اعتادت عائلة «أبو محمد» أن تعيش كل عام أجواء العيد مع الأقارب والجيران في مدينة الموصل، لكن حالهم هذا العيد مختلفة تماما. سليم عمر، أو «أبو محمد»، مواطن موصلي نزح إلى أربيل بعد سقوط الموصل على يد «داعش»، وهو أب لابنتين صغيرتين اعتادتا أن تكونا في حضن الجد والجدة في كل عيد، لكن عمل «أبو محمد» بصفته شرطيا في المدينة حال دون البقاء فيها خوفا من تنظيم «داعش»، فترك الموصل نحو إقليم كردستان واستقر في مخيم خازر الذي يقع على بعد 50 كلم غرب أربيل.
«الشرق الأوسط» التقت بـ«أبو محمد» وهو جالس تحت خيمته الصغيرة التي لوثتها العواصف الرملية وفقدت لونها الأزرق بسبب حرارة الجو. روى «أبو محمد» معاناته قائلا: «تعودنا أن نجتمع كل عيد في بيت والدي أنا وإخوتي؛ حيث نقضي اليوم الأول من العيد دائما عندهم، لكن هذا العام كما ترى لم نحتفل بالعيد، لأن أوضاعنا الإنسانية أصبحت مؤلمة جدا، المخيم يعاني من نقص كبير في كل شيء؛ من مياه شرب، وثلج، وكهرباء، ومواد غذائية، لا أنكر أن هناك توزيعا للمياه والمؤن على المخيم من قبل حكومة كردستان والمنظمات الخيرية، لكن الكميات قليلة لا تكفينا، فأعدادنا أصبحت كبيرة جدا». وتابع: «أنا الوحيد في عائلتي الذي ترك الموصل، فوالدي وإخوتي بقوا في المدينة لأنهم يعملون في السوق، واضطررت للمغادرة لأنني شرطي، وكما تعلمون، فإن (داعش) هدر دم الشرطة والجيش؛ لذا غادرت المدينة دون جلب أي شيء معي، حتى وثائقي تركتها في الموصل خوفا».
عائلة «أبو محمد» ليست الوحيدة التي لم تحتفل بالعيد هذا العام، بل حاله هي حال آلاف النازحين العراقيين الذين جاءوا إلى إقليم كردستان الذي يعاني هو الآخر من أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الحصار الذي تفرضه بغداد على أربيل منذ أكثر من سبعة أشهر بسبب تدهور العلاقات بين الجانبين.
إلى الشرق من المخيم الذي يتكون من 800 خيمة نصبت حكومة الإقليم خزانات مياه كبيرة للنازحين، الذين لا يسعهم من شدة الحر سوى تبليل ملابسهم بالمياه لتخفيف الحرارة الخانقة التي تصل إلى 48 درجة مئوية عند الظهيرة.
عند أحد تلك الخزانات جلست عائشة أحمد (أم عماد) البالغة من العمر 50 سنة وهي تنتظر امتلاء دلوها بالماء لتعود به مسرعا إلى الخيمة، قالت: «يوميا أقوم بنقل المياه إلى المخيم لعدة مرات، سابقا كان زوجي يساعدني في نقل المياه، لكنه مريض؛ إذ أصيب قبل أيام بالتسمم من الحر وهو طريح الفراش، راجعنا المركز الصحي المتنقل وأخذنا الدواء، لكن وضعه ما زال صعبا». وأضافت: «هذا أصعب عيد عشته في حياتي، نحن العراقيين عشنا كثيرا من الويلات على مدار الأعوام السابقة، لكن هذا النزوح كسر ظهرنا»، وتساءلت عائشة: «أين الحكومة التي كانت ترهبنا على مدار السنوات الماضية، وتعتقل أبناءنا العزل؟ لماذا لا تحرر الموصل من (داعش)؟ أين البرلمان والحكومة والوزراء؟ كلهم هربوا وكسرت الجرة على رؤوسنا نحن الفقراء والمواطنين البسطاء فقط»، وتابعت: «البارحة أردت الدخول إلى أربيل لأسكن مع ابنتي المتزوجة منذ أربع سنوات فيها، إلا أن نقاط التفتيش لم تسمح لي، لأنني نازحة، وأخبروني بضرورة العودة إلى المخيم».
الأطفال النازحون هم الشريحة الأكثر تضررا من النزوح، فالأوضاع في المخيم صعبة على الصغار الذين لم يحتفلوا بالعيد هذه السنة بسبب الظروف التي يعيشونها، ولم يرتدوا ملابس العيد، وهم ينتظرون العودة إلى مدينتهم».
آية جلال التي تبلغ من العمر عشر سنوات، قالت: «لم أشترِ هذا العام ملابس العيد، كما كنت أفعل الأعوام الماضية.. بابا لا يملك النقود لأننا تركنا كل شيء في بيتنا»، وتساءلت: «متى سنعود إلى البيت؟».
بدوره، قال أرشد خليل شواني رئيس منظمة «هوشياري» لتنمية الشباب، إن منظمته مستمرة في دعم مخيمات النازحين في الإقليم، وأكد أنهم وزعوا خلال الأيام الماضية الثلاجات على مخيم خازر، إلى جانب توزيع الأغذية، والمياه المعقمة، والثلج، وذلك بالتعاون مع منظمة «روانكة» الخيرية. وأضاف شواني: «الآن، وبالتعاون مع عدد من الشركات، بدأنا بتنظيم دورة للنازحين حول كيفية التصرف عند اندلاع الحرائق، وكذلك عند لدغ حشرة سامة أحد أفراد العائلة، وفي هذا الإطار سنقوم بتوزيع مطافئ الحريق على النازحين، ونؤسس صيدلية تحت إشراف كوادرنا في المخيم؛ حيث ستوفر هذه الصيدلية نحو 900 قطعة دواء إلى جانب الأدوية الخاصة بلدغ الأفاعي والعقارب؛ حيث حدثت حالات لدغ في المخيمات الأخرى؛ لذا ارتأينا تنظيم هذه الدورة قبل وقوع حوادث مشابهة لها هنا في خازر».
نازحو الموصل في كردستان: كسروا ظهرنا هذا العيد
حيرة العائلات وسط تساؤلات عن موعد العودة إلى ديارهم
نازحو الموصل في كردستان: كسروا ظهرنا هذا العيد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة