تدرس الحكومة الصينية، تحت ضغوط من أجل الحد من انبعاثات الضباب الدخاني وغازات الاحتباس الحراري، وضع حد أقصى إلزامي على استخدام الفحم، الذي يعد المصدر الرئيس للتلوث بالكربون الصادر من الوقود الأحفوري. ولكن ربما يكون هذا السقف قابلا للتعديل، مما سيسمح لاستهلاك الفحم بالتزايد لسنوات، كما أن صانعي السياسات على خلاف حول المدة التي سترتفع فيها انبعاثات البلاد.
يناقش كبار المسؤولين هذه القضايا في الوقت الذي يقومون فيه بصياغة خطة تنمية خمسية جديدة، سيجري الانتهاء منها بحلول نهاية العام المقبل. ينبعث من الصين غاز ثاني أكسيد الكربون بقدر أكبر من أي دولة أخرى، لذا فإن ما سيقرره الرئيس شي جين بينغ ومعاونوه ستكون له عواقب بعيدة المدى على جهود احتواء تغير المناخ.
وقال وانغ يي، أستاذ في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين الذي يدرس السياسة البيئية، في مقابلة عبر الهاتف، بأن القادة الصينيين لم يفصلوا وجهات نظرهم بشأن الفحم أو حدود انبعاثات الكربون. ولكن هناك دعم قوي بين أوساط كبار مستشاري السياسة لوضع سقف ثابت لاستخدام الفحم بدءا من عام 2016.
وأضاف وانغ، العضو البارز في الهيئة التشريعية الصينية (المؤتمر الشعبي الوطني): «أعتقد أن هناك إجماعا واسعا حول هذا الموضوع، وأن المسألة تدور حول كيفية تنفيذ ذلك». وأوضح: «إذا كنا نستطيع أن نضع سقفا لاستخدام الفحم، فسيكون ذلك بمثابة وضع حد أقصى للكربون تقريبا، ذلك أن الفحم هو المصدر الرئيس لمثل هذا النوع من التلوث والانبعاثات».
وبيَّن وانغ وآخرون أن وضع سقف لاستخدام الفحم سيسهل من تطبيق حد أقصى على انبعاثات الكربون الصادرة من جميع أنواع الوقود الأحفوري، وهو ما اقترحه بعض الخبراء. يذكر أن الصين تمثل نصف الاستهلاك العالمي للفحم.
إن وضع سقف لاستخدام الفحم سيكون أكثر صرامة من القيود الحالية غير الإلزامية التي لا تطبق إلا بشكل فضفاض، ولكنه سيرتبط بالنمو الاقتصادي المتوقع والطلب على الطاقة، لذلك ربما يستمر استخدام الفحم في الارتفاع لسنوات.
ويظل مستشارو السياسة الصينية منقسمين حول الوتيرة التي يجب أن تسير عليها البلاد نحو خفض استهلاك الفحم. ويخشى بعض المسؤولين من أن فرض قيود أكثر صرامة قد يضر بالاقتصاد، حيث أشاروا إلى احتمالية إغلاق المناجم، مما سيؤدي إلى فقدان الوظائف ونقص في مصادر الطاقة في حال فشل توفير مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة النووية، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، في الوقت المحدد.
وقال لين بوه تشيانغ، مدير المركز الصيني لبحوث الاقتصاد والطاقة بجامعة شيامن شرق الصين: «إن الصعوبة الرئيسة هي الوقت الذي يستغرقه وضع بدائل للفحم، وعدم اليقين الذي يكتنف توفيرهم». وأضاف: «إن الحكومة الآن أكثر تركيزا على التخلص من الضباب الدخاني، ولكن إذا تعثر الاقتصاد، فمن المحتمل أن تركز الحكومة على العودة مرة أخرى إلى النمو الاقتصادي».
وقالت الون يانغ، زميلة بارزة في معهد الموارد العالمية في واشنطن وتعمل في مجال الانبعاثات وسياسة الطاقة في الصين، إن وضع قيود صارمة من المرجح أيضا أن يواجه معارضة من قطاع صناعة الفحم القوي ومن المسؤولين المتحالفين. يذكر أن النمو في استخدام الفحم تباطأ بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، لكن جمعية الفحم الوطنية الصينية أعلنت العام الماضي أنه من المتوقع أن تستهلك البلاد 4.8 مليار طن متري سنويا بحلول عام 2020.
وقالت السيدة يانغ: «إن النقاش الحقيقي يثار حول كيفية إشراك شركات الوقود الأحفوري الكبيرة المملوكة للدولة، وأيضا المحافظات الكبرى التي تعتمد اقتصاداتها اعتمادا كبيرا على هذه الصناعات».
وعلى الجانب الآخر، يرى بعض الاقتصاديين أن اتخاذ جهود جريئة للحد من استهلاك الفحم سيكون نعمة اقتصادية وبيئية على المدى الطويل من خلال تشجيع نمو وسائط جديدة ونظيفة.
ويعتقد بعض الخبراء أن هناك ضغوطا جديدة على الحكومة ناجمة عن ارتفاع وتيرة الغضب الداخلي بسبب الضباب الدخاني. إن حرق الفحم في محطات الطاقة والمراجل والأفران هو المصدر الرئيس للتلوث الدخاني الذي يكسو بكين وغيرها من المدن. كما أن اتخاذ بعض الخطوات الأخرى سيعمل أيضا على خفض انبعاثات الكربون.
«غيرت وضعية تلوث الهواء برمتها النقاش بشكل كبير»، وفقا للسيدة يانغ. وأوضحت أن «هناك حيزا سياسيا أرحب لمناقشة تدابير الرقابة».
وضعت بالفعل اثنتا عشرة مقاطعة ومدينة كبرى، بما فيها بكين وشنغهاي، حدودا ثابتة لاستخدام الفحم أو أهدافا للحد من استهلاكه.
وقالت باربرا فينامور، مديرة قسم آسيا بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، إن التهديد الجديد الأكثر إثارة للقلق في جهود الصين الرامية لخفض انبعاثات الكربون يمكن أن يأتي من محطات تحويل الفحم إلى غاز، التي روج لها المسؤولون باعتبارها وسيلة ترمي إلى الحد من تلوث الهواء بالجزيئات.
يمكن لهذه المحطات أن تغذي مدنا كبيرة بالغاز، مما سيخفض من الطلب على الفحم في تلك المدن، ولكن إنتاج الغاز ستنبعث عنه كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. واقترح تقرير صادر عن منظمة السلام الأخضر بشرق آسيا (غرينبيس) هذا الأسبوع على الحكومات المحلية في الصين إقامة 48 محطة من تلك المحطات، بالإضافة إلى اثنتين تعملان بالفعل.
وأضافت فينامور: «من دون وضع سقف وطني، فهناك خطر حقيقي من أن يؤدي إنتاج الفحم وتلوث الهواء إلى الانتقال إلى أجزاء أخرى من الصين».
ودعت الإدارة الوطنية للطاقة في الصين هذا العام إلى تقديم مقترحات بحثية عن «الحد الأقصى لإجمالي استهلاك الطاقة والفحم لعام 2020، ووضع مسار عملي لتنفيذ ذلك السقف على استهلاك الطاقة والفحم».
واقترحت دراسة حديثة أشرف عليها البروفسور وانغ في الأكاديمية الصينية للعلوم أن الصين تهدف إلى أن يصل أعلى قدر لاستهلاك الفحم في عام 2025 إلى نحو 4.5 مليار طن متري. ولكن يرى بعض الباحثين الصينيين، والأجانب الآخرون، إمكانية الوصول بذروة الاستهلاك إلى مستوى أدنى في وقت أقرب وهو ما يعدونه ضروريا.
وحث هان وينكي، المدير العام لمعهد الدولة لبحوث الطاقة في بكين، في مقالة بحثية، الصين على بدء خفض استهلاك الفحم بحلول عام 2020، قائلا: «إن الاستهلاك الفعلي للفحم هو بالفعل قريب جدا من أربعة مليارات طن، أي عند حدود التحمل للبيئة المحلية».
ويثور جدل مواز حول ما إذا كانت الصين يجب أن تحدد موعدا لبلوغها أعلى ذروة لانبعاثات الكربون، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى ينبغي أن يكون ذلك التاريخ. وضغطت حكومات أخرى على الصين من أجل تحديد موعد حتى يتمكنوا من التنبؤ بالمقدار الذي سترتفع إليه مستويات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
وحتى الآن، تكافح الحكومة الصينية من أجل القيام بذلك لأسباب من بينها الخوف من أن يصبح الموعد النهائي رهينة المطالب الدولية الشاقة. ولكن رئيس مفاوضين محادثات المناخ الصيني، شيه تشن هوا، قال هذا الشهر إن الحكومة قد «تقترح سنة ذروة انبعاثات الكربون» في النصف الأول من عام 2015، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا).
واتفقت الحكومات التي تتفاوض حول إبرام معاهدة جديدة بشأن تغير المناخ، على اقتراح مساهمات وطنية للحد من الانبعاثات بوصفها جزءا من الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق في باريس العام المقبل. وتعثرت جهود سابقة بشكل جزئي لأن الصين والبلدان النامية الكبرى الأخرى رفضت قبول دعوات الدول الغنية تطبيق الأهداف الملزمة للحد من الانبعاثات.
وكانت الصين أكبر دولة في العالم ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري منذ عام 2006 تقريبا عندما تخطت الولايات المتحدة، وتشير معظم الأبحاث إلى أنه من المرجح أن تستمر انبعاثاتها في الارتفاع لمدة لا تقل عن عقد آخر، جراء ارتفاع وتيرة التصنيع، مما سيزيد من الثراء ونمو المدن.
إن مجرد تحديد المدة التي سيظل فيها ارتفاع نسبة الانبعاثات لهو سؤال يختلف بشأنه الخبراء، حتى أولئك المقربون من الحكومة.
وقال بان جيا هوا، خبير في الاحترار العالمي وسياسات الغازات الدفيئة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في بكين، في مقابلة عبر الهاتف: «هناك جدل كبير بهذا الشأن». وأضاف: «أنا شخصيا أكثر تفاؤلا، وأعتقد أن عام 2025 سيكون أعلى ذروة لانبعاثات الكربون، ولكن آخرين يعتقدون أن هذا غير واقعي ويقولون بأن علينا الانتظار حتى عام 2030 أو أبعد من ذلك».
اتفقت الحكومات، في المحادثات الدولية في كوبنهاغن عام 2009، في محاولة للإبقاء على تركيزات الغازات الدفيئة دون المستويات التي من المرجح أن تتسبب في ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 3.6 درجة فهرنهايت، أي أعلى من متوسط ما قبل الصناعة الذي سجل خلال هذا القرن.
وعمليا ليس هناك أي دولة تتصرف بالسرعة الكافية لتصبح على المسار الصحيح نحو تحقيق هذا الهدف. وقال نيكولاس هونه، مدير الطاقة وسياسة المناخ بشركة «إيكوفايز» الاستشارية: «حتى لو مضت الدول المتقدمة إلى الأمام نحو خفض انبعاثات الكربون، يجب أن تصل الصين إلى ذروة استخدامها بحلول عام 2025 تقريبا للإبقاء على أمل تحقيق أهداف كوبنهاغن». وقال هو وآخرون إن الصين يمكن أن تحقق ذلك عام 2025 حسب تقديراتهم، إذا طبقت سياسات الصناعة الصحيحة، والضرائب والاستهلاك.
وقال يانغ فو تشيانغ، باحث سابق في مجال الطاقة بالحكومة الصينية وهو الآن مستشار بارز بمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في بكين: «إذا كان وضع حد أقصى لاستخدام الفحم سيساعدنا على الوصول إلى أعلى مستويات استخدامه بحلول عام 2020، يمكننا الثقة بأن استخدام ثاني أكسيد الكربون سيصل إلى ذروته عام 2025».
ولكن صرح الكثير من الخبراء في المعاهد الصينية الحكومية بأن الوصول إلى الحد الأقصى للاستخدام في وقت مبكر سيكون محفوفا بمخاطر كبيرة من الناحية الاقتصادية، كما أشارت دراستان صينيتان حديثا إلى أن أي محاولة للقيام بذلك قبل عام 2030 لن يكون عمليا.
وقال وانغ الأستاذ بالأكاديمية الصينية للعلوم: «إذا كنا نريد الوصول إلى الحد الأقصى في الوقت الراهن، يمكن للصين أن تفعل ذلك عن طريق وقف النمو الاقتصادي». وأضاف: «لكن الثمن سيكون خروج الناس العاديين إلى الشوارع».
خطة الصين للحد من الاعتماد على الفحم قد تمتد لعام 2025 ليتضاعف استهلاكه
ضغوط داخلية وخارجية على بكين لوضع سقف لاستخدام الوقود الأحفوري
خطة الصين للحد من الاعتماد على الفحم قد تمتد لعام 2025 ليتضاعف استهلاكه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة