيخ، إلى تعزية أسرة المتوفيين، وإبداء التعاطف معهم، والتعهد بتعاون قيادات الرئاسة مع سلطات التحقيق المشكلة من قبل مقام إمارة منطقة الرياض. وكانت فرصة سانحة للرئيس للتأكيد مجددا، على أنه ممنوع على أعضاء الهيئة القيام بأي مطاردات بالسيارات، أو حتى تركيب «دعامات» على مقدمة سيارات الجهاز التي تظل ميزة مختصة بها سيارات الأجهزة الأمنية المعنية.
كما كانت فرصة، أيضا، للتأكيد مجددا، على أن هناك من «يتطفل» على عمل الأعضاء الرسميين في الجهاز ممن عرفوا بالمتطوعين.
قبل ذلك، وفي يناير (كانون الثاني) 2012، أي بعد تولي آل الشيخ موقعه بفترة قصيرة، أوضح في تصريحات نشرتها وسائل الإعلام، ومنها وكالة الصحافة الفرنسية، أنه أصدر قرارا يمنع، بشكل نهائي، عمل المتعاونين من خارج جهاز الهيئة، أي العاملين بدوام جزئي.
وقال آل الشيخ للصحافيين حينها: «من الآن فصاعدا لن يكون هناك شيء اسمه متعاون (...) أعضاء جهاز الهيئة سيقومون بالواجب وسيكونون عند حسن ظن ولاة الأمر والمواطنين كافة».
ولاحقا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، شدد الرئيس الجديد للهيئات، على أهمية صدور لائحة تنفيذية للنظام الجديد للهيئة، وعلى أنه ثمة لجنة مخصصة لإنجاز هذه المهمة «ليعرف كل طرف ما له وما عليه»، على حد تعبيره لصحيفة الوطن السعودية.
خطوات رئيس الهيئات الجديد هذه، وقيامه باستبعاد المتطوعين غير النظاميين للعمل مع منسوبي الهيئات، لاقت ردة فعل ساخطة من أنصار هذا النهج، إلى درجة ممارسة ضغط معنوي عليه.
كل هذه الخلفيات، تقود إلى إلقاء نظرة على الصعوبات الخفية المتحكمة في تيسير العمل وتطويره وضبطه، وفق النظام في هذا الجهاز الحساس، حسبما يريد رئيسه الجديد.
التطوع الاحتسابي، أي مزاحمة الموظفين الرسميين المكلفين هذه المهمة، مسألة ثار حولها جدل كبير، إلى حد قول بعض المراقبين، إنه ثمة «هيئة داخل الهيئة».

تطفل أم تطوع احتسابي؟

التطوع الاحتسابي هو نشاط يقوم به أفراد غير رسميين، لكنهم يتمتعون بدرجة عالية من التنسيق، ويتلحفون بالشرعية النظامية لجهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو جهاز حكومي. تظهر نشاطات هذه المجاميع «الاحتسابية»، في أماكن مثل: معرض الكتاب الدولي في الرياض، عبر القيام بجولات في ممرات المعرض، وتوجيه الناس لما يرونه السلوك الصحيح في المظهر والزي والحركة، بل وحتى طبيعة عناوين الكتب، من دون تخويل رسمي من الجهاز، حسبما تؤكد قيادات هذا الجهاز نفسه كل عام. ومثل ذلك يجري في الأسواق العامة أو نشاطات الغرف التجارية والندوات الطبية، وغيرها.
«الشرق الأوسط» تتوقف هنا، عند بحث مثير لواحد من رموز هذا النشاط التطوعي «المنظم» في السعودية، هو الداعية المعروف في هذا المجال وهو يوسف الأحمد.
الأحمد، خرج بعفو ملكي من السجن بعد مدة يسيرة، في نوفمبر 2012. وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، أصدرت أحكامها الابتدائية، في 11 أبريل (نيسان) الماضي، على الأحمد وأربعة سعوديين واثنين من حاملي الجنسية المصرية، لإدانتهم بـ«التأليب على ولي الأمر، وإثارة الفتنة، والإضرار باللحمة الوطنية، وإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام وتخزينه ونشره عبر شبكة (الإنترنت)، ما نتج عنه إثارة الفتنة، ومساعدة معتنقي فكر تنظيم القاعدة الإرهابي ومنهجه وتأييده، والاعتقاد بصحة هذا المنهج القائم على التكفير وسلامته»، وفق ما جاء في حكم المحكمة. ووفقا لصحيفة «الحياة»، فقد قال القاضي حينها: «يعزر المدعى عليه (يوسف الأحمد) بالسجن 5 أعوام».
البحث المشار إليه هنا، هو ورقة تقدم بها يوسف الأحمد. جاء في صفحتها الأولى ما يلي: «وسائل الاحتساب وأساليبه لدى المجتمع». من إعداد: د. يوسف بن عبد الله الأحمد. عضو هيئة التدريس في قسم الفقه. كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وتم وصف الورقة بأنها ورقة عمل مقدمة لندوة: الحسبة وعناية المملكة العربية السعودية بها، المنعقدة في: 11 - 12 / 4 / 1431هـ (الموافق 27 مارس (آذار) / 2010). وهي بإشراف اللجنة العلمية في مركز البحوث والدراسات، ضمن ندوات رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والورقة موجودة، ضمن أوراق أخرى، في كتاب من منشورات الرئاسة نفسها.
نقرأ في هذه الورقة، وصفا تفصيليا من كاتبها، لكيفية إنشاء علاقات عمل وتنسيق لما أسماه بالحسبة، مقرا بالنص، بأن هذه المجموعات أو «اللجان»، كما أسماها، تأتي ضمن «وسائل الحسبة المتاحة في غير الجهاز الرسمي».
بعد مقدمة عن أهمية الحسبة في الإسلام، ثم دور العلماء فيها، ثم الهجوم على «تكالب التغريبيين» في السعودية عليها، منذ تسع سنوات، حسب رأيه، يقدم خلاصة تجربته وتجربة غيره في تنظيم الحسبة التطوعية، وهي ثمرة خبرة ميدانية وتنظيمية مديدة طبقا لتنبيهه.
يقسم ورقته لعناصر عدة، صالحة لبناء شبكة فعالة وناجعة للحسبة. ثم يعود فيؤكد على أهمية إشعار المرجعية الرسمية، وهي هنا الرئاسة، بهذا العمل، رفعا للحرج، مع أنه ذكر في مقدمة ورقته، أنه يؤصل لعمل حسبوي «خارج الجهاز الرسمي».
نقف، بشكل موسع، مع بعض المقترحات «العملية» لهذه الورقة، حول كيفية بناء شبكات احتسابية فعالة «خارج الجهاز الرسمي».
نقرأ على سبيل المثال:
إنشاء لجان للحسبة:
إنشاء اللجنة من أهم البدايات في عمل الحسبة بعد معرفة الأعضاء المناسبين.
يفضل ألا يكون العدد كثيرا؛ أي بمتوسط خمسة أعضاء تقريبا.
يفضل في كل لجنة، تحديد أعضاء زائرين للإفادة من خبراتهم وتجاربهم، والمشاركة في تقويم اللجنة، ويكون حضورهم بمتوسط مرة في الشهر أو الشهرين، ويتصف العضو الزائر بالخبرة، ويمكن تحديد عضو أو عضوين زائرين لكل لجنة، ولا يحسبون من عدد أعضاء اللجنة الثابتين.
تحديد مقرر اللجنة، أو أمينها. وأهم أعماله تسجيل التكاليف، والتذكير والمتابعة، وكتابة التقرير، وتقوى اللجنة أو تضعف بقوة أو ضعف أمينها إداريا.
يفضل أن يكون لكل عضو ملف لتسجيل التكاليف المناطة به، ويحضره في كل لقاء، وتتضمن الورقة اسم التكليف، ووقت الإنجاز وخانة ثالثة للنتيجة، وقد كانت هذه الطريقة سببا في نجاح اللقاءات، وإنجاز الأعمال، وعدم ضياعها أو نسيانها، ولله الحمد.
لا بد في إنشاء اللجنة من مراعاة خطوات التخطيط الاستراتيجي.
ومن ذلك:
تحديد أهداف اللجنة، وتحديد وسائل تحقيق الأهداف. رسم خطة عمل زمنية دقيقة. تقرير شهري عن اللجنة من خلال نموذج معد لذلك. تقويم العمل والعاملين كل ثلاثة أشهر، من خلال تقارير، ويتولى ذلك أمين مجلس اللجان.
ثم نقرأ تحت عنوان: إنشاء مكاتب الحسبة:
ويمكن إنشاء المكتب من خلال ما ذكر في اللجان من خطوات التخطيط الاستراتيجي، ويضاف إليها: تحديد ميزانية المكتب.
يفضل التزام المحتسبين بدوام ثابت لإنجاز الأعمال من غير أوقات الاجتماعات.
أن يكون المكتب مسجلا بطريقة رسمية، وكذلك ما يتبعه من اللجان، فيكون مثلا، تابعا لوزارة الشؤون الاجتماعية، أو وزارة التجارة، أو مركز الحي، أو المكتب التعاوني، أو غير ذلك.
توفير متطلبات المكتب: المقر، غرفة أو شقة أو دور.
الأجهزة: حاسب، طابعة، نت، ناسوخ، آلة تصوير.
مكاتب بعدد العاملين، وأرفف، وملفات، والأدوات المكتبية والورقية.
موظف أمانة المكتب وآخر للخدمة.
ثم نقرأ تحت عنوان: الحسبة بالكتابة
الحسبة بالكتابة أنواع:
النوع الأول: الكتابة للهيئة، واصطلح علية باسم (البلاغ)، فتكتب المنكر ومكانه بدقة، ويرسل بالناسوخ إلى رئيس المركز، أو رئيس الهيئة، أو مدير الفرع، أو الرئيس العام. وهذا أقوى بكثير جدا من الاتصال الهاتفي، لأنه يصبح معاملة رسمية، برقم وتاريخ، ولا بد من إنهائها، فيقوم المركز بالتثبت من المنكر ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة في إنكاره.
النوع الثاني: الكتابة للمشايخ المحتسبين الذين يفعلون الخطاب الاحتسابي فيشرحون عليه إلى الجهة المعنية أن ينشئوا خطابا جديدا.
النوع الثالث: الكتابة إلى الشخص المسؤول، فإذا كانت القضية في الإعلام، كتب إلى وزير الإعلام. وإذا كانت في مستشفى، كتب إلى مدير المستشفى أو مدير الشؤون الصحية أو وزير الصحة، نظرا للأصلح، وهكذا.
النوع الرابع: الكتابة إلى الشخص الذي يحتاج إلى مناصحة: مغني أو ممثل أو تاجر يملك قناة محرمة، أو مبتدع، أو صاحب فكر، أو منحرف وهكذا.. ولا يخفى ما يحتاجه الخطاب هنا من إضافة لغة الموعظة وظهور الرفق.
المتابعة، وهذا يشكل ما لا يقل عن 70% من قوة الخطاب، وقد عرف هذا الأثر من التجربة.
ثم نقرأ تحت عنوان:
كتابة البرقيات
البرقية هي أقرب الوسائل إلى الخطابات، إلا أن البرقية أقوى معنويا، لدى المخاطب، ولا تكتب عادة، إلا إلى المسؤولين الكبار فقط، وعبارتها تكون مختصرة جدا بنحو سطر أو سطرين.
يمكن إرسال البرقية من خلال موقع الاتصالات في الإنترنت وتسمي بالبرقية الإلكترونية.
ثم نقرأ تحت عنوان: الشكاوى النظامية
أولا: تقدم الشكاوى النظامية إلى الجهات الرقابية، أو الإشرافية، أو الإدارية العليا، وعادة ما يتخذ على الشكوى إجراء نظامي ومحاسبة الجهة المخالفة، ويمكن أيضا مع المراقبين في الوزارات لما لهم من تأثير بالغ.
ثم نقرأ تحت عنوان: الدعاوى القضائية
وهذه وسيلة مهمة غفل عنها المحتسبون، وهي من أسباب دفع الباطل وتراجعه، وهنا بعض التنبيهات:
من المهم نشر ثقافة المقاضاة الشرعية لأهل الفساد والإفساد في الأمة.
الصفة التي يتقدم بها المحتسب في دعواه.
إما أن يكون معتدى عليه بشخصه بشكل مباشر أو غير مباشر، أو أن تكون دعواه احتسابية ضد المؤسسات الحكومية أو الأهلية أو الأشخاص.
وهنا مقترحان:
أن يتولى أهل الصلاح من المحامين، بعضا من الدعاوى الاحتسابية ضد أهل الباطل، فيقوم كل محام بدعوى قضائية احتسابية واحدة.
أن يتكفل بعض التجار بأجرة المحامي فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، كمقاضاة أصحاب القنوات المنحرفة ونحوها.
ونقرأ تحت عنوان: الحسبة الميدانية
ذهاب المحتسبين إلى مكان المنكر، كالتجمعات الشبابية في الشواطئ والأرصفة، أو محلات بيع الجراك والشيشة وأشرطة الغناء والفيديو المحرم، أو البنوك الربوية، أو الأسواق، أو التموينات التي تبيع الدخان والمجلات المحرمة أو غير ذلك.
تنبيهات مهمة في الإنكار على المتبرجة:
أن تكون بعيدا عنها بمسافة أمتار عدة.
أن يكون الإنكار بصوت مرتفع، وأسلوب جيد يشكرك الناس عليه، مثل: جزاكم الله خيرا، لا يجوز للمؤمنة أن تلبس العباءة المخصرة أو المتبرجة.
أو يقول: يجب على المؤمنة أن تلبس عباءة الرأس، وأن تغطي وجهها عن الرجال ونحو ذلك.
لا تقف ولا تستوقف، فلا يقف عندها ولا يستوقفها. وإذا تكلمت فلا يرد عليها، وألا يدخل معها أو مع وليها في خصومة، وإنما ينكر ويمضي في طريقه.
إذا كانت المرأة غير مسلمة، تؤمر بلبس العباءة وغطاء الرأس. ويمكن - عند الحاجة - أن يقال بأن كشف الرأس وعدم لبس الجلباب مخالف للنظام، ويجرح مشاعرنا نحن المسلمين.
ونقرأ أيضا تحت عنوان: الاحتساب في الأسواق
وتحت هذا البند، أورد صاحب الورقة تنبيهات عدة، منها ضرورة لبس المشلح (العباءة العربية للرجال وتسمى أيضا في السعودية، بشت) شرط في الدورية الراجلة لجميع المحتسبين في السوق، وهو الأساس في دفع المنكرات وتراجع المعاكسين وغيرهم.
وكتب أيضا تحت عنوان: الزيارة
تعتبر من أقوى الوسائل في التغيير والتأثير، وقد اهتم بها المحتسبون مثل اهتمامهم بالكتابة
وهنا تنبيهات:
يفضل أخذ الموعد من المعني بالزيارة.
بالنسبة للعدد، يفضل أن تكون الزيارة من وفد يتكون من ثلاثة أشخاص، ويفضل ألا تكون الزيارة فردية.
الاحتفاظ بالجانب الرسمي الاعتباري للزائرين (مشايخ) وفي اللباس «بشت».
أن يكون من بين الوفد من يتولى التعريف بالمشايخ ولا يلبس البشت.
زيارة القادمين من مناطق أخرى (الوفود)، لها وقع أكبر في الغالب.
ومن فوائد الزيارة، التعرف على موظفين جيدين في تلك الدائرة ممن يفرحون بمجيء المحتسبين، ويمكن التواصل معهم في الزيارات المقبلة.
من المهم معرفة رقم الأمر المناوب في الإمارة والشرطة والهيئة، للتواصل معهم عند المنكرات الطارئة في غير وقت الدوام.
ونقرأ أيضا تحت عنوان: الإنترنت
ويمكن الإفادة من هذه الوسيلة بالآتي:
كتابة الخطابات إلى الدوائر الحكومية أو الأهلية أو الأشخاص.
كتابة الخبر الصحافي الاحتسابي ونشره في الصحف الإلكترونية.
تأييد مواضيع الحسبة في المنتديات ورفعها.
إرسال مواضيع الحسبة عبر المجموعات البريدية.
وأيضا نقرأ تحت عنوان: التدريب والتطوير
تطوير العمل إضافة إلى التدريب، وأفضل الطرق المجربة أن تكون الدورة ممتدة لأشهر عدة (أربعة أشهر)، بلقاء واحد في كل شهر. والمجرب أن يكون اللقاء الشهري ممتدا من بعد صلاة الظهر، إلى أذان العشاء. ويقوم المتدرب بتطبيق الوسائل المطلوبة في الدورة خلال هذه المدة، فيتحقق بذلك التدريب والاحتساب العملي.
ونقرأ تحت عنوان:
الصحف الورقية والإلكترونية
عقد اللقاءات مع الصحافيين من أصحاب التوجه الطيب والقريبين منهم، لتنشيطهم وحثهم على العمل الاحتسابي من خلال منبر الصحافة.
إنشاء صحيفة إلكترونية احترافية تتحول، بعد ذلك، إلى ورقية.
ثم نقرأ تحت عنوان: المداخلات الصوتية في البرامج المباشرة في الإذاعة أو التلفاز
يمكن أن تكون المداخلة في أي برنامج، حتى البرامج السياسية، أو الطبية، أو الإخبارية، أو الفتاوى، أو البرامج المحرمة كالغنائية. ويعم ذلك على القنوات أو الإذاعات المحلية والعربية والعالمية.
إذا كان البرنامج على اتجاه لا يريد مشاركة أهل الاستقامة، فاحرص ألا يفهم منسق الاتصال أنك متدين من خلال طريقتك في الكلام.
اختصر المداخلة وادخل في الموضوع مباشرة ومن دون مقدمات، وأرسل رسالتك للناس بشكل واضح، ولا تجعلها على شكل سؤال فقط، تنتظر أن يبينها الضيف أو المفتي للناس، فقد لا يحصل ذلك بسبب المقدم أو تردد الضيف.
التحضير للمداخلة وخصوصا في الاستدلال، فلا يقع في خطأ أثناء قراءة آية. وأن يورد الحديث بنصه وبيان درجته العلماء وفتاواهم، والإحالة الدقيقة إليها، وإن كان ذلك على وجه الاختصار.
المداخلة من خلال البريد الإلكتروني أو منتدى البرنامج أو الناسوخ أو رسالة الجوال.
جمع أسماء البرامج المباشرة وأرقامها والتواصل مع المحتسبين للمداخلة فيها.
وبعد:
ما مضى فقرات مستفيضة من خطة عمل عبر ورقة تفصيلية، لإرشاد من يرغب في العمل على قيادة المجتمع عبر شعار الحسبة «خارج الجهاز الرسمي»، كما قال كاتبها في مؤتمر انطلق من الجهاز الرسمي نفسه. من خلالها نفهم طرفا من خلفيات التنظير والتحضير لنشاطات جماعات ظاهرة على الميدان، لا نعرف كيف يتحركون وكيف يتجمعون وكيف يتفرقون؟.



مخيم جنين: ليست حرباً على المسلحين... ولكن على الناس ورواياتهم

TT

مخيم جنين: ليست حرباً على المسلحين... ولكن على الناس ورواياتهم

الزميل كفاح زبون مع الصحافيين الذين تسللوا إلى مخيم جنين وقد بدا حولهم الدمار الهائل (الشرق الأوسط)
الزميل كفاح زبون مع الصحافيين الذين تسللوا إلى مخيم جنين وقد بدا حولهم الدمار الهائل (الشرق الأوسط)

ظل محمود الرخّ متردداً في الدخول إلى مخيمه الذي ولد وعاش فيه، مخيم جنين، بعدما حولته إسرائيل إلى كومة ركام كبيرة، ومصيدة للموت، قبل أن يحسم أمره، ويتجرأ ويعبر إلى داخل المخيم متغطياً بمجموعة صحافيين قرروا الدخول أيضاً بعد مشاورات كثيرة، وطول تردد. فالكل يدرك جيداً أنه قد يتعرض لإطلاق نار، قد يقتل، وقد يصاب، وقد يعتقل.

كان الشارع من دوار السينما الشهير في جنين إلى مداخل المخيم يعطيك انطباعاً سريعاً عما ستشاهده لاحقاً، وقبل المستشفى الحكومي الذي يقبع في آخر الشارع، حول الجنود المدججون بكل أنواع الأسلحة، المدخل الرئيسي للمخيم إلى ثكنة عسكرية. لكن شبان المخيم وأهله وصحافيي المدينة قالوا لنا إنه يمكن أن نتسلل إلى المخيم من خلف المستشفى، في جولة بدت صادمة للغاية.

«لا أحد إلاك في هذا المدى المفتوح»، تذكرت ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش وأنا أعبر إلى المخيم. «لا أحد» في المخيم. «لا أحد»، لا سلطة ولا ناس ولا مقاتلين، «دب الإبرة بتسمع صوتها» على ما نقول. فقط جنود إسرائيليون حولوه إلى كومة ركام كبيرة شاهدة على تاريخ وصمود ومعارك وحياة وذكريات وحكايات كثيرة، يتربصون بأي أحد، ويحلمون كما يبدو بتحويل المكان من فلسطيني إلى إسرائيلي بالكامل.

منشورات ألقاها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين (الشرق الأوسط)

لمحنا على مسافة بعيدة لافتات زرعها الجنود، تحمل أسماء عبرية مثل «محور يائير» في محاولة يائسة للسطو على المكان. وكانت مثار سخرية؛ إذ لا يخطئ الجنينيون في لفظ أسماء حاراتهم في المخيم من «الحواشين» إلى «الدمج» و«الألوب»... إلخ.

لم تكن حرباً على المسلحين، لقد كانت حرباً على المكان والناس والتاريخ والحاضر والرواية كذلك، وليست مجرد عملية عسكرية أطلقتها إسرائيل في المخيم في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، في بداية تحرك يتسع نطاقاً في باقي الضفة، بعد إدراجها على قائمة أهداف الحرب.

«السور الحديدي» وقواعد ثابتة

كانت العملية التي تعدّ تغييراً في الاتجاه الإسرائيلي، واتخذت اسم «السور الحديدي»، في تذكير واضح بالعملية الواسعة التي شنتها إسرائيل في الضفة عام 2002 في أثناء الانتفاضة الثانية، وأطلقت عليها اسم «السور الواقي»، واجتاحت معها كل الضفة الغربية، بدأت بهجوم جوي نفذته طائرة مسيرة على عدة بنى تحتية هناك، قبل أن تقتحم الوحدات الخاصة والشاباك والشرطة العسكرية مناطق واسعة في جنين، ثم ينفذ الطيران غارات أخرى.

بعد 25 يوماً، حين وصلنا إلى المخيم كانت إسرائيل قتلت 26 فلسطينياً وجرحت آخرين، وهجّرت 20 ألفاً بالتمام والكمال هم كل سكان المخيم، بلا استثناء.

سألت أحمد الشاويش، وهو صحافي من جنين تطوع للدخول معنا: إذاً ماذا يفعلون في المخيم؟ قال إنهم في مناطق لا نستطيع الوصول إليها يبنون قواعد ثابتة، ما يذكّر بكلام وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأنهم لن يغادروا المكان.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعلن شخصياً عن بدء العملية في جنين، قائلاً إنها أطلقت «بتوجيه الكابينت»، بوصفها «خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف، وهو تعزيز الأمن في الضفة الغربية». وتابع حينذاك: «نحن نتحرك بشكل منهجيّ وحازم ضد المحور الإيرانيّ، أينما يرسل أذرعه؛ في غزة ولبنان وسوريا واليمن والضفة الغربية».

مسألة توقيت لا قرار

لم يكن قرار الهجوم على جنين مستحدثاً، لكنهم قرروا انتظار الهدنة في غزة، وبعد 3 أيام من بدء سريانها هناك، حولوا البوصلة إلى الضفة بعد توصية رئيس الشاباك رونين بار الذي أبلغ المجلس الأمني والوزاري المصغر أنه يجب اتخاذ إجراءات أوسع لتغيير الواقع، والقضاء على المجموعات المسلحة في الضفة، مطالباً «بالتعلم من الذي حصل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)»، ومحذراً من أن الانخفاض الكبير في العمليات في الضفة الغربية «مخادع ومضلل»، و«لا يعكس حجم تطور الإرهاب على الأرض».

آليات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم جنين (الشرق الأوسط)

مسألة أخرى قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنها ساهمت في اتخاذ قرار الهجوم على الضفة الغربية، هي الإفراج الجماعي عن الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة غزة، باعتبار ذلك «سيثير حماس الإرهابيين في المنطقة، ويزيد من دوافعهم لتنفيذ الهجمات».

لم أصدق ما شاهدت بأم العين رغم أنني رأيت مئات الفيديوهات من جنين قبل ذلك.

كان الدمار هائلاً؛ بيوت مهدمة، وجدران متهاوية، وشوارع مجرفة، وأكوام من الركام في كل مكان، فيما رائحة الحرائق تفوح من كل زقاق.

مضينا بحذر شديد فيما كانت طائرات «الدرون» التي يسميها الفلسطينيون «زنانات»؛ لفرط الإزعاج الذي تسببه، تحوم فوق المخيم 24 ساعة في اليوم والليلة.

قال الرخ إنه يريد العودة. تردد كثيراً لأن زوجته و2 من أولاده الصغار معه، لكن زوجته أصرّت على أن تواصل؛ لأنها بحاجة إلى جلب معاطف من المنزل. وفعلاً عبرت مع ابنتها إلى هناك، وأحضرت بعض الملابس، أما هو فوقف عاجزاً عن وصف مشاعره وهو يشاهد منزله المهدم جزئياً.

غزّة ثانية

لا أعرف كيف سيشعر أي شخص حين يرى منزله الذي بناه من تعب وعرق واحتضنه مع عائلته قد تبخر بلمح البصر؟! الابن أحمد قطع علينا أفكارنا وهو ينادي والده بفرح: «يابا يابا... جابت ستر جابت ستر (معاطف)».

لم يغادر الرخ سريعاً رغم أن المهمة أُنجزت، وظل يراقب منزله في حارة الحواشين، ثم أشار إلى بيته المحروق والمهدم وقال: «ما خلو اشي ما خلو بيوت ولا سكان».

مخيم جنين المدمر والفارغ من أهله وسكانه (الشرق الأوسط)

قال لنا إنه تسلل قبل ذلك وتعرض لإطلاق نار، وأضاف: «لولاكم ما دخلت. خايف يطخوا علينا معي زوجتي وأولادي. شفتكم وتشجعت... والله الحامي».

وأضاف: «إشي لا يصدق شوف شوف. غزة ثانية عملوها».

سألته: ماذا ستفعل بعد ذلك؟ قال: «سنعود. سأنصب خيمة وراح أنام فيها».

فعلاً كان مخيم جنين غزة صغيرة، عبرنا فوق أكوام الركام، ودخلنا عبر البيوت المهدمة والمفتوحة لتجنب الجيش في الشوارع.

وكان فادي، أحد أبناء المخيم، خبيراً في أزقته، وحاول إلى حد كبير توجيه جولتنا مع كثير من التحذيرات.

طلب منا الوقوف فجأة عندما سمع صوت جيب إسرائيلي يسميه الفلسطينيون «بوز النمر». صاح: «وقفوا بوز نمر قريب». لم يصدر أحد صوتاً، وخيم السكون. تدخل صديقه وقال: «من هنا»، فاضطرنا إلى تسلق ما يشبه جبلاً من الركام، ثم هبوط جبل آخر لنعبر إلى حارة أخرى.

كان شيئاً لم نشهده في الضفة الغربية في الانتفاضتين: الأولى والثانية. وعلى الرغم من أن كل الفلسطينيين اختبروا كل أشكال الحرب، بما في ذلك غارات الطيران الحربي وتوغل الدبابات في قلب المدن، فإن مخيم جنين بدا شيئاً آخر. ولا حتى ما تبثه الشاشات يمكن أن يعكس هول المشهد.

حزن كبير يغمر المكان. حزن الحجارة والشوارع على المكان والناس الذين كانوا قد تشردوا عند أقارب لهم في مراكز نزوح تقام لأول مرة في الضفة الغربية.

تجريف لتسهيل الاقتحام

لم أعرف أين وقف كاتس، نهاية الشهر الماضي، عندما وصل إلى المخيم، لكني تخيلته وهو منتشٍ بما شاهده من دمار يوازي دمار غزة.

قال من هنا إنه سيواصل الهجوم، ولن يخرج من المخيم الذي لن يعود كما كان حتى بعد انتهاء العملية.

نظرت إلى المخيم وفهمت أنه لن يعود كما كان، لكني لم أفهم ضد من سيواصل الهجوم في مكان بلا أحد!

سألت الصحافيين والناس مرة أخرى إن كان هناك مسلحون فقالوا: «لا، لا يوجد أي أحد. لا يوجد أي بشر هنا فقط هذا الدمار».

لكن إسرائيل مصرّة وتقول إن العملية في جنين مستمرة، وهدفها «تحييد المسلحين بالكامل»، ويتحدثون عن عملية قد تستمر عدة أشهر.

مخيم جنين المدمر والفارغ من أهله وسكانه (الشرق الأوسط)

في الأثناء كانت الجرافات تصل إلى المخيم، وانطلق نقاش حول تجريف إسرائيل شوارع واسعة في المخيم قد تحوله إلى مربعات سكنية صغيرة، بما يسمح للجيش بالبقاء والاقتحام وقتما يشاء.

وربما أنهم مثل ما يحلمون في غزة يحلمون في مخيمات الضفة، تهجير الناس وتقليص المساحات للوجود الدائم، واستيطان إذا تسنى لهم.

في أحد أزقة المخيم التي تحولت إلى «طينة» بفعل تدمير البنية التحتية، كان ثمة بيانات سابقة ألقاها الجنود ما زالت موجودة تطالب أهل المخيم بنبذ المسلحين، وتقول إنهم السبب بتدمير المخيم، وإنهم هم من يدفع الثمن.

والبيانات أسلوب إسرائيلي قديم جداً لم يتوقف، وطالما ألقى الجيش طيلة الانتفاضة الثانية في كل مكان في الضفة بيانات تقول للفلسطينيين: «قف وفكر. لا تدعم المسلحين».

لم يتوقف الفلسطينيون ولا المسلحون ولا إسرائيل.

لكن في مخيم جنين بعد معارك طويلة ومستمرة، لم يكن هناك اليوم أي مسلحين، ولكن أكوام. أكوام من كل شيء، أكوام حجارة، أكوام حديد، أكوام سيارات محترقة، أكوام رمل، ولا شيء سوى الأكوام.

السجن الكبير

لا تكفي جولة سريعة تقوم بها تحت الضغط والقلق. فأنت بوصفك فلسطينياً أولاً، وإنساناً ثانياً، تنسى أنك صحافي، وتغرق في دهشة وحزن وكثير من الأمنيات بالتخلص من واقع معقد وصعب حوّل الجميع إلى سجناء في سجن كبير بعنابر متفاوتة، ينتظرون الموت أو الإذلال المستمر.

في الطريق إلى جنين عبرنا حواجز عديدة، وكان علينا متابعة أخبار الحواجز؛ لمعرفة إن كانت مفتوحة أو مغلقة أو مزدحمة. وكان علينا أن نلتف عليها في رحلة تحولت إلى مضنية، وأكثر من مضنية خصوصاً في طريق العودة حين أصر الجنود على تفتيش السيارة والجوالات، وبدأوا يطرحون أسئلة سخيفة.

لم نصدق أننا خرجنا سالمين من مصيدة الموت في المخيم.

مجموعة الصحافيين تخرج على عجل من مخيم جنين (الشرق الأوسط)

«لقد نجونا»، صرنا نفكر قبل أن يهمهم الجميع بعد العودة إلى المستشفى الحكومي، الحمد لله على السلامة.

قال الشاويش إنهم في آخر محاولة للدخول تعرضوا لإطلاق النار، وقد أصيب مواطنون حاولوا الدخول إلى المخيم. وفي المرة التي سبقت ذلك اضطر الصليب الأحمر للتدخل من أجل إخراج صحافيين حوصروا داخل المخيم.

خارج المخيم صادفنا شباناً يتصيدون الفرصة للدخول، يراقبون تحرك الآليات ويستطلعون المداخل، وبادروا بسؤالنا: «كيف الوضع؟ وين وصلتوا؟ لاقكم جيش؟».

قال أحمد سمارة إنه يدخل بشكل شبه متكرر متسللاً إلى حارة الدمج، إحدى الحارات التي لم نستطع الوصول إليها ودُمرت بشكل كبير.

وسألته: لماذا يخاطر هكذا؟ فقال باستنفار: «أنا داخل على بيتي مش على بيتهم، بدي أدخل غصب عنهم. خليهم يطخوني».

وفي كل مرة، يصل سمارة إلى بيته المدمر يُلقي نظرة عليه، ويسلّم ويغادر. ومثل الرخ ينتظر سمارة نهاية العملية العسكرية من أجل أن ينصب خيمته هناك، ويقول: «أنا راح أرجع على مخيمي، أنا بحب مخيمي وراح نعمره بأيدينا».

تهجير قسري وتمسّك بالعودة

وبحسب منسق القوى الوطنية والإسلامية في جنين، راغب أبو دياك، فإن الاحتلال هجّر قسراً ما يزيد على 20 ألف مواطن من مخيم جنين، بعدما دمر وعاث خراباً في 470 منزلاً بشكل كامل وجزئي.

لم تكن هذه معركة المخيم الذي بني عام 1953 بحسب وكالة «أونروا» الوحيدة، فقد خاض رجاله مواجهة كانت الأعنف في الضفة الغربية عام 2002.

لكن الناس لم يغادروا آنذاك.

وشرح سكان من المخيم كيف أنهم اضطروا للمغادرة تحت تهديد الجنود والطائرات المسيرة التي كانت تطلق النار.

بعضهم كان محظوظاً لأن له أقارب وأنسباء خارج المخيم، لكن عدداً آخر كان عليه أن يجرب ما جربه الفلسطينيون في قطاع غزة.

كانت جنين المدينة هادئة إلى حد ما لكنها أيضاً متعبة.

وفي جمعية «الكفيف» الخيرية، وجدنا العشرات من سكان المخيم يعيشون هناك، ومثلهم مئات في مراكز نزوح أخرى في المدينة والقرى المجاورة.

رجال يقتلون الوقت في نقاشات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وأولاد يلعبون في حديقة متواضعة، ونساء يتدبرن أمور الحياة، وجميعهم يربون الأمل فقط من أجل عودة قريبة.

لم يتخيل نظمي تركمان أنه سيكون نازحاً يوماً، وقال إن الموقف صعب وحزين للغاية.

وأضاف: «شفت بحياتي كتير. عشت اجتياحات وقتل وضرب وهدم بس هاي المرة غير».

ومثل غيره، يتسلل تركان إلى المخيم كل يوم مأخوذاً بالحنين: « كل يوم برجع بروح بتفرج على البيت المحروق».

سألته أيضاً: ماذا سيفعل بعد انتهاء العملية؟ فأجاب مثل الآخرين: «راجعين مش بس على المخيم وبدنا نرجع كمان على 48. بفكروا يهجرونا من المخيم لا! أنا من حيفا وبدي أرجع على حيفا».

زوجة محمود الرخّ وابنته تحاولان تفادي القناص للوصول إلى المنزل وسحب حاجيات ضرورية (الشرق الأوسط)

غضب على السلطة

وصلت سيارات إلى المكان تحمل بعض المساعدات التي بدت متواضعة، ولا تلبي الاحتياجات، وبعد أيام قليلة فقط أصدر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى توجيهات بتوفير الإيواء والإغاثة اللازمة للنازحين في محافظات شمال الضفة الغربية، خاصة في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.

لكن الحاجة حليمة، وهي معروفة على نطاق واسع في المخيم ونزحت هي الأخرى منه إلى مركز المكفوفين لم تكن راضية عن دور السلطة.

وقالت الحاجة حليمة، وهي عضو سابق في اللجنة الشعبية في مخيم جنين، إن المخيم دفع ثمناً كبيراً عندما حاصرته السلطة في السابق.

وأضافت بكثير من الألم: «شوف بعد كل هذا العمر وين صرنا إشي بحزن إشي قاتل بالآخر نتشرد من دورنا».

تفهم الحاجة حليمة أن الحرب الحالية أكبر من مجرد عملية، وتعتقد أنها تستهدف حق العودة باستهداف المخيمات ووكالة «أونروا».

في أثناء ذلك، كانت إسرائيل تعيد في مخيم نور شمس بطولكرم ما فعلته في مخيم جنين.

لقد بدت حرباً واضحة على المخيمات. لكن الحاجة حليمة استخفت بهم وبحربهم وقالت: «أنا مولودة بالمخيم وراح أرجع... وزي ما بقول المثل: المربى قتال».