النمسا.. ماء عذب وواحات تسر الناظرين

فيها أكبر كهف ثلجي وأعلى شلال في أوروبا

مشهد مطل على بحيرة وولف غانغسي
مشهد مطل على بحيرة وولف غانغسي
TT

النمسا.. ماء عذب وواحات تسر الناظرين

مشهد مطل على بحيرة وولف غانغسي
مشهد مطل على بحيرة وولف غانغسي

تزخر النمسا بكثير من مصادر المياه العذبة، إذ تضم في ربوعها ما يربو على 5000 بحيرة تُعرف بأنها تحوي أعذب المياه الصالحة للشرب في العالم. وتجذب البحيرات في فصل الصيف عدداً لا يحصى من سكان النمسا وزوارها على السواء. كما تغص النمسا بكثير من الأنهار الجليدية، وتضم أيضا أكبر كهف ثلجي في العالم وأعلى شلالات في أوروبا. ويمكن للزوار رؤية كثير من تلك العوالم المدهشة للبحيرات والمياه العذبة المذهلة والأسرة في مواقع عدة من البلاد، ويتم ذلك غالباً عبر الإبحار على متن أحد القوارب في رحلة لاستكشاف إحدى هذه البحيرات، أو من خلال التوجه إلى المناطق التي تغص بالشلالات، أو التمتع برؤية المياه المتجمدة في أحد الأنهار الجليدية المنتشرة في أنحاء البلاد.
وأصبحت قرية «زولدن»، التي يبلغ ارتفاعها 1377 متراً فوق مستوى سطح البحر، مكاناً معروفاً ضمن مشهد الرياضة الشتوية الدولي. وتشكل القرية خلال فصل الصيف أيضا مكاناً مثالياً لقضاء العطلات المثيرة، حيث يوجد نحو 300 كيلومتر من الطرق المزودة بلوحات إرشادية يُعول عليها السياح عادةً في رحلاتهم المختلفة لاستكشاف هذه القرية الآسرة. وهناك أيضا أكثر من 16 مطعماً، وما يربو على 30 كوخاً جبلياً تقدم جميعها أفضل أنواع المأكولات النموذجية التي تُعرف بها تيرول. في حين تغص الجبال المحيطة بالقرية بأكبر منطقة أنهار جليدية ضمن جبال الألب الشرقية بأسرها. وتتمثل أعلى القمم هنا في: قمة «فيلد شبيتسه» (3772 متراً) وجبل «فايس كوغل» (3739 متراً)، والذي يُصنف في الوقت نفسه من بين أعلى قمم الجبال في النمسا.
وتشتهر قرية «كيتسبوهل» بنمط الحياة البسيط والمناظر البانورامية المذهلة لجبالها. كما تشتهر القرية في فصل الصيف ببحيرة «شفارتس زي» الرائعة، والتي تعتبر واحدة من أجمل البحيرات في جبال الألب، حيث يحب الزوار والسكان المحليون التنزه والتمتع بالمناظر حول شواطئ البحيرة أو القيام برحلة بالقارب أو الغوص في مياه البحيرة المنعشة والهادئة والمجددة للشباب. ويمكنهم أيضا الاسترخاء في أحد الكهوف المجاورة للبحيرة، والتمتع بالمناظر الساحرة لجبال الألب وراءهم. ومن السهل الوصول إلى قرية «كيتسبوهل»، حيث تقع على مقربة من إنسبروك وسالزبورغ، وتبعد بمقدار ساعة ونصف فقط عن مدينة ميونيخ.
ولاكتشاف عالم من السحر ما على الزوار سوى التوجه إلى بحيرة «فولفجانج زي» التي تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً، وتحيط بها جبال «سالزكامرغوت» من كل جوانبها تقريباً. وعلى الجهة الشمالية يقع جبل «شافبيرج»، حيث تأخذك سكة حديدية مسننّة لأعلى قمته ليجد الضيوف أنفسهم عند ارتفاع 1.782م.
وتبدو المنطقة الساحرة التي تحيط ببحيرة «فولفجانج زي» قريبة جداً عند قيامك برحلة بالقارب عبر البحيرة، حيث ستمر بمواقع عدة جديرة بالاهتمام لعل أبرزها: قرية القديس «غيلغن» الريفية، المنزل الذي ولدت فيه والدة الموسيقي الشهير موزارت، «سانت فولفجانج» وتلفريك جبل «شافبيرج» والذي يصعد إلى جبل «شافبيرج»، ويوفر هذا الأخير إطلالة ساحرة على بحيرات المناظر الطبيعية المحيطة بجبال «سالزكامرغوت». وهناك خيارات عدة للتنقل هنا، إذ يوجد في المكان خمسة قوارب لتختار منها، أحدها قارب يتميز بطرازه القديم الذي يحمل في تفاصيله عبق الماضي الجميل. ولكن سحر البحيرات والطبيعة في النمسا لا ينتهي هنا! فعند التوجه إلى بحيرة «تسيل أم زي» ستجد نفسك أمام أكثر البحيرات سحراً في العالم. تقع بحيرة «تسيل أم زي» في ذلك الوادي الرائع الذي يفصل بين قمة جبل «جروسجلوكنر»، وهو الأعلى في النمسا، وجبل «كيتسشتاينهورن» المغطى بالثلج. فقد أصبح وادي «تسيل أم زي» القابع في جبال الألب منتجعاً صحياً منذ عام 1961. وتعد بحيرة «تسيل» خزاناً طبيعياً للمياه، إذ تتسع لما يربو على 175 مليون متر مكعب من الماء، وتزود المدينة بأنقى مياه الشرب. كما يشكل سطح البحيرة أيضا مكاناً مثالياً لممارسة مختلف الرياضات المائية خلال فصل الصيف والرياضات الجليدية في الشتاء.
وتدعوك البحيرة التي تبلغ مساحتها 4.7 كيلومتر مربع للقيام بنزهة ممتعة على متن قارب مهيب. ويوجد أربع عَبّارات بخارية مختلفة وممتعة تُبحر عبر بحيرة «تسيل».
وسوف تأخذك الرحلة على متن عبارة «إم إس شميتنهوه» على سبيل المثال إلى شواطئ «زونهوف» و«تومرسباخ»، وكذلك تتوفر خدمة تقديم مختلف أنواع الطعام على متن العبّارة.
كما يكتنف السحر نهر الدانوب من كل جانب، حيث يُعد الوجهة المثلى للسباحة ومختلف الرياضات المائية. وينقسم هذا النهر الرائع إلى ثلاثة أقسام: الدانوب الرئيس والدانوب القديم والدانوب الجديد. فالدانوب الرئيس، هو حيث تُبحر سفن الرحلات النهرية. أما الدانوب القديم، فهو محاط بالحدائق والمتنزهات والمطاعم ذات التراسات المطلة على المياه والمتنزهات ذات ممرات المشاة والدراجات الهوائية. في حين ينفصل الدانوب الجديد عن الدانوب الرئيس بواسطة جزيرة من صنع الإنسان يبلغ طولها 21 كيلومترا، وتعد بحق جنة استجمامية حقيقية، إذ تزخر بكثير من الشواطئ، فضلا عن ما قدره 180 هكتارا من المساحات الخضراء الساحرة وكثير من البارات والمطاعم والمقاهي. تستضيف هذه الجزيرة كل عام أكبر حفلة في الهواء الطلق في أوروبا، والتي تتمثل في مهرجان جزيرة الدانوب المجاني، الذي يستقطب ثلاثة ملايين زائر على مدى ثلاثة أيام.

* هل تعلم؟
* تحولت قرية «زولدن» (Solden)، التي يبلغ ارتفاعها 1377 متراً فوق مستوى سطح البحر، إلى مكان معروف ضمن مشهد الرياضة الشتوية الدولي.
* تشتهر قرية «كيتسبوهل» (Kitzbühel) بنمط الحياة البسيط والمناظر البانورامية المذهلة لجبالها. كما تشتهر القرية في فصل الصيف ببحيرة «شفارتس زي» (Schwarzsee) الرائعة، والتي تعتبر واحدة من أجمل البحيرات في جبال الألب.
* تبلغ مساحة بحيرة «فولفجانج زي»Wolfgangsee) 13كيلومتراً مربعاً، وتحيط بها جبال «سالزكامرغوت» (Salzkammergut) من كل جوانبها تقريباً.
* عبر بحيرة «تسيل» (Zell) سوف تأخذك الرحلة على متن عبارة «إم إس شميتنهوه» (MS SchmittenhOhe) على سبيل المثال إلى شواطئ «زونهوف» (Sonnhof) و«تومرسباخ» (Thumersbach)، وكذلك تتوفر خدمة تقديم مختلف أنواع الطعام على متن العبارة.
* تستضيف جزيرة نهر الدانوب كل عام أكبر حفلة في الهواء الطلق في أوروبا، والتي تتمثل في مهرجان جزيرة الدانوب المجاني، حيث يحضر هذا المهرجان ثلاثة ملايين زائر على مدى ثلاثة أيام.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».