يوميات مراسل من غزة: هدنة أقصر من الحلم

يوميات مراسل من غزة: هدنة أقصر من الحلم
TT

يوميات مراسل من غزة: هدنة أقصر من الحلم

يوميات مراسل من غزة: هدنة أقصر من الحلم

انتظرت كما سكان قطاع غزة أن تمر الليلة الماضية سريعا بعد أن أعلن عن توافق فلسطيني - إسرائيلي برعاية دولية عن «هدنة إنسانية» تستمر 72 ساعة، ليتنفس الفلسطينيون في غزة الصعداء بحثا عن شيء يهدئ من روعهم ويخفف من آلامهم القاتلة بعد كل هذا البحر من الدم المنتشر في الشوارع كما سيول المطر وبعد كل هذا العدد من الضحايا الذين فاق عددهم الألف.
دقت عقارب الساعة المحلية عند الثامنة صباحا، فتحت نافذة غرفتي التي كنت أتحسب عند فتحها من صاروخ يباغتني، لكني فتحتها وسط كل هذا الهدوء لأستنشق هواء البحر المتوسط الذي يطل على مخيم الشاطئ وحرمت من هوائه كما الآلاف من المواطنين الذين يقطنون قبالة هذا الساحل الذي لم تغادره الزوارق البحرية الإسرائيلية وهي تهاجم الفلسطينيين منه، فرأيت العشرات من المواطنين يقفون قبالة الساحل وبعض من الشبان استغلوا الهدنة التي كان مقررا أن تطول للسباحة في بحر غزة الجميل.
بعد أقل من ساعتين، عادت الحياة أكثر ارتباكا مع تجدد الهجمات وإعلان فشل الهدنة الإنسانية التي كان ينتظرها سكان قطاع غزة للتنفس قليلا بعيدا عن رائحة الدم والقتل الذي لم يتوقف للحظة واحدة. المئات عادوا لمنازلهم ولم تسنح لهم الفرصة حتى أن يؤدوا الصلاة في المساجد خوفا من تعرضها مجددا للقصف في ظل الحديث حينها عن مجازر دامية ترتكب في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
عدت إلى البيت وعاد السكان إلى منازلهم قبل أن يهنأوا بالهدنة التي أعادت لأرواحهم الأمل ببعض من الحياة المهدورة بفعل الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي أرهبت الناس في أسواقهم وشوارعهم يتنفسون الهدوء الذي انتظروه طويلا الليلة الماضية وهم يعدون الدقيقة تلو الأخرى لكي يستطيعوا أن يطمئنوا على أحوالهم وأقربائهم.
شعرت بالسعادة حين عادت في هذه الهدنة القصيرة، شبكة الاتصالات حتى اتصلت ببعض أصدقائي في مناطق متفرقة من غزة لكي أطمئن على حالهم، لكن كل ذلك لم يسعفني كما المئات من المواطنين في أن يطمئنوا على حال أقربائهم. ودفعت المجزرة برفح من عادوا يتفقدون منازلهم في الشجاعية وبيت حانون للفرار تحت القصف الذي عاد وطالهم في هدنة قصيرة لم تطول.
كانت الهدنة كالحلم الجميل تماما لكنه قصير جدا، لا يعبر عن مدى سعادة صاحب ذاك الحلم بما رآه في منامه قبل أن يستيقظ على صوت الألم الذي يحيط بواقعه المعيشي الصعب الذي لن يستطيع أن يغيره أحد سوى أن يزول الاحتلال كي أستطيع ويستطيع الفلسطينيون العيش بحرية بعيدا عن هذا الاحتلال البغيض الذي يقتل كل الأحلام فينا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.