حياة فنية طويلة وثريّة عاشها فنان النحت المصري المثّال آدم حنين، والمصور السينمائي رمسيس مرزوق. يجري الاحتفاء بحياتهما حالياً، من خلال معرض فني مشترك تحتضنه مكتبة الإسكندرية حتى 27 أغسطس (آب) الجاري، تحت عنوان «رحلة حياة».
وعلى الرغم من أن الجمع بين الفنانين القديرين اللذين تخطّت أعمالهما المحلية إلى العالمية في معرض واحد، قد يثير الدهشة لاختلاف مجالهما الفنيين، ما بين النحت والتصوير السينمائي والفوتوغرافي، إلا أن سرعان ما تتلاشى هذه الدهشة داخل نفس المتلقي حين يستغرق في الاستماع إلى الحوار المتبادل بين الصور المعلقة على الحائط للفنان رمسيس مرزوق «فارس الظل والنور»، أو «ساحر الضوء» كما أطلقت عليه الصحافة الأوروبية، والقطع النحتية للمبدع آدم حنين، أحد أعلام النحت في العالم، والشهير بلقب «راهب النحت».
يزيد من «فصاحة» الحوار وقدرته على الوصول إلى المتلقي ذلك التنسيق الذي برعت المكتبة في تحقيقه بين أعمال الفنانين عند عرضها في قاعة واحدة تحت إشراف جمال حسني مدير إدارة المعارض والمقتنيات في المكتبة الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «فكرة المعرض مقصودة وهي أن يتم الجمع بين عملاقين من عمالقة الفن التشكيلي المصري في معرض واحد، على الرغم من اختلاف مجال فنهما، لنحقق حالة من الشغف والتناغم الجميل الذي يجذب الجمهور ما بين التصوير المعلق على حوائط القاعة كفن ثنائي البعد، والنحت ثلاثي الأبعاد الذي يتوسط القاعة نفسها تولد حالة فنية جديدة تتمتع بالثراء والتنوع».
ويلفت حسني إلى أنه على الرغم مما قد يتبادر إلى الذهن أيضا فلدى المتلقي عند الربط بين عنوان المعرض ومحتواه، من حيث إنه قد يضم عدداً ضخماً من الأعمال التي تجسد جميع مراحل حياتهما الفنية، فإن ذلك لا يحققه المعرض وهو مقصود أيضا! ذلك أن عبارة أنه «عرض رمزي» هي ما يمكن أن نطلقها عليه بهدف دفع المتلقي إلى الإحساس بالشغف تجاه الإبحار أكثر في عوالمهما».
ولأن المعرض كما أشار حسني غير مكدس بعدد ضخم من أعمال الفنانين، فإنه جاء متماهيا مع أسلوبهما الفني وطابعهما الخاص الخالي من الضوضاء البصرية أو التفاصيل والثرثرة، فهو معرض يحتفي بالتلخيص والتجريد شكلاً ومضموناً، أو كمّا ونوعا، فمثلما يتضمن عدداً محدوداً من الأعمال - نحو 12 عملاً لحنين و30 عملاً لمرزوق - فإن طبيعة الفن الذي جرى اختياره لتقديمه في المعرض، قد فرض أيضا لغة سلسة وموجزة للغاية. ولعل تمثال أم كلثوم الذي يستقبل الجمهور في القاعة من أكثر الأعمال توضيحاً لهذا المفهوم، فقد برع حنين في اختزالها وهي تقف بشموخ بالمنديل في جسد يتمتع بالانسيابية، ووجه يخلو من الملامح، لكنه ممتلئ بالشجن والإحساس والطاقة غير المحدودة للغناء والإبداع».
داخل القاعة يوجد تمثال صغير يذكر آدم حنين ببدايات رحلة حياته حين كان طفلا، وحين انطلقت الشرارة الأولى لموهبته، فيقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أتذكر جيدا هذا اليوم الذي عشته في طفولتي، حين ذهبت في رحلة مدرسية إلى المتحف المصري، وهناك انبهرت بالتماثيل الحجرية الضخمة التي شاهدتها لأول مرة وما يعلوها من رسوم وكتابات، وبقيت متأثراً بها، وأكاد أراها أمامي حتى قمت بعمل تمثال من الصلصال اعتبرته تقليداً لما رأيته، وكان ذلك بداية مشواري الفني لا سيما أن التمثال لاقى إعجاب والدي وفخره، فكان مشجعاً لي على الاستمرار».
إلى جانب تمثال أم كلثوم، يُبرز حنين اهتمامه بالبيئة المصرية، من خلال أعماله النحتية، وهو اهتمام يشغل مساحة كبيرة من رحلة حياته التي يعكسها المعرض، لا سيما في الريف بعيداً عن صخب المدينة. ويعرب المثّال حنين عن سعادته بهذا المعرض المشترك، موضحاً موقفه حين أبلغته المكتبة بفكرته قائلا: «رحبت على الفور. إن يكون لي معرض مع قامة مثل الفنان رمسيس مرزوق فهو أمر يسعدني كثيرا، وقد اعتبرت (رحلة حياة) هو نفسه نقطة مضيئة في حياتي».
وعبر أعمال «فارس الظل والنور»، وصاحب وسام «فارس» من الجمهورية الفرنسية تقديراً له كمصور سينمائي قدير، والتي تعلو حوائط المكان، يعيش المتلقي مع المشوار السينمائي الطويل لرمسيس مرزوق، وما قدمه خلال هذا المشوار من تفسيرات بصرية متوهجة وصادقة لمشاعر وانفعالات الممثلين في العمل السينمائي، ونتعرف من خلال المعرض على جوانب من سجل أعماله الحافل بمجموعة كبيرة من أفلام أهم مخرجي السينما المصرية، أمثال كمال الشيخ ويوسف شاهين، ومن أبرزها فيلم «المهاجر» كما نشاهد مجموعة كبيرة من صوره الفوتوغرافية التي ترصد لحظات من الحياة اليومية للمصريين، ومن ذلك صورة العمال التي تعد في حد ذاتها لوحة فنية، وكذلك صور المرأة المصرية وهي تعمل في بيتها وخارجه.
ويصف مرزوق المعرض قائلاً: «يمثل حياة كل منا بالفعل، ماذا فعلنا خلال حياتنا وماذا قدمنا؟ وكيف أثرنا على المشهد الفني... إنها رحلة طويلة، لخّصها المعرض في أعمال أعتزّ بها كثيراً، لأنها تعبّر عني وعن حياتي الفنية سواء تلك التي يعود بعضها لبداياتي حين كنت طالباً وصور أخرى التقطتها مؤخرا». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أهم ما قدمته في حياتي الفنية، هو أنني في ظل فهم دراما الفيلم، ودراسة المشهد دراسة درامية جيدة، أحرص على أن أصل عن طريق الإضاءة والتكوين في الصورة إلى قلب المتفرج، بعد أن أتكلم معه في حديث مرئي يقرأ خلاله الصورة ويتفاعل معها، وعلى المتلقي والناقد أن يحكم هل نجحت بالفعل في تحقيق ذلك أم لا ؟!».
إلى ذلك، أثار المعرض داخل مرزوق مشاعر عميقة وذكريات لا تنسى، إذ يقول: «عندما أتأمل المعرض، أعود إلى قمة فلسفة المفكر عثمان أمين، أحد رواد المدرسة الفلسفية الحديثة الذي استطاع أن يقنعني بحب مهنتي لأنجح فيها».
وتابع: «فكرة المعرض جيدة جداً، فأنا وحنين متقاربان في العمر، لذلك أستطيع أن أطلق عليه (رحلة الصورة والكتلة)».
«رحلة حياة»... معرض مشترك لتوثيق إبداعات آدم حنين ورمسيس مرزوق
يبرز أعمالاً نحتية ولوحات بصرية رائعة في مكتبة الإسكندرية
«رحلة حياة»... معرض مشترك لتوثيق إبداعات آدم حنين ورمسيس مرزوق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة