روسيا تؤكد إبعاد إيران عن الجولان لـ «عدم اغضاب اسرائيل»

مبعوث بوتين يقول إن ميلشيات طهران تراجعت 85 كيلومترا من «خط الفصل»

عناصر موالية للنظام السوري في القنيطرة (أ.ف.ب)
عناصر موالية للنظام السوري في القنيطرة (أ.ف.ب)
TT

روسيا تؤكد إبعاد إيران عن الجولان لـ «عدم اغضاب اسرائيل»

عناصر موالية للنظام السوري في القنيطرة (أ.ف.ب)
عناصر موالية للنظام السوري في القنيطرة (أ.ف.ب)

حسمت موسكو الجدل حول ملف الوجود الإيراني في المناطق القريبة من الحدود السورية في الجنوب وجنوب الغرب، وأعلنت عن «اتفاق قائم وجرى تنفيذه» مع الإيرانيين للانسحاب إلى عمق 85 كيلومتراً؛ بهدف «عدم إزعاج القيادة الإسرائيلية»، بحسب مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف.
وبعد مرور يوم واحد على تطمينات روسية لتل أبيب قدمها السفير لدى إسرائيل أناتولي فيكتوروف بأن المنطقة الحدودية ستكون خالية من الوجود الإيراني، سارت موسكو خطوة أخرى نحو حسم الجدل حول قدرة روسيا على ممارسة ضغوط على الإيرانيين لحملهم على الانسحاب من بعض المناطق السورية.
وأكد لافرنتييف، أن الاتفاق على انسحاب القوات الإيرانية لـ85 كيلومتراً من مواقعها السابقة في الجنوب السوري برعاية روسيا «قائم وجرى تنفيذه»، موضحاً: «في الحقيقة تم سحب القوات الإيرانية من هذه المنطقة بغية عدم إزعاج القيادة الإسرائيلية، التي بدأت باللجوء إلى القوة بصورة متزايدة عبر شنّ ضربات على مواقع منفردة للإيرانيين، كانت منتشرة في هذه الأراضي».
وفي تأكيد على الدور الروسي للوصول إلى التفاهم على الانسحاب الإيراني من المنطقة، قال لافرنتييف، إن «سحب القوات الإيرانية تم بمساعدة من جانبنا، وهذا الاتفاق لا يزال قائماً». وزاد، إن الخطوات اللاحقة في المنطقة يجب أن تضمن إطلاق عمل واسع لإحلال قوات فصل دولية في المنطقة المنزوعة السلاح بين سوريا وإسرائيل لمراقبة فض الاشتباك، لافتاً إلى أن الجانب الروسي نسّق هذه الخطة مع الطرف الإسرائيلي، معرباً عن أمل موسكو في أن «يحصل ذلك في أقرب وقت ممكن، وأن المراقبين في هذه القوة سيقومون بواجباتهم خلال فترة قريبة جداً».
وكانت سجالات كثيرة برزت خلال المرحلة الأخيرة تخللتها تباينات في المعطيات التي تصدر عن موسكو بين فريقين شدد أحدهما أكثر من مرة على أن روسيا ليست قادرة على ممارسة ضغوط على إيران، وأن «أكثر ما يمكنها فعله هو غض النظر عن الضربات الإسرائيلية إلى مواقع إيرانية في سوريا». بينما برزت تصريحات لفريق آخر من السياسيين والعسكريين الروس الذين أشاروا إلى ضرورة أن تحافظ موسكو على توازن علاقاتها مع طهران من جانب وتل أبيب من جانب آخر، وتحدث أكثر من طرف عن أن «الإيرانيين يضعون عراقيل في كثير من الأحيان أمام خطوات مهمة لموسكو في سوريا، ولا بد من إبداء قدر أكبر من الحزم معهم».
وقال لـ«الشرق الأوسط» دبلوماسي روسي قريب من ملف العلاقات مع إيران، إن موسكو حافظت على توازن علاقاتها فعلاً مع الطرفين، و«إيران شريك مهم لروسيا في عدد من الملفات، ونحن لا نمارس ضغوطاً على أي طرف، بل نسعى إلى التوصل إلى تفاهمات تلبي مصالح كل الأطراف». وزاد الدبلوماسي، إن الجهد الروسي قاد إلى حل وسط رغم المعارضة القوية التي واجهتها موسكو من جانب إسرائيل، موضحاً أن تل أبيب كانت تطالب بخروج الإيرانيين من كل الأراضي السورية، وهذا أمر «لا يمكن لموسكو أن تمارس ضغوطاً لتحقيقه، كما أنها لا ترغب في ذلك؛ كون العلاقة مع إيران في سوريا هي علاقة شراكة في مكافحة الإرهاب».
على صعيد آخر، أكد لافرنتييف في ختام مفاوضات سوتشي أول من أمس، أنه «لا حديث في الوقت الحاضر عن هجوم عسكري واسع النطاق ضد المسلحين في محافظة إدلب السورية»، لكنه شدد في المقابل على إصرار موسكو على «ضرورة قطع دابر المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة؛ لذلك دعونا المعارضة المعتدلة إلى تنسيق أكبر مع الشركاء الأتراك من أجل حل هذه المشكلة، وذلك ليس لإبعاد التهديد على العسكريين الروس المتواجدين بقاعدة حميميم فحسب، بل وكذلك لتأمين القوات الحكومية السورية المنتشرة على خط التماس».
وأوضح الدبلوماسي، أنه في حال نجحت المعارضة المعتدلة في إنجاز هذه المهمة، لن تكون هناك أي ضرورة لخوض عملية عسكرية في محافظة إدلب، لكنه رغم ذلك ترك الباب موارباً لتنفيذ عمل عسكري، مذكراً بأن «تجربتنا خلال العام ونصف العام الماضيين تدل على غياب تقدم في هذا المسار».
وصرح لافرينتييف بأن روسيا مستعدة لدعم جهود المعارضة السورية المعتدلة في دحر الإرهابيين في المنطقة إذا احتاجت لذلك، مشيراً إلى أن الوفد الروسي عرض بشكل صريح دعمها ممثلي المعارضة في سوتشي.
وحول دور تركيا بصفتها دولة ضامنة للهدنة في إدلب كمنطقة من مناطق وقف التصعيد في سوريا، ذكر الدبلوماسي أن الجانب التركي أكد لروسيا سابقاً أن العسكريين الأتراك سيغادرون هذه المنطقة بعد دحر «داعش» وإعادة الحياة إلى طبيعتها هناك. وأضاف، أن «المطلب الروسي إلى أنقرة بهذا الشأن لا يزال قائماً، وتأمل موسكو أن تنفذه تركيا، فقد أخذت على عاتقها تعهدات معينة، ومن بينها مراعاة سيادة سوريا ووحدة أراضيها».
اللافت أن صحيفة «كوميرسانت» الروسية الرصينة نقلت أمس عن مصدر دبلوماسي، أن موسكو «كانت مستاءة بسبب اللهجة الحادة التي تحدث بها رئيس وفد النظام بشار الجعفري عن تركيا، وأنها أكدت أن أنقرة شريك أساسي في عملية آستانة».
وكان الجعفري شن هجوماً على أنقرة واتهمها بأنها لا تنفذ التزاماتها وفقاً لقرارات آستانة، ووصفها بأنها قوة احتلال في إدلب ومناطق أخرى.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.