إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان و«المقاومة السنية البديلة» على إسرائيل

الأجهزة الأمنية تشدد قبضتها.. والخارجية تعتزم الشكوى لمجلس الأمن

إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان  و«المقاومة السنية البديلة» على إسرائيل
TT
20

إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان و«المقاومة السنية البديلة» على إسرائيل

إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان  و«المقاومة السنية البديلة» على إسرائيل

عزز لبنان الرسمي، أمس، إجراءاته الأمنية في المنطقة الجنوبية الحدودية مع إسرائيل، بمواكبة سياسية ودبلوماسية، تسير على خطين متوازيين، يتمثلان في رفض استخدام لبنان منصة للرد على ما يجري في غزة، كما قال وزير الخارجية جبران باسيل، تزامنا مع التحضير لتقديم شكوى دبلوماسية إلى الأمم المتحدة ضد إسرائيل.
لكن الرفض اللبناني لعمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان، والإجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش اللبناني وقوات «يونيفيل»، لم يمنع تجدد إطلاقها للمرة الرابعة على التوالي، مما يحمل عدة رسائل، بينها «الإعلان عن وجود عمل مقاوم رديف لفصائل المقاومة المعروفة في لبنان»، كما قال النائب عن جنوب لبنان في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قبل يومين، فضلا عن رسائل التأييد لحركة حماس في غزة، و«نصرة أطفال غزة»، كما قالت قوى إسلامية لـ«الشرق الأوسط».
وفي حين يجمع لبنان الرسمي على رفض إطلاق الصواريخ، قصفت إسرائيل موقعا لإطلاق الصواريخ في جنوب لبنان ليل الاثنين الماضي، مما دفع سكان المنطقة للفرار، وذلك انتقاما لإطلاق صاروخ واحد على الأقل من الموقع على شمال إسرائيل، في حادثة هي الرابعة على مدى أربعة أيام متتالية.
وأعلن الجيش اللبناني، أمس، أن مجهولين «أقدموا على إطلاق صاروخين من جنوب مدينة صور باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة».
وكثف الجيش اللبناني دورياته البرية وعلى الشواطئ مدعوما بقوات غير اعتيادية من «يونيفيل»، التي قامت بمسح جوي، بواسطة طوافات ومروحيات، بينما كانت تجوب الزوارق التابعة لـ«يونيفيل»، في البحر قبالة الشاطئ، حسبما أفادت به «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية في لبنان.
وأكد وزير الخارجية اللبناني أن لبنان سيتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد إسرائيل، بعد ورود كل المعطيات لاكتمال الملف. وشدد على أننا «لن نسمح بجر لبنان إلى دهاليز من الظلامية والحروب من دون طائل، وأن لبنان عنده ما يكفي من القوة لردع إسرائيل عن قيامها باعتداءات عليه».
وإذ رأى أن «هناك من يحاول استعمال أرض لبنان منصة للرد على إسرائيل وعلى ما يجري في غزة»، أكد أن هذه «ليست سياسة الدولة، لذلك هي تتخذ الإجراءات الأمنية اللازمة بهذا الخصوص».
وإذ عد مطلقي الصواريخ «عناصر متفلتة»، قال: «بالوقت نفسه، هذا لا يعني أن تعتدي إسرائيل على لبنان، ومن هنا باب الشكوى».
لكن قوى إسلامية لا ترى في إطلاق الصواريخ مضرة على لبنان، ويؤيدونها، كونها «تناصر القضية الفلسطينية». ونفى الداعية الإسلامي الشيخ نبيل رحيم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون إطلاق الصواريخ يحمل رسالة سياسية بأن «مقاومة بديلة تنشأ في لبنان»، قائلا إن العلماء المسلمين «يؤيدون أي فعل يصب في مواجهة العدوان دون أن يترتب عليه ضرر وطني أكبر».
واستند رحيم في قراءته إلى أنه «في الحسابات الدولية، لن تتوغل القوات الإسرائيلية في لبنان، كما لن توسع دائرة القصف الإسرائيلي أكثر مما نفذته».
وعليه، أكد أن إطلاق الصواريخ على مدى أربعة أيام باتجاه شمال إسرائيل «يحمل رسالة التأييد للمقاومة في غزة، ونصرة للشعب الفلسطيني».
وكانت السلطات اللبنانية يوم الجمعة الماضي اعتقلت رجلا يُشتبه بأنه وراء إحدى الهجمات الصاروخية، ليتبين فيما بعد أنه عنصر في الجماعة الإسلامية يدعى الشيخ حسين عطوي، وهو دكتور محاضر في الشريعة، وأصيب أثناء إطلاقه لصاروخ باتجاه إسرائيل.
وأكد رئيس المكتب السياسي في «الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي لـ«الشرق الأوسط» أن «أي مواجهة مع إسرائيل نحن نؤيدها، لكن ما قام به الشيخ عطوي لم يكن صادرا عن قرار تنظيمي في الجماعة بإطلاق الصواريخ، رغم أننا نصنف هذا الفعل في إطار المقاومة».
وشدد على أن العملية «كانت تعبيرا شخصيا عن ردة فعل على ما يجري في غزة، نظرا لأن الشيخ يحمل تجاه هذا العدو مكنونات كثيرة»، مشيرا إلى أن الجماعة «تصنف هذا الفعل في إطار المقاومة»، برغم تأكيده أنه ليس قرارا تنظيميا من الجماعة.
غير أن عملية مشابهة، دفعت إلى الاعتقاد بأن هناك طرفا آخر يريد أن يوجه رسالة بأن المقاومة في لبنان ليست حكرا على «حزب الله»، الذي يعد أبرز الفصائل المقاومة ضد إسرائيل، ويكتفي حاليا بإدانة «العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين»، من غير أن يتطور إلى مؤازرة عملية وعسكرية.
ولم ينفِ الأيوبي أن إطلاق الصواريخ «وجه رسالة بأن الفصائل المقاومة السنية أيضا موجودة في لبنان، وأن المقاومة ليست حكرا على أحد».



