- تتنوع مظاهر التمييز ضد الشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية في إيران بين تمييز عرقي وديني، وتختلف شدته من إقليم إلى آخر، لكنها تشترك جميعاً في الإقصاء والتهميش السياسي بكل مستوياته في مناطقهم والمناصب الحكومية.
تبرز معاناة البلوش والأكراد والتركمان بسبب التهميش المفروض عليهم بسبب انتمائهم الديني. هذا التهميش يبدأ من الدستور، حيث يحتوي الدستور الإيراني على مواد كثيرة تفرض التمييز على الأقليات الدينية؛ ذلك أنه يشترط الالتزام بالمذهب الرسمي للحصول على الحقوق المدنية والحريات المشروعة.
ينص الدستور على أن المذهب الشيعي الاثنى عشري هو الدين الرسمي في البلاد، ويمنع على هذا الأساس أي نشاط دعوي لأتباع باقي المذاهب بمن فيهم أهل السنة والمسيحيون والصابئة المندائيون والزرادشتيون والبهائيون.
أيضاً ينص الدستور بوضوح على منع غير المنتمين إلى المذهب الرسمي من تولي مناصب سيادية، مثل منصب مرشد الجمهورية أو عضو مجلس القيادة والمناصب الرئيسية الأخرى، مثل منصب رئيس الجمهورية؛ إذ يجب أن يكون ملتزماً بالمذهب الشيعي، وكذلك هو الحال بالنسبة للمناصب القضائية ورئاسة الأقاليم المختلفة. وتعتمد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العائدة إلى السلطة نظاماً صارماً لتحديد الانتماء الديني للراغبين في العمل قبل قبول طلبات توظيفهم؛ ما يجلب لهم تهميشاً متعمداً في شتى المجالات.
وهنا تجدر الإشارة، لم يرتق حتى الآن أي من أهل السنة إلى منصب وزيرـ وأقصى تطور في مجال التوظيفات الحكومية لهم هو تعيين سفير من أهل السنة في فيتنام، وانتخاب نائب سني عضواً في الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني. كذلك، لا يوجد أي مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران مع أنها تضم مئات الآلاف من أهل السنة، وأقدمت السلطات على محاكمة الكثير من رجال الدين بسبب انتقاد التمييز ضدهم.
ولا يختلف نمط المواجهة ضد أتباع الديانات الأخرى، فالدستور الإيراني لا يعترف إلا بالزرادشتية والمسيحية واليهودية، ويكفل لهؤلاء فقط حق ممارسة طقوسهم الدينية وتعليم دياناتهم. لا ينطبق ذلك على البهائيين والصابئة المندائيين والكثير من أتباع الطوائف الأخرى الذين يمنعون من الدراسة ويحظر توظيفهم في الدوائر الحكومية.
في مثل هذه الأحوال يضطر الكثير من أتباع الديانات والطوائف الأخرى إلى الهجرة، بينما يخفي كثيرون داخل إيران منهم انتماءهم الطائفي لتجنب التمييز والتهميش.
من جهة أخرى، تتقاسم الشعوب غير الفارسية هموماً مشتركة تتمثل بالتمييز العرقي؛ إذ تدعم السلطات تفوّق الفرس على الآخرين من خلال الإمكانيات الهائلة التي تخصّصها لدعم اللغة والآداب الفارسيين والترويج لهما في البلاد، في حين تمارس السلطات ضغوطاً حتى على الأنشطة الثقافية والأدبية التي يمارسها النشطاء باللغات المختلفة بجهود ذاتية.
تفرض المادة 15 من الدستور الإيراني اللغة الفارسية كلغة رسمية للتعليم وفي الدوائر الحكومية والمراسلات، لكنها تعترف بحق الشعوب غير الفارسية بالنشر وتعليم آدابهم بلغاتهم. مع هذا تعارض السلطات تنفيذ الجزء الثاني من هذه المادة بذريعة تهديد الأمن القومي.
بعد قرابة 40 سنة من عمر النظام الخميني، تشهد إيران بين فترة وأخرى سلسلة احتجاجات قومية في مختلف أنحاء البلاد، وتبين مواقف وتصريحات المسؤولين الإيرانيين من هذه الاحتجاجات؛ خشيتهم من انفجار الوضع وتجزئة إيران؛ إذ تعاني الشعوب غير الفارسية من تهميش واضطهاد متراكم منذ حتى قبل تأسيس النظام.
والواضح أن النظام اختار المواجهة وطمس الهويات المختلفة بدلاً من تلبية المطالب القومية الأساسية المعترف بها دولياً وإنسانياً. ويحدث هذا اليوم مثلما حدث من قبل إبان حكم الدولة البهلوية؛ إذ تنوع أداؤها بين القمع العسكري وعدم الاعتراف بالتنوع القومي في البلاد. لكن بعد كل هذه السنوات من التمييز والتهميش يتساءل كثيرون عن مستقبل الحركات القومية إذا ما حدث أي تغيير في إيران؟ وهل يمكن أن يقوم فيها نظام ديمقراطي يكفل للشعوب المضطهدة حقوقها المشروعة؟
مظاهر التمييز القومي والطائفي في إيران
مظاهر التمييز القومي والطائفي في إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة