قلق حكومي في الجزائر من تنامي احتجاجات الجنوب

بسبب غياب مقومات العيش الضرورية وتهميش السكان المحليين

TT

قلق حكومي في الجزائر من تنامي احتجاجات الجنوب

تتعامل الحكومة الجزائرية بحذر شديد مع موجة سخط كبيرة تعمّ ولايات الجنوب الصحراوي، بسبب انعدام شروط الحياة الضرورية، كالماء الصالح للشرب والطاقة الكهربائية، ومرافق الترفيه والتسلية والمستشفيات والمصحات.
وانتفض سكان مدينة ورقلة، التي تسبح فوق بحار من النفط الأسبوع الماضي ضد تنظيم حفل غنائي بوسط المدينة، ومنعوه بذريعة أنهم «في حاجة إلى ضرورات العيش، وليس إلى الرقص والغناء». كما امتد رفض تنظيم الحفلات الصيفية، التي ترعاها الحكومة في المناطق الفقيرة، إلى ولايات جنوبية أخرى مثل بشار (جنوب غرب)، وإن أمناس (قرب الحدود مع ليبيا)، حيث خرج السكان المحليون إلى الشوارع للتظاهر سليماً تنديداً بـ«تغاضي السلطات عن غياب الماء وانقطاع الكهرباء»، وطالبوا بنزول المسؤولين المحليين إليهم شرطاً لوقف احتجاجهم. وإثر ذلك تعهد مصطفى غيتوني، وزير الطاقة والمناجم بإحداث تخفيضات مهمة على أسعار الكهرباء لصالح سكان الجنوب. لكن المحتجين ردوا عليه بأنهم لا يشتكون من ارتفاع فاتورة استهلاك الكهرباء، وإنما «من غيابها أصلاً». وأثارت الاحتجاجات من جديد جدلاً قديماً، يتعلق بـ«حرمان سكان الجنوب من خيراته»، وبخاصة توفير مناصب الشغل في شركات النفط، والمؤسسات الصغيرة التي تتعامل معها، على اعتبار أن هذه الشركات تفضل توظيف المهندسين والإداريين وسائقي السيارات والسباكين ومختلف الأنشطة البسيطة، بل وحتى عمال النظافة من مناطق الشمال، مع أن هذه الفئات من اليد العاملة وأصحاب الشهادات الجامعية متوفرون بكثرة في ولايات الجنوب؛ وهو ما يثير بداخلهم شعوراً بأن الحكومة تتعامل معهم بنظرة دونية.
وصرح رئيس الوزراء أحمد أويحي بأن غضب سكان الجنوب «فيه كثير من المبالغة؛ لأن الدولة لم تتخل عنهم، على عكس ما يدعيه مغرضون». لكن هذا التصريح زاد من حالة الاحتقان، حيث هددت تنظيمات بالمجتمع المدني بتصعيد الاحتجاج إن لم تسارع الحكومة بإطلاق مشروعات وتدابير لتوفير السكن، والشغل والمنشآت القاعدية، كالمصحات ومراكز البريد.
وقال مصدر حكومي، إن وزير الداخلية طالب من ولاة الجنوب (ممثلي الحكومة على المستوى المحلي) الحذر في تعاملهم مع الاحتجاجات الشعبية، وتفادي دخول قوات الأمن في صدام معهم. في حين اتهمت صحف فرانكفونية التيار الإسلامي بالوقوف وراء رفض إقامة مهرجانات الموسيقى والغناء ببعض المناطق الجنوبية، وبخاصة بعد أن تم التعبير عن هذا الرفض بإقامة الصلاة جماعياً بالساحات المخصصة لهذه الحفلات. وجاء في دراسة أجرتها المنظمة الدولية غير الحكومية «كرايسيس غروب» بخصوص الجنوب الجزائري، أنه «منذ عام 2013 تتعرض المناطق المنتجة للنفط في جنوب الجزائر، الهامشية سياسياً لكن الحيوية اقتصادياً، لموجات متتالية من الاضطرابات، تدور حول ما يبدو أنها قضايا اقتصادية وبيئية ومجتمعية محلية. لكن إذا نُظر إلى هذه الاضطرابات مجتمعة، فإنها تتخذ نمطاً معيناً، يتمثل في تنامي الاستياء من السلطات المركزية في جزء من البلاد، طالما ظل على هامش الحياة السياسية فيها. وحتى الآن فقد تمكنت السلطات من إدارة هذا الاستياء المتنامي باتباع سياسة العصا والجزرة، التي حافظت على سلم هش، دون أن تعالج القضايا الكامنة وراءه». وقالت الدراسة، إن «تيارات منفصلة في ثلاث مدن جنوبية تطورت خلال السنوات الأخيرة لتعبئة آلاف الجزائريين، سواء في المنطقة الصحراوية، أو مناطق أخرى من البلاد. وقد شهدت مدينة غرداية التاريخية صدامات متكررة بين العرب السنة والأقلية البربرية التي تتبع المذهب الإباضي، وذلك في مثال نادر على العنف الطائفي في بلد، ذي أغلبية سنية».
وأضافت الدراسة، أن «مدينة عين صلاح في أقصى الجنوب شهدت ولادة أهم حركة احتجاجية بيئية في المنطقة المغاربية، حيث تظاهر الآلاف ضد عملية تنقيب عن الغاز الصخري أخفتها الحكومة. وفي مدينة ورقلة دفع انتشار البطالة الشباب المحلي إلى إثارة القلاقل، حيث تشكلت حركة تطالب بوضع حد لما يعتبر إهمالاً من طرف السلطات المركزية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».