غموض يكتنف خطة إعمار غزة مع عودة الضربات الإسرائيلية

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
TT
20

غموض يكتنف خطة إعمار غزة مع عودة الضربات الإسرائيلية

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)

أثار استئناف إسرائيل للضربات العسكرية على قطاع غزة، الثلاثاء، تساؤلات بشأن مصير المشاورات الرامية لحشد الدعم الدولي المالي والسياسي للخطة العربية - الإسلامية لإعادة إعمار غزة.

وبينما أكد مراقبون وخبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن تنفيذ خطة إعادة الإعمار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، معولين على جهود الوسطاء في مصر وقطر للدفع نحو وقف الحرب، أشاروا إلى أن «محاولات الترويج للخطة ستستمر رغم الضربات الإسرائيلية، ورغم عدم وجود إشارات واضحة من تل أبيب وواشنطن لدعم إعادة الإعمار».

وشنّت إسرائيل ضربات جوية جديدة في أنحاء قطاع غزة، متعهدة بـ«تصعيد القوة العسكرية» بعد تعثر المحادثات مع حركة «حماس» بشأن الإفراج عن مزيد من الرهائن.

قوة عسكرية إسرائيلية عند حدود قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)
قوة عسكرية إسرائيلية عند حدود قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)

وأدانت مصر بـ«أشد العبارات» الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة، رافضة في إفادة رسمية لوزارة الخارجية الثلاثاء، «العمل على إفشال الجهود الهادفة للتهدئة واستعادة الاستقرار». ودعت الأطراف إلى «ضبط النفس وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودها للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار».

وفي اتصال هاتفي، الثلاثاء، شدّد الرئيس المصري وأمير الكويت على «ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته للدفع تجاه الوقف الفوري لإطلاق النار، وتنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يعد الضمان الوحيد للتوصل للسلام الدائم بالشرق الأوسط».

ويرى عضو مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري)، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن الاتصالات بشأن الترويج للخطة العربية لإعادة الإعمار مستمرة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدء الحرب كانت هناك تناقضات مستمرة تؤدي للعنف، لكن ذلك لم يمنع من اعتماد مسارات المفاوضات والوساطة للتهدئة».

وأضاف: «خطة إعادة الإعمار هي مشروع حي لإنقاذ غزة وتحقيق السلام، كونها تتضمن رؤية أعم وأوسع للسلام بشكل عام»، مشيراً إلى الاتصالات التي أجرتها وزارة الخارجية المصرية أخيراً في هذا الصدد.

فلسطينيون ينزحون من منازلهم بعدما أمرت إسرائيل بإخلاء عدد من الضواحي في قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من منازلهم بعدما أمرت إسرائيل بإخلاء عدد من الضواحي في قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)

ويتفق معه عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد حجازي، مؤكداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتصالات مستمرة لحشد الدعم لإعادة الإعمار»، موضحاً أن «خطة إعادة الإعمار كانت متسقة مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تنصلت منه إسرائيل، لكن هذا لن يحول دون استمرار الجهود المصرية والعربية لوقف الحرب وبدء إعادة الإعمار»، معولاً على الضغوط الدولية لإنقاذ المنطقة من مزيد من التصعيد.

وقبيل استئناف الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، كثّفت مصر من تحركاتها، بهدف حشد وتعبئة الدعم السياسي والمادي للخطة العربية - الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.

وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، سلسلة اتصالات هاتفية مع نظرائه بالدول الأعضاء باللجنة الوزارية العربية الإسلامية، شملت السعودية والإمارات والأردن وقطر وفلسطين وتركيا ونيجيريا وإندونيسيا، بشأن تنفيذ مخرجات قمة القاهرة الطارئة وخطة إعادة إعمار غزة. كما استضافت الخارجية المصرية، الاثنين، اجتماعاً مع أكثر من 100 سفير أجنبي وممثلي سفارات ومنظمات دولية، حول إعادة تأهيل القطاع الصحي بقطاع غزة، حيث تم تقديم عرض مرئي حول خطة إعادة إعمار قطاع غزة.

وخلال الاجتماع، أشار عبد العاطي إلى وجود متطلبات أساسية لنجاح الخطة، من بينها تثبيت وقف إطلاق النار في غزة. وشدّد وزير الخارجية على أن خطة إعادة إعمار غزة حصلت على تأييد إقليمي ودولي واسع، وأن مصر تعمل حالياً على ترتيب استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة في القاهرة لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة.

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)

وعدّ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، إسرائيل «أحد المعوقات الرئيسية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار»، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار، لكنها على النقيض منحت تل أبيب ضوءاً أخضر لاستئناف الحرب».

وقال الرقب: «حتى الآن لا توجد إجراءات أو خطوات من جانب واشنطن تشير إلى رغبتها في إنجاح خطة إعادة إعمار غزة»، مشيراً إلى أن «إعادة الإعمار تتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، وهي ما لم يتحقق حتى الآن». وأضاف: «من غير الواضح ما إذا كان الوسطاء سيتمكنون من إقناع إسرائيل وواشنطن بالانتقال إلى المرحلة الثانية».

بدوره، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أنه منذ اليوم الأول لاعتماد الدول العربية وبعدها الإسلامية خطة إعادة الإعمار، «بدا أن إسرائيل مصرة على عدم تنفيذها، وظهر ذلك من خلال عرقلة المفاوضات حول المرحلة الثانية، والتمسك بمقترح أميركي لتمديد المرحلة الأولى».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن تنفيذ إعادة الإعمار دون وقف كامل لإطلاق النار»، معولاً على إمكانات الوسطاء لبذل مزيد من الجهد للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بمساعدة أميركية، مشيراً إلى أن استئناف الضربات على قطاع غزة من شأنه تنفيذ خطة التهجير التي رفضتها مصر والدول العربية.

وكانت الإدارة الأميركية أرسلت إشارات متضاربة بشأن موقفها من خطة إعادة الإعمار، فبينما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، في وقت سابق هذا الشهر، إن الاتفاق المقترح «لا يلبي الشروط ولا طبيعة ما يطالب به ترمب»، مضيفة أنها «ليست على قدر التوقعات». أشاد مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بجهود مصر. من دون أن يؤيد تفاصيل الخطة، وقال: «نحتاج إلى مزيد من النقاش بشأنها، لكنها تشكل خطوة أولى لحسن النية من جانب المصريين».

يذكر أن خطة إعادة الإعمار تتضمن تشكيل لجنة لتتولى إدارة شؤون قطاع غزة في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، على أن تكون مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية «تكنوقراط» تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. ووفق الخطة، سيتم توفير سكن مؤقت للنازحين في غزة خلال عملية إعادة الإعمار، ومناطق داخل القطاع في 7 مواقع تستوعب أكثر من 1.5 مليون فرد. وقدّرت الخطة إعادة إعمار غزة بـ53 مليار دولار، وستستغرق 5 سنوات.