صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

منطقة خراسان تعاني من الضعف الأمني ومن السهل أن تصبح مرتعاً خصباً للمتطرفين

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان
TT

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

يصعب تصوّر قدرة تنظيم داعش على التغلغل في أفغانستان والتربع في كهوف تورا بورا معقل أسامة بن لادن وملاذه دون أن يتم الانقضاض عليه. لكأن تنظيم القاعدة مرّ ببطء بعملية استنساخ ليصبح تنظيماً جديداً بمسمى داعش، يجسّد قمة العنف والغضب والبطش بالآخرين دون تحديد لفئة يتم تصفيتها دون أخرى. الجميع تتم شيطنته، كأن العالم بمنظور المنتمين إلى التنظيم على مشارف النهاية، فلا نجاة من الدمار إلا بالانتماء إليهم وإما التعرض لانتقامهم.
مَن ينظر إلى مبلغ الدوغماتية التي تحفّ تنظيم داعش وهمجيته في معاملة الآخرين يكاد يجزم بعدم استمراريته، بالأخص بعد أن تقهقر إلى الوراء وفشل في إرساء علمه الأسود في كل من العراق وسوريا، والتوقعات العديدة باستحالة عودته إلى ذات المنطقة، ولوذ مقاتليه بالفرار، وعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانه من أجل التركيز على هجمات إرهابية كبيرة فيها.
- التهديدات الأوروبية تتخبط
إلا أن الآونة الأخيرة تشير إلى انقلاب الموازين والتوقعات كافة. إذ إن الفشل لا يزال ملاحقاً لتنظيم داعش في عدم قدرته على القيام بهجمات إرهابية كبيرة في المناطق المرجوّة مثل القارّة الأوروبية لتستحيل عملياته المعتمدة على «الذئاب المنفردة» أشبه بعمليات إجرامية صغيرة متخبطة لشخصيات مضطربة عقلياً أو نفسياً. وإن كان لا يزال القلق متصاعداً في القارّة الأوروبية من عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم وتشكيلهم تهديداً أمنياً لأوطانهم، بغض النظر عن مدى فشل وإحباط العمليات الإرهابية في تلك المنطقة. وقد تداعى قلق السلطات الإسبانية في الآونة الأخيرة من احتمالية حدوث تهديدات أمنية في أراضيها. بغض النظر عن كون الهجمات الإرهابية الناجحة في الآونة الأخيرة لا تزال عشوائية مثل حادثة دهس أو طعن. فيما فشلت التهديدات الضخمة على الرغم من كثافة الرسائل الإعلامية لتنظيم داعش ومساعيه لحث المنتمين إليه على القيام بها، مثل ما حدث من تهديدات لكأس العالم الكروي الذي استضافته روسيا من قبل التنظيم، سواء عبر الصور والتسجيلات المتتالية لتفاصيل الهجمات المستهدفة للاعبين مشاهير ولمشجعين بل ومحاولة استلهام تصور ما بإمكانهم فعله بتركيب صور دموية عنيفة لهؤلاء المشاهير أو لما قد يحدث للاستاد الرياضي. وقد وصل أمر التهويل أو الحث على التطرف في الهجمات الإرهابية فيها لوضع تصور لاستخدام قنابل يدوية وطائرات بلا طيارين. إلا أن محاولة التحريض لم تفِ بالغرض، بالأخص نتيجة تخوفهم من القيام بهجمات ليست عشوائية تستلزم تخطيطاً مكثفاً لم يعد من السهل القيام به مع شبه انعدام وجود معسكرات التدريب والخلايا الكبيرة للتنظيم التي بإمكانها الالتقاء والتخطيط لمثل هذه العمليات. وينم فشل حدوث أي هجمات على المونديال عن الإخفاقات المتوالية للتنظيم. ولا بد أن ضياع تلك الحملة الدعائية المكثفة قد تعد أضخم خسارة دعائية لـ«داعش» في الفترة الأخيرة، بالأخص أنه سيعزز من انعدام ثقة المتطرفين بقدراتهم التي باتت أقل سطوة بعد انهيار الخلافة المزعومة وتشتت المقاتلين في أرجاء العالم. فيما من جهة أخرى يظهر تهديد التنظيم باستخدام طائرات «درون» في كأس العالم واكتشاف حيازتهم عدداً منها في العراق، إلى جانب تهديدهم باستخدام أسلحة بيولوجية مثل «الريسين»، مثل ما كان بحوزة التونسي «سيف الدين.هـ» في ألمانيا، مما يفضي إلى ما يثبت استمرار محاولاتهم التجديد وتغيير طرق هجماتهم على الرغم من تضييق الخناق عليهم بصفة مستمرة. على كل حال، لا يزال التنظيم يحمل آمالاً حيال قدرته على شن هجمات إرهابية على أماكن محتشدة بالأشخاص مثل استاد رياضي من أجل حصد عدد كبير من القتلى، وكذلك من أجل الحصول على هالة إعلامية كبيرة نتاج ذلك وإن كانت فرص حدوثه صعبة المنال. فيما تواجه دول أخرى خطر تسرب الإرهاب إلى أراضيها نتيجة وجوده في مناطق مجاورة مثل منطقة جنوب شرقي آسيا.
وقد شنت ماليزيا حملة شملت أربع ولايات وتسببت باعتقال 7 عناصر ينتمون لتنظيم داعش بعد تهديد سلطان ماليزيا محمد الخامس ورئيس وزرائها مهاتير محمد. إلا أن الخطر الأهم ينحصر في كون إندونيسيا الدولة المجاورة ملغمة بمتطرفين قدموا الولاء لتنظيم داعش، وقد تنبهت السلطات الماليزية لذلك مؤخراً في أعقاب الهجمات الإرهابية في سورابايا.
فيما بدأت بالظهور على الملأ أنباء عن معاودة الزحف ببطء إلى العراق من خلال حرب عصابات مفعمة بالاغتيالات ومهاجمة القوات العراقية بالأخص في كل من محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين، وكذلك في سوريا وإن كانت بوتيرة أضعف. الأمر الذي يشير مرة أخرى إلى التلون المستمر للتنظيم، وعدم اكتراثه بعدم اتساق رسائله الإعلامية، فما يهم في نهاية المطاف هو تعزيز وجودهم وقوتهم أينما كان ذلك.
- ولاية خراسان
من جهة أخرى، سعى التنظيم إلى البحث عن مناطق أخرى من الممكن له أن يستقر فيها ليطلق عليها خلافة داعشية له. بالأخص إيجاد منطقة تعاني من الضعف الأمني، ليسهل أن تصبح مرتعاً خصباً للمتطرفين مثل أفغانستان التي تعرضت لاجتياح تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وقد حط رحاله في أفغانستان في عام 2014، واستمر في مسلك همجي يقتل من خلاله كل من لا ينتمي إلى نهجه المتطرف. ولم يعلن عن إنشاء «خلافة داعشية» إلا في 26 يناير (كانون الثاني) 2015، بتسجيل صوتي للمتحدث السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني، في 26 يناير 2015، أطلق عليها ولاية خراسان لتضم أفغانستان وباكستان. «إن المجاهدين حققوا الشروط والمطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي، وقد قبلها». وتتمركز منطقة نفوذ التنظيم تحديداً في إقليم ننغرهار شرقي أفغانستان، أي في المنطقة المحاذية للحدود الباكستانية، الأمر الذي سهَّل من انضمام العديد من الباكستانيين والمقاتلين الأجانب، وإن كانت مساعي «داعش» أشبه بالمغامرