أطلقوا على هذا المتحف اسم «رصيف برانلي»، نسبةً إلى موقعه على نهر السين وسط العاصمة الفرنسية. لكنّ الباريسيين يسمونه متحف جاك شيراك، عاشق الفنون البدائية والذي يعود له الفضل في إنشائه. كان الرئيس الأسبق معروفاً بولعه بفنون الحضارات الآسيوية والأفريقية. وقد امتلك مجموعة مميزة من المنحوتات الخشبية والبرونزية التي انتقاها من المزادات ودكاكين الأنتيكا ومن أسفاره في بلاد العالم. وها هو المتحف القريب من برج «إيفل» يقدم لزائريه معرضاً جديداً بعنوان «رسوم بعيدة»، يضم نحو 200 لوحة ومحفورة، من مجموع 500 عمل تستقر في مخازنه. وتعود هذه المعروضات إلى فترة ما بين القرنين الثامن عشر وأوائل العشرين.
قيمة المعرض أنه يتيح الاطلاع على مجموعة من الأعمال الفنية التي تكاد تكون مجهولة ولم يسبق عرضها بشكل واسع. وفيه تتجاور لوحة الجارية العائدة لآنج تيسسيه مع وجوه الهنود الأميركيين التي رسمها جورج كاتلان. ولا بد للزائر العربي أن يتوقف عند تلك الرسوم التي تصور الحياة اليومية القديمة في القاهرة، من توقيع إميل برنار، أو اللوحات الجميلة لقوافل الصحراء العربية وحدائق الشرق، مروراً بتلاوين أخاذة لنساء تاهيتي نفّذها ماتيس أو غوغان.
لا تقتصر أهمية المعرض على ما يتضمنه من أعمال فنية بل تمتد إلى توثيق الروابط التاريخية التي جمعت أوروبا مع «الآخر» ومع «الأمكنة النائية». وفيه يمكن للزائر أن يتابع تطور نظرة الفنان الغربي إلى المجتمعات الشرقية في القرنين الماضيين، وهي فترة حرجة نظراً إلى الماضي الكولونيالي الذي قسم الشعوب إلى فريقين: مستعمر، بفتح الميم الثانية، ومستعمر، بكسر الميم. فاللوحات مرآة عاكسة للتاريخ وللواقع السياسي، والنظرة الإكزوتيكية، وحتى الشبقة، تبدو جلية في الرسوم المبكرة، ثم تأخذ اهتماماً أوسع بالطبيعة والجوانب الفنية للظل والضوء وألوان النبات والرمال، خصوصاً في المراحل المتأخرة وبدايات القرن العشرين. إن شمس تلك البلاد كانت بمثابة الترف الذي اجتذب أعين الرسامين الباحثة عن التضاد اللوني والمشاهد الحارة. ويمكن للمشاهد أن يلمس في لوحات الفنانين الفرنسيين ذلك الانبهار الذي تراوح ما بين الفنتازيا والميل إلى النهل من الطبيعة، وما بين التوثيق وبين إطلاق العنان للخيال. لكن مهما ظل الفن مترفعاً فإن من السذاجة إغفال المغزى السياسي لبعض الأعمال.
يستمر المعرض حتى أوائل العام المقبل.
معرض ساحر عن أفريقيا والشرق البعيد في متحف شيراك
الباريسيون يسافرون إلى حواري القاهرة على جناح الرسم
معرض ساحر عن أفريقيا والشرق البعيد في متحف شيراك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة