الحوثيون.. «حزب الله» اليمن

تمددت حركتهم في مناطق واسعة شمالا.. واقتربت من مناطق حساسة.. وأهدافها تثير جدلا حاميا

الحوثيون.. «حزب الله» اليمن
TT

الحوثيون.. «حزب الله» اليمن

الحوثيون.. «حزب الله» اليمن

تخوض جماعة الحوثي منذ تأسيسها في شمال اليمن وبالتحديد في محافظة صعدة تحت تسمية «الشباب المؤمن» على يد حسين بدر الدين الحوثي، معارك عسكرية وأمنية واسعة النطاق ضد النظام الحاكم في صنعاء، تبدو في ظاهرها من أجل كسب مزيد من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، لكن استمرار هذه الحروب منذ عشر سنوات بشكل متواتر، وحصول الجماعة على أسلحة نوعية ومتطورة، وتمددها في مناطق الشمال، جعلت كثيرا من السياسيين الحكوميين والمراقبين يراجعون مواقفهم وحساباتهم، حول أهداف هذه الجماعة، وما إذا كانت تريد الاستيلاء الكامل على الدولة، أو كسب مزيد من الأراضي لإقامة دولتها، أو فرض قوة عسكرية يمكنها أن تتحكم في القرار السياسي على غرار حزب الله في لبنان، رغم نفي الجماعة لهذه السيناريوهات وتأكيدها أنها حركة مطلبية. وتؤكد كافة المصادر السياسية اليمنية أن الجماعة على ارتباط وثيق مع جمهورية إيران الإسلامية، وكشفت الأجهزة الأمنية أكثر من مرة شحنات أسلحة إيرانية مرسلة للحوثيين عبر البحر.
تخوض جماعة الحوثي منذ تأسيسها في شمال اليمن وبالتحديد في محافظة صعدة تحت تسمية «الشباب المؤمن» على يد حسين بدر الدين الحوثي، معارك عسكرية وأمنية واسعة النطاق ضد النظام الحاكم في صنعاء، تبدو في ظاهرها من أجل كسب مزيد من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، لكن استمرار هذه الحروب منذ عشر سنوات بشكل متواتر، وحصول الجماعة على أسلحة نوعية ومتطورة، وتمددها في مناطق الشمال، جعلت كثيرا من السياسيين الحكوميين والمراقبين يراجعون مواقفهم وحساباتهم، حول أهداف هذه الجماعة، وما إذا كانت تريد الاستيلاء الكامل على الدولة، أو كسب مزيد من الأراضي لإقامة دولتها، أو فرض قوة عسكرية يمكنها أن تتحكم في القرار السياسي على غرار حزب الله في لبنان، رغم نفي الجماعة لهذه السيناريوهات وتأكيدها أنها حركة مطلبية. وتؤكد كافة المصادر السياسية اليمنية أن الجماعة على ارتباط وثيق مع جمهورية إيران الإسلامية، وكشفت الأجهزة الأمنية أكثر من مرة شحنات أسلحة إيرانية مرسلة للحوثيين عبر البحر.
تمددت جماعة الحوثي كثيرا داخل الأراضي اليمنية، وبعد سيطرتها الكاملة على محافظة صعدة، اتجهت المجاميع الحوثية نحو السيطرة على محافظات أخرى، كحجة والمحويت وعمران، وأجزاء كثيرة من محافظة صنعاء، وبات مسلحو الجماعة على مشارف العاصمة، يهددون باجتياحها والاستيلاء عليها، دون أن يقدموا تبريرات مقنعة للشارع اليمني عن أهدافهم.
وتعد الحكومة اليمنية ما قام به الحوثيون من الاستيلاء على المناطق والمحافظة تلو الأخرى، انقلابا على النظام الجمهوري وعلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شاركوا فيه تحت مسمى «أنصار الله». وتعتقد معظم الأطراف السياسية اليمنية أن الحوثيين يسعون إلى أن يكونوا نسخة أخرى لحزب الله اللبناني في اليمن، من حيث الوجود السياسي والعسكري على الساحة اليمنية.
وتؤكد مصادر سياسية وقبلية لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين يحاولون، بل ويعملون، على وضع نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني أمام الأمر الواقع ومن ثم التفاوض من أجل الإبقاء على سيطرتهم على المناطق التي بأيديهم وإلغاء خصومهم السياسيين من الخارطة السياسية في اليمن.
وعن طبيعة أهداف الحوثيين المتمردين يقول راجح بادي، الناطق باسم حكومة الوفاق الوطني، إن «الرئيس عبد ربه منصور هادي، كان واضحا بشأن تحركات الحوثيين، وخاصة في عمران، عندما قال إن ما يقوم به المتمردون هو انقلاب على مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي أجمع عليه اليمنيون، وهذا يعني أن هناك استهدافا واضحا وصريحا لهذه المخرجات التي تضمنت تأسيس دولة مدنية ونزع الأسلحة الثقيلة من كل القوى والجماعات التي تمتلك السلاح الثقيل»، وأضاف «ما شهدته محافظة عمران وغيرها من المناطق المجاورة وراءه أهداف سياسية من دون شك يجري تنفيذها أو الوصول إليها عن طريق القوة، بعد أن فشلوا في الحصول عليها بالطرق السلمية.. فلجأوا إلى التصعيد العنيف في محافظة عمران وغيرها عبر استهداف الدولة اليمنية وأجهزتها كاملة».
وحول الدعم الذي تتلقاه الجماعة الحوثية من بعض القوى الإقليمية، يقول بادي إن «الرئيس هادي والحكومة تحدثا عن جهات تدعم هذه الجماعة من أجل تحقيق أهدافها». وتحفظ المسؤول اليمني عن ذكر الجهة مباشرة، رغم أن الكثير من الجهات الرسمية توجه أصابع الاتهام إلى إيران صراحة.
وترى المحللة السياسية اليمنية، فيروز ميهوب أن «ما يجري في اليمن هو تمدد حوثي، شيعي، من أجل خلق معادلة وموازين للقوى في المنطقة».
وترى ميهوب أن الحوثيين منقسمون إلى قسمين، «قسم يرفع مطالب سياسية وقسم آخر هو الأبرز يرفع راية التمرد، ولديهم أهداف محددة ومطالب ويعرفون كيف يصلون إلى تحقيق تلك الأهداف وهو ما نراه اليوم».
وتشير ميهوب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «جماعة الحوثي في محافظة صعدة والحروب التي تخوضها، هدفها محاربة الجماعات السلفية، وأن ما يحدث الآن هو عبارة عن إبادة للإخوان المسلمين (الذين يمثلهم حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي)»، وأضافت «التحالف القائم بين جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح هو من أجل القضاء على الإخوان المسلمين».
وحول قوة الحوثيين العسكرية، يرى الخبير والمحلل العسكري العميد متقاعد محسن خصروف أن قوة الحوثيين العسكرية لا يمكن أن تضاهي قوة القوات المسلحة وقوات الأمن اليمنية على الإطلاق «لأنهم ميليشيات مسلحة ويظلون كذلك»، كما يرى أن تمددهم في الوقت الراهن، هو «رد فعل لتمدد سلفي موجود في اليمن منذ بداية السبعينات، منذ أن جرى إنشاء دار الحديث في محافظة صعدة في عقر دار الزيدية وأيضا أنشأت مدارس سلفية في ذمار التي تسمى كرسي الزيدية، وهذه الأعمال استفزت مشاعر أناس كثيرين واستغلت سياسيا لفترة من الفترات ووظفها الصراع الإقليمي في المنطقة، وبدأت تحقق أهدافها البعيدة التي كانت مرجوة منها، فحينما أنشئ معهد دماج لم يكن الهدف منه إيجاد طائفة سلفية بل كانت هي البذرة لإيجاد فتنة طائفية في اليمن».
ويشير الخبير العسكري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الصراع الإقليمي انتقل إلى اليمن وإلى أن «إيران لديها ضلع في وجود الحوثيين وفي دعمهم ماديا وعسكريا ليست لدي معلومات مؤكدة واليمن لن يتعافى من الصراع المذهبي إلا إذا رفعت دول إقليمية يدها عما يجري في اليمن، لأن اليمنيين أصلا، ليست لديهم صراعات مذهبية ولا يؤمنون بالصراعات المذهبية وهم متعايشون على مدى مئات السنين من دون صراعات، لا يوجد شيء اسمه صراع زيدي أو شافعي أو سني أو شيعي متحابون ومتعايشون ولا أحد يسأل عن مذهب الآخر عندما يدخل إلى الجامع، لكن الآن بدأت هذه الحساسيات وهذه الطروحات».
وخلفت الحرب التي دارت في عمران دمارا هائلا وشردت عشرات الآلاف من السكان، وتسرد «الشرق الأوسط» قصصا واقعية ومأساوية من عمران، حيث لم يستطع شوعي جعوان، تمالك نفسه، وهو يشاهد منزله مدمرا في قريته التي كانت مسرحا للمعارك العنيفة بين الجيش وجماعة الحوثيين التي تمركزت داخل قرية بني ميمون، التابعة لمحافظة عمران شمال البلاد، والتي سيطر عليها الحوثيون مؤخرا.
يقول شوعي، وهو مدني يمتهن الزراعة ولديه أربع بنات وولد، لـ«الشرق الأوسط»: «تعرض منزلي للدمار بقذائف المعارك التي أحرقت كل ما داخل المنزل، ودمرت كل شيء». ويتابع «أصبنا بصدمة بعد عودتنا إلى القرية، ومشاهدتنا لمنازلنا المهدمة، ولا نعرف إلى أين نذهب الآن». لقد كان المدنيون في محافظة عمران هم ضحايا المعارك التي استمرت لأكثر من شهرين، حيث نزح أكثر من 35 ألف مدني، هربا من جحيم الحرب، إلى مناطق آمنة، وكان أغلبهم أطفالا ونساء ومن كبار السن، وفي جولة استطلاعية لـ«الشرق الأوسط»، داخل قرية بني ميمون (35) كلم شمال صنعاء، وجدنا الخراب والدمار يحيط بمعظم المنازل، والحقول، وهو ما يشير إلى ضراوة المعارك فيها، بعد أن تمكن الحوثيون من التمركز فيها وطرد سكانها، في بداية حرب عمران، وخاضوا مواجهات مسلحة للسيطرة على جبل ضين الذي يقابل القرية، ويعد من أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية التي تطل على العاصمة صنعاء من جهة الشمال، وتشرف على مطار صنعاء الدولي، ولم يتمكن الحوثيون من السيطرة عليه بعد وصول مئات المقاتلين لمساندة الجيش في الجبل وفك الحصار عنه.
نزح سكان القرية إلى مناطق آمنة، ولم يتمكنوا من أخذ حاجياتهم المعيشية بسبب شدة المعارك، وهو ما أجبرهم على استخدام المدارس ومزارع دواجن، كمخيمات نزوح، إضافة إلى مساعدة سكان بعض القرى القريبة منهم وفتح عدد من المنازل لهم. فأغلب سكان قرية بني ميمون فقراء ويعتمدون على الزراعة في معيشتهم.
تقول السيدة حُسن حسين الميموني، إنها ناشدت أكثر من مرة الدولة النظر إلى أوضاعهم، والقيام بواجبها في تأمين حياتها مع أسرتها التي تتكون من خمسة أطفال، لكن دون جدوى. وتضيف: «خرجنا من بيوتنا هربا من الرصاص والدبابات، ونزحنا إلى منطقة بعيدة من قريتنا بعد أن فتح أحد فاعلي الخير لنا إحدى المدارس للسكن فيها». وتضيف «كنا أكثر من 20 أسرة داخل المدرسة، ولم نستطع أن نأخذ معنا أي أثاث أو فراش».
من جانبها ترى عائشة أحمد الميموني أن ما أصاب قريتها فاجعة بكل المقاييس، «لم يسلم أي منزل من قذائف الحرب، فالمنازل مهدمة والمدارس مخربة وأغلب سكان القرية فقراء ولن يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم إلا بعد سنوات».
بحسب سكان محليين في القرية، فقد قتل من المدنيين بسبب المعارك ستة أشخاص، بينهم امرأة وطفل، فيما كان الكثير من المدنيين ينجون من الموت بأعجوبة، بعد أن خاطروا بحياتهم للنزوح أثناء اشتداد المعارك وعدم وجود ممر آمن للمدنيين. فنبيل ناصر الفقيه، تعرض للقنص أكثر من مرة، كان آخرها قبيل توقف المعارك بأيام بعد أن قرر الخروج من القرية، وتعرض لرصاص قناص في رأسه، أثناء مروره وسط القرية، لكنه تمكن من إسعاف نفسه، ومواصلة طريقه بعد أن ربط على جرحه، ووصل إلى قرية بعيدة من منطقة المعارك ليتم إسعافه إلى صنعاء من قبل سكان القرية.
أما عبد القادر صالح الخدري، فيقول إنه بقي في القرية، طيلة أسابيع المعارك، وكان يشاهد القصف كل يوم، موضحا أن المعارك كانت لا تستثني مدنيا أو منزلا، ويقول «استخدمت الأطراف المتحاربة جميع أنواع الأسلحة الثقيلة، من دبابات ومدافع ورشاشات، وكان يسقط عشرات المسلحين من جماعة الحوثي بين قتيل وجريح».
إثناء التجوال داخل القرية كانت الخنادق والمتاريس التي أقامها الحوثيون تمتد بجوار المنازل والمدارس ومساجد القرية، إضافة إلى زرع العشرات من الألغام المحلية الصنع التي نزعوها بعد توقف المعارك.
ينتقد سكان القرية دور الحكومة والمنظمات الإنسانية التي لم تقدم لهم أي مساعدات طيلة أيام المواجهات المسلحة، ولم يحصلوا على مساعدات إلا قبل أيام من منظمات دولية كالصليب الأحمر ومن حملة تطوعية لشباب القرية. أغلب نازحي القرية تمكنوا من الخروج إلى مناطق قريبة من قريتهم، مثل «مدينة الأهجر - قرية حاز - قرية بيت غفر - قرية المنقب - العاصمة صنعاء».
وتبرر المنظمات الإنسانية تجاهلها للنازحين، بسبب الوضع الأمني المتدهور وخطورة الطرق المؤدية إلى مناطق النزوح، ما دعا شباب من القرية إلى تبني حملة تطوعية لإغاثة النازحين، حيث تمكنت من الوصول إلى أكثر من 300 أسرة نازحة من إجمالي 800 أسرة تقريبا أغلبهم من الأطفال والنساء، كما يقول محمد أحمد حاتم. ويضيف حاتم «لقد تمكنت حملتنا من تنفيذ ثلاث مراحل لتقديم دعم للنازحين، ونجحنا في التواصل مع منظمات دولية ومحلية لتقديم المساعدات، لكنها لا تفي بالمطلوب».
وبعد معارك عمران العنيفة، بات سكان العاصمة اليمنية صنعاء يخشون بل ويتوقعون محاولة المتمردين الحوثيين اجتياح العاصمة صنعاء، لكن مصدرا قبليا أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين، في الوقت الراهن، «سيخوضون معركتهم الأخيرة للحصول، بشكل كامل، على محافظة الجوف التي فقدوا أهم المواقع التي كانوا يسيطرون عليها هناك في معارك مع الجيش اليمني ولن يغامروا بالدخول إلى صنعاء لأنهم، حتى اللحظة، غير قادرين على تبرير اجتياحهم لمحافظة عمران والسيطرة الكاملة عليها».
وتخشى الكثير من الأوساط اليمنية من معارك وصراعات المستقبل في اليمن والتي اتضحت معالمها مؤخرا بإعلان الحوثيين أن عدوهم الأول هو «الإخوان المسلمون»، غير أن بعض المحللين السياسيين يعتقدون أن «الغاية الكبرى لدى جماعة التمرد الحوثي هي السيطرة والإمساك بالحكم، لأنهم، في الوقت الراهن باتوا دولة داخل الدولة اليمنية»، بحسب المراقبين.

* حروب الحوثيين في اليمن خلال عشر سنوات
* الحرب الأولى:
* حسب ما هو موثق لدى مصادر متطابقة، فقد اندلعت الحرب الأولى بين الحوثيين والدولة 18 يونيو (حزيران) 2004، حينما اشتعل فتيل المعارك بين الجيش اليمني وأنصار حسين بدر الدين الحوثي بعد اتهام الحكومة له بإنشاء تنظيم مسلح على غرار حزب الله اللبناني.. واستعمال المساجد لبث خطابات معادية للولايات المتحدة والتحريض على الإرهاب. وقتل حسين الحوثي في العاشر من سبتمبر (أيلول) وتولى أخوه عبد الملك قيادة الجماعة من حينها.
* الحرب الثانية:
* اندلعت في مارس (آذار) 2005، واستمرت حتى مايو (أيار) من العام نفسه، وقتل خلال هذه الفترة 200 شخص في معارك بين الجيش اليمني والحوثيين، قبل أن يعرض الرئيس السابق علي عبد الله صالح عفوا رئاسيا على المتمردين شريطة أن يسلموا أنفسهم ويوقفوا إطلاق النار، ورفض الحوثيون العرض الرئاسي، واستمرت المناوشات بين الطرفين وأصدرت الحكومة اليمنية بيانا يلوم فيه المتمردين على مقتل 522 مدنيا وجرح 2.708 آخرين وخسائر اقتصادية تقدر بـ270 مليون دولار.
* الحرب الثالثة:
* اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، واستمرت حتى يناير (كانون الثاني) 2006، واشتبكت قوات قبلية من قبيلة وادعة الهمدانية المؤيدة لعلي عبد الله صالح تابعة للشيخ عبد الله العوجري مع قوات مؤيدة لعبد الملك الحوثي وتوقف الاقتتال قبل الانتخابات الرئاسية وأطلقت الحكومة اليمنية سراح معتقلين من سجونها.
* الحرب الرابعة:
* اندلعت في يناير2007، واستمرت حتى يونيو من العام نفسه، واشتبكت في حينها عناصر من الحوثيين بالقوات اليمنية وقتلت ستة جنود وجرح خلال الغارة 20 آخرون، ووقع اشتباك آخر خلف عشرة قتلى و20 جريحا عند مهاجمة نقطة تفتيش قرب الحدود السعودية وردت الحكومة بقتل ثلاثة من المتمردين حسب تصريح رسمي لمسؤول عسكري في ذاك الوقت. كما شنت القوات اليمنية حملة على صعدة قتل خلالها 160 من الحوثيين حسب المصادر الحكومية وقتل خلال الهجوم مدني يمني وفرنسي وجرح فرنسي آخر.
وفي 16 يونيو جرى الاتفاق على هدنة وقبل عبد الملك الحوثي شروطها ومنها اللجوء السياسي إلى قطر مقابل الإفراج عن مساجين حوثيين في السجون اليمنية.
* الحرب الخامسة:
* اندلعت في مارس 2008 وتوقفت أياما قبل أن تعود المواجهات بين الجيش والحوثيين في 29 أبريل (نيسان) عندما قتل سبعة جنود في كمين نصبه المتمردون، وانفجرت قنبلة في الثاني من مايو بعد صلاة الجمعة خارج مسجد بن سلمان في صعدة وقتل في الحادث، 15 شخصا وجرح 55. واتهمت الحكومة الحوثيين بالوقوف وراء الحادث فيما نفى الحوثيون التهم عنهم. وفي مايو قتل 13 جنديا و26 من المتمردين في اقتتال في صعدة. توقفت الاشتباكات في 17 يوليو (تموز) عام 2008، عندما أعلن علي عبد الله صالح وقف إطلاق النار في الوقت الذي وصل فيه عدد المعتقلين في أغسطس (آب) من العام نفسه إلى 1200 معتقل دون محاكمات.
* الحرب السادسة:
* اندلعت في أغسطس 2009، واستمرت حتى فبراير (شباط) 2010، عندما شنت القوات اليمنية حملة عسكرية عرفت باسم عملية الأرض المحروقة في 11 أغسطس 2009. وفي 12 سبتمبر، قتل أكثر من 80 مدنيا نازحا في هجوم شنته القوات اليمنية وأنكرت الحكومة اليمنية أن القتلى مدنيون، وقالت إنه كان مخيما للحوثيين وخط إمدادات. وفي 25 يناير 2010، أعلن الحوثي وقف القتال وانسحابه من 46 موقعا حدوديا لكن المعارك استمرت بين الحوثيين والجيش اليمني بشكل متقطع إلى أن توقفت في 12 فبراير.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.