لعله الطبق الأشهر على موائد العراقيين، يسجل غيابه هذا العام أيضا بعد التراجع الكبير في مستوى الإنتاج المحلي خلال السنوات الماضية. وفي المقابل أغرقت الأسواق بأنواع من التمور المستوردة التي ترتفع أسعارها ويغيب عنها الطعم المميز للتمور العراقية الشهيرة مثل الخستاوي والبرحي والزهدي والبرزن وغيرها، والتي يصل عددها إلى 600 نوع. هذه كانت تشكل علامة فارقة في الزراعة العراقية قبل أن تنحسر بسبب الحروب والمشكلات الزراعية وغياب الدعم الحكومي.
وعلى الرغم من تصريحات وزارة الزراعة العراقية المتواصلة بارتفاع أعداد النخيل ومستوى إنتاج التمور، فإن المواطن صار يعتمد على ذكرياته فقط لتذكر النوعيات المميزة منها، ويضطر إلى تجهيز موائده بالمستورد منه بسبب شحة المنتوج المحلي وعدم تسويقه بالشكل المطلوب.
تقول الموظفة وداد إبراهيم 45 عاما، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنها اضطرت لشراء نصف كيلو من التمر المستورد نوع عادي بسعر دولارين تقريبا، في حين أن أسعار المحلي منه تبلغ أقل من دولار واحد، لكنه غير متوفر في الأسواق.
وتضيف: «هناك مشكلة قديمة في تسويق التمور المحلية التي لا تضاهي تسويق المستورد منها وهذه تمتاز بتغليفها أو تطعيمها بالمكسرات والهيل والعسل غيرها من المطيبات التي تغري على شرائها}.
أما مثنى عادل، من منطقة المنصور، فيقول إنه استعاض عن شراء المستورد من التمور بالاعتماد على حديقته الشخصية في البيت والتي تحوي نخلتين، تؤمن له ولأهله احتياجه من التمر طيلة عام كامل، لكنه شكا من ارتفاع تكاليف العناية بها من حيث المبيدات الحشرية وتلقيحها.
المشكلة أن محاولات إعادة إنتاج التمور إلى مكانته الطبيعية اصطدمت بالإهمال الحكومي لدعم هذا المحصول، فضلا عن الافتقار إلى المستلزمات العلاجية فيما لو داهمت الأمراض الموسمية النخلة. لكن تقول وزارة الزراعة إنها أعطت أهمية خاصة للنخيل من خلال تشكيل الهيئة العامة للنخيل، وإنجازها مشاريع تهدف للارتقاء بواقع هذا المنتج.
يقول أمين متعب من جمعية رعاية مصنعي التمور في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: {إن غياب دعم الفلاح والافتقار للعوامل المشجعة له بمواصلة زراعة النخيل كان من أهم أسباب تراجع التمر العراقي الذي دفع بنا للاستيراد من الخارج}. وأكد أن «العام الماضي كان سعر الطن الواحد من التمر الزهدي 150 ألف دينار عراقي، ولكنه ارتفع خلال العام الحالي إلى مليون دينار للطن بعد أن تعرض لأمراض السوسة وغياب المستلزمات العلاجية والوقائية للحد من هذا المرض}.
يشار إلى أن العراق أصبح اليوم يعاني من تراجع شديد في إنتاج التمور، فبعد أن كان العراق ينتج ثلاثة أرباع محصول التمر الإجمالي في العالم أصبح حاليا يأتي بعد مصر وإيران والسعودية في ترتيب الدول المنتجة.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد أعلنت أن أعداد النخيل في العراق تراجعت خلال السنوات العشر الماضية إلى أكثر من النصف وأنه يمتلك الآن [16] مليون نخلة بعد أن كان يمتلك [35] مليون نخلة.
ويرجع سبب التراجع إلى الحروب وأثرها على المزارعين والجفاف وضعف الخدمة والإرواء وكثرة الإصابات بالنخيل، كل تلك الأسباب اجتمعت ليصبح العراق في ذيل قائمة مصدري التمور.
ويزرع النخيل في محافظات عراقية عدة، أهمها البصرة وبابل وكربلاء وديالى. وتعد محافظة البصرة من أكثر المحافظات نخيلا إذ أحصي بها ما يزيد على ثلاثة عشر مليون نخلة.
وتتميز البصرة بتنوع أصناف التمور المزروعة فيها التي تمتد من قضائي القرنة والمدينة شمالا إلى قضاء الفاو، وتكاد تكون زراعة النخيل أهم مورد رزق لسكانها.
يقول الفلاح ذياب صادق، يملك بستان للنخيل مساحته نحو 13 دونما، قال: «البداية تنطلق من النخلة فلا بد من وجود عوامل دعم النخلة والحفاظ عليها وإبداء أقصى درجات الاهتمام، ولجوء العراق لشراء فسائل النخل رغم أنه من أشهر بلدان زراعتها}.
وأكد: «على الحكومة منع استيراد التمور والتوجه لدعم التمور العراقية وتوفير وسائل نجاح عملية تصنيعها وتعبئتها في المعمل المحلية}.
وزارة الزراعة العراقية دافعت عن نفسها بالقول إنها أعطت أهمية خاصة للنخيل من خلال تشكيل الهيئة العامة للنخيل، وإنجازها عددا من المشاريع التي تهدف للارتقاء بواقع النخيل الذي شهد تراجعا خلال الحقبة الزمنية الماضية.
وتؤكد وزارة الزراعة أن {المعلومات الواردة من الشبكة الدولية للنخيل والتمور تشير إلى ارتفاع أسعار تمور الزهدي العراقي إلى الضعف تقريبا حيث تراوحت بين 800 - 900 دولار للطن}، مشيرة إلى أن {حركة تصنيع وتعبئة التمور واستخدامها في الصناعات التحويلية هي الأخرى شهدت تطورا ملموسا}.
وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (فاو)، فإن العراق كان المنتج الأول للتمر بـ550 ألف طن وكان يصدر منها 100 ألف طن أي ما يساوي 80 في المائة من السوق العالمي.
وتدر هذه الصادرات سنويا على العراق 25 مليون دولار. غير أن الأمور تغيرت كثيرا حيث إن أرقام صادراته لم تعد تظهر على المستوى الدولي رسميا.
بدورها تقول ندى الحسناوي، مديرة معمل الطارق لتعبئة التمور في العاصمة بغداد: «نلمس توجها لأجل إعادة الهيبة للتمر العراقي عبر تفعيل دور المعامل في إنتاج وتصنيع التمور بطرق جديدة وبنوعيات مختلفة}، مؤكدة أن {الرغبة العارمة التي تغلف تطلعات العاملين في هذا المجال غالبا ما تصطدم بالإهمال الحكومي وعدم تقديم العون والإسناد لأصحاب المعامل}.
وتعد الحسناوي أن {المبادرة الزراعية لمجلس الوزراء التي تأخذ على عاتقها دعم المعامل لم يكن لها ذلك التأثير الكبير، والأهم هو توفير الأدوية والعلاجات للنخيل العراقي والوقوف على مسافة قريبة من أصحاب المعامل لتقديم العون لهم، لتعود العافية للمنتوج المحلي ويستعيد مكانته في الأسواق العربية والعالمية أيضا».
وطالبت الحسناوي بـ«دعم مكافحة الأمراض الموسمية التي تصيب النخيل، وإجراء البحوث والدراسات التي تساعد في تطوير زراعة النخيل ورفع كفاءة الإنتاج والقيام بحملة تشجير واسعة للفسائل في عموم العراق كحملة بديلة لما تعرضت له بساتين النخيل من تدهور».
التمور العراقية تغيب عن موائد رمضان والمستوردة تغزو الأسواق
تراجع أعداد أشجار النخيل من 35 مليونا إلى 16 مليونا
التمور العراقية تغيب عن موائد رمضان والمستوردة تغزو الأسواق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة