لا بد من النجاح.. لأن البدائل للمنطقة أسوأ مما يمكن تخيله

اتجهت خلال نهاية الأسبوع قافلة دولية يتنازعها الأمل واليأس إلى العاصمة النمساوية فيينا. وزير الخارجية الأميركي جون كيري ورفاقه وزراء خارجية مجموعة «5+1» (التي تضم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومعهم ألمانيا) يأملون بإيجاد تسوية ما للمباحثات المتعثرة مع إيران حول برنامجها النووي، غير أن الفرص التي تلوح في الأفق تبدو ضئيلة.
فمن شبه المؤكد أن مهلة 20 يوليو (تموز) المحددة لتسوية المسائل العالقة في الملف النووي الإيراني التي كان قد اتفق عليها العام الماضي ستفوت من دون تحقيق نتائج. وكانت عشرة أيام من التحاور قد خرجت من دون حصيلة تذكر. والواضح أن البت في جملة من المفاصل الأساسية بعيد جدا عن الإنجاز، وذلك لأن إيران ما زالت مصرة على حاجتها للتوسع في عمليات تخصيب اليورانيوم بغية التمكن من إنتاج كمية كافية من الوقود النووي للمفاعلات التي تزمع بناءها مستقبلا. ولقد صرح الدكتور علي أكبر صالحي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية بأنه في حال لا يتوجب على المنظمة إجراء كل عملياتها داخل إيران فإنها بحاجة لأن تتمكن من إنتاج وقود نووي للمفاعلات لأنها لا تستطيع الاعتماد على التعهدات والوعود الدولية بتزويدها بذلك النوع من الوقود.
هذا الكلام يؤكد مجددا الموقف الإيراني المزمن الذي عبر لي عنه قبل سنوات مندوب إيران للمنظمة الدولية للطاقة النووية علي أصغر سلطانية. سلطانية أبلغنا في مكتبه الأنيق بفيينا أن إيران قبل «الثورة الإسلامية» الخمينية عام 1979 كانت دفعت للولايات المتحدة الأميركية ثمن وقود نووي لم تتسلمه بعد الثورة. وأوضح أنه ليس باستطاعة إيران الوثوق بالضمانات الأجنبية عن تزويدها بالوقود النووي.
هذا التوجه أو الاقتناع تحكم بالموقف الإيراني عبر مراحل الأزمة النووية المزمنة، ويتناغم مع الالتزام العام بضرورة أن تتمتع بـ«الاكتفاء الذاتي» – وهذا مطلب منصوص عليه دستوريا – ومن ثم فإن دفع إيران للقبول بمساومة تفضي إلى حل وسط ظل حتى اللحظة مهمة مستحيلة.
في المقابل، تبدو مجموعة «5+1» بالإصرار نفسه على التشبث بمواقفها القائمة على ضرورة تقلص إيران نشاطها في مجال التخصيب، الذي من شأنه كما تشير – وهي محقة في هذا – أن يساعد على إنتاجها أسلحة نووية. ثم هناك موضوع الشك – المبرر أيضا – في المزاعم الإيرانية بأن من حقها إنتاج الوقود النووي داخل أراضيها، وبالأخص أنه لا توجد حاليا مفاعلات تتولى التوريد.
وزير الخارجية البريطانية ويليام هيغ كان صريحا في هذا الشأن عندما قال: «إن التوصل لاتفاق مسألة غير مضمونة، ذلك أنه ما زالت هناك عقبات كثيرة لم تذلل بعد، لكنني مع ذلك أرى أن المفاوضات الجارية حاليا توفر أفضل فرصة لتسوية القضية منذ سنوات».
في هذا الجانب – الميال إلى التفاؤل – قد يكون هيغ على حق. صحيح أن الفوارق الكبيرة في المواقف بين الجانبين ما زالت موجودة، لكن الصحيح أيضا أن الفريقين ما زالا على طاولة التفاوض. والأميركيون والإيرانيون باشروا التفاوض منذ أكثر من 30 سنة، ومهما حدث من المستبعد أو يوقفا العملية التفاوضية الآن.
في اعتقادي أن الأمور سائرة إلى تغير ما عاد ممكنا وقفه. ولقد راهن كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني بالكثير من رصيديهما السياسي في مواصلة الحوار، وكلاهما تبنى هذا الخيار في وجه معارضة داخلية شرسة وقوية. وبالتالي، فإن انهيار العملية التفاوضية الآن ستكون كارثية للرجلين، اللذين سيسعى كل منهما لإنقاذها.
ثم، إن المباحثات الجارية لا تقتصر على الشأن النووي، لا سيما أن أوباما دخل البيت الأبيض بنية واضحة وعزيمة قوية بإنجاز انفتاح على إيران والتوافق معها. وكانت إحدى خطوات سياستها الخارجية كانت التوجه إلى القيادة الإيرانية مباشرة بعرض مساومة مشروطة. وبالمثل، جاء روحاني إلى الرئاسة في طهران مصمما على «إصلاح» صورة إيران في العالم. وهذا أمر أساسي وحيوي بالنسبة له، والمفصل الأهم أبعد من البت بالشأن النووي. إنه ضمان مستقبل إيران في المجتمع الدولي. المسألة النووية مجرد وجه عرضي لأزمة أعمق وأكبر بين إيران والغرب، وبالنتيجة فإن المفارقة ستكون أنها العقبة الكأداء في وجه التفاهم لكنها في الوقت نفسه البوابة الوحيدة التي يمكن عبرها النفاذ إلى التفاهم والتعايش.
إذا كان لإيران سلوك مسلك المساومة فإنها ستحتاج إلى رفع أو على الأقل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، بجانب منحها مغريات اقتصادية وسياسية متعددة كفيلة بسحبها من جديد إلى باحة النظام الدولي. وإذا ما تمكنت مجموعة «5+1» من توفير هذه المغريات لا يعود عليها سوى الحصول من طهران على تعهدات بتبديد الشكوك بنياتها وسلوكياتها المعروفة.
لهذه الأسباب، من المحتوم على المدى البعيد أن الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، أن تلعب دورا ما في المسار الحالي. ومع أن الرياض ليست مشاركة في المفاوضات الجارية – رغم أن موقفها منها صريح وعلني – فإذا ما تحققت إعادة تأهيل إيران وجرى سحبها بالتدريج إلى البيئة الدولية فإن هذا لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن هذه القلعة السنّية. وبخاصة أن الاستقرار الإقليمي بحاجة إلى ذلك.
المرحلة المقبلة في المفاوضات، ستكون بلا شك، الإعلان عن تمديد مهلة العملية التفاوضية لستة أشهر إلى الأرجح. وفي هذه الأثناء، الوضع عموما هش لكن النية موجودة عند الجميع بالسير قدما. وبينما يستمر الحوار ستظل هناك فرص ولو ضئيلة بالتوصل إلى نتيجة ما. إن إيران لاعب لإقليمي أساسي لا يمكن تجاهله إلى ما لا نهاية، ولقد حان وقت إيجاد حل مهما اكتنفه من مصاعب، ذلك أن البدائل لمنطقة تسود فيها الفوضى أسوأ من مجرد تخيلها.

* صحافي وكاتب بريطاني وزميل في معهد الدراسات الإيرانية بجامعة سانت آندروز بأسكوتلندا

تاريخ النشر - Publish Date
Issue Number
13012