رئيس جنوب السودان يوجه وفده في المفاوضات التي ستبدأ الاثنين بعدم العودة من دون تحقيق السلام مع المتمردين

عضو في الحركة الشعبية المعارضة لـ {الشرق الأوسط}: رياك مشار سيصل إلى الخرطوم الأسبوع المقبل

رئيس جنوب السودان سلفا كير أثناء وصوله إلى احتفال إحياء الذكرى التاسعة لوفاة جون قرنق في جوبا أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير أثناء وصوله إلى احتفال إحياء الذكرى التاسعة لوفاة جون قرنق في جوبا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

رئيس جنوب السودان يوجه وفده في المفاوضات التي ستبدأ الاثنين بعدم العودة من دون تحقيق السلام مع المتمردين

رئيس جنوب السودان سلفا كير أثناء وصوله إلى احتفال إحياء الذكرى التاسعة لوفاة جون قرنق في جوبا أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس جنوب السودان سلفا كير أثناء وصوله إلى احتفال إحياء الذكرى التاسعة لوفاة جون قرنق في جوبا أول من أمس (أ.ف.ب)

وجه رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، عشية بدء المفاوضات، وفد حكومته مع حركة التمرد بقيادة رياك مشار، بضرورة الوصول إلى اتفاق سلام ينهي الأزمة في الدولة التي استقلت حديثا، لكنه دعا في الوقت ذاته شعب جنوب السودان للاستعداد للحرب إذا استمر مشار في مقاتلة الجيش الشعبي، متهما جهات خارجية لم يسمها بأنها تتآمر للاستيلاء على الحكم لاستغلال موارد بلاده، في وقت أعلنت فيه الحركة الشعبية المعارضة أن زعيمها رياك مشار سيصل إلى الخرطوم الأسبوع المقبل في زيارة قد تستغرق عدة أيام سيجري خلالها لقاءات مع الرئيس السوداني عمر البشير وقوى سياسية أخرى، فيما أرجأت وساطة الإيقاد المفاوضات بين طرفي النزاع إلى الاثنين المقبل بدلا من الأمس.
وقال رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، في كلمة له في احتفالات بلاده بذكرى «عيد الشهداء» مساء أول من أمس، إن حكومته عازمة على تحقيق السلام مع المتمردين بقيادة نائبه المقال رياك مشار في هذه الجولة التي كان من المقرر أن تبدأ أمس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قبل أن يتم إرجاؤها. وقال «إذا أراد مشار السلام فنحن مستعدون ولكن إذا أراد الاستمرار في الحرب فإن على شعبنا الاستعداد لمواجهة ذلك». وأضاف «وجهت وفد الحكومة بألا يعود إلى جوبا دون تحقيق السلام النهائي»، مشددا على دعوته لمنافسه مشار إلى وقف الحرب لأنه لا فائدة منها للدولة الحديثة التي حققت استقلالها عبر حرب تحرير طويلة قتل فيها الكثيرون من أبناء شعب جنوب السودان وفي مقدمتهم قائد وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق الذي لقي مصرعه عام 2005 بعد 21 يوما من توقيعه اتفاق السلام الشامل مع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير، وقال «لا نريد أن نبني أمة من معاقي الحروب».
وندد كير بهجوم المتمردين على مدينتي الناصر وايود في ولاية أعالي النيل الأحد الماضي، وقال إن قواته الحكومية تصدت للهجومين لكنها ستظل باقية في مواقعها. وقال «لكن رياك مشار شخص غير مسؤول لأنه لا يحمل فكرا، وعندما يسأل عن هذا القتل فإنه يشير بأصابع الاتهام لشخصي، رغم عدم اعترافه بقيادتي لهذه الدولة»، داعيا مشار لقبول السلام ووقف الحرب فورا. وأضاف «مشار لن يقبل بالانتخابات لأن قناعته الوصول إلى كرسي الحكم عبر القوة المسلحة، لكنه فشل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في الاستيلاء على السلطة».
وانتقد كير جهات - لم يسمها - قال إنها تعمل لأجندتها الخاصة وتحاول إسقاط الحكومة المنتخبة في جوبا بكل السبل عبر حياكة سلسلة من المؤامرات. وأضاف «أقول لتلك الجهات إن إصراركم على تغيير الحكومة من دون الطريق الديمقراطي لن ينجح، ولن يستطيعوا الاستيلاء على جوبا أو أي مكان آخر». وقال إن تلك الجهات قسمت دولة الصومال، وهي التي أعدمت صدام حسين بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل. وأضاف «لكن بعد قتله لم يجدوا تلك الأسلحة، كما أن القذافي سلم كل شيء من تلك الأسلحة لكنهم أيضا جاءوا إلى بلاده وقتلوه، وهناك حرب مشتعلة في سوريا». وقال «نحن لا نملك أسلحة دمار شامل، لكن لدينا أرضا وموارد توجع هذه الجهات».
من جهته، قال عضو وفد التفاوض عن الحركة الشعبية المعارضة الدكتور ضيو مطوك، لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة الإيقاد أرجأت المفاوضات التي كان يفترض أن تبدأ بالأمس إلى الاثنين المقبل. وأضاف أن الوساطة ألغت تذاكر الطيران لوفده، لكنها طلبت منهم الاستعداد للوصول إلى أديس أبابا مقر المحادثات، مشيرا إلى أن وفود أصحاب المصلحة الذين اختارتهم الوساطة من الذين تشردوا إلى كينيا وإثيوبيا والسودان سيشاركون في هذه الجولة، وقال «لكن لم يتم الاتفاق على آلية مشاركتهم، سواء القادمون من جوبا أو من دول الجوار، وسنرى في هذه الجولة كيفية إشراكهم».
وكشف مطوك عن أن رئيس حركته رياك مشار سيصل الأسبوع المقبل إلى العاصمة السودانية الخرطوم بعد تأجيل الزيارة عدة مرات. وقال إن مشار سيلتقي الرئيس السوداني عمر البشير وعددا من المسؤولين في الحكومة، إلى جانب قوى سياسية ومنظمات المجتمع المدني والجنوبيين الموجودين في الخرطوم.
من جهتها، دعت قيادات حزب الحركة الشعبية المفرج عنها، بقيادة الأمين العام باقان أموم، في بيان أرسلته لـ«الشرق الأوسط»، إلى وقف فوري للحرب الدائرة، وقالت إنه «ليس هناك من منتصر فيها». وقال البيان إن هذه الجولة الخامسة ستضم ولأول مرة أطراف النزاع من الحكومة والحركة الشعبية المعارضة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى جانب مجموعة الـ11 المفرج عنهم من قيادات الحزب الحاكم، وعدت ذلك هو الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام.
في غضون ذلك، أصدر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت مرسوما دستوريا بتعيين المتمرد السابق ورئيس حركة جنوب السودان الديمقراطية ديفيد ياو ياو رئيسا لإدارية منطقة بيبور الكبرى حاكما لها، على أن تتبع الإدارية رئاسة الجمهورية. وقد وقع ياو ياو اتفاق سلام مع الحكومة في التاسع من مايو (أيار) الماضي في أديس أبابا. وينحدر ياو ياو من قبيلة المورلي التي خاضت حربا لأكثر من ثلاث سنوات ضد جوبا، وقد تم فصل إدارية البيبور عن ولاية جونقلي، وتسكن قبائل الأنواك والجيه كشيبو مع المورلي في تلك المنطقة.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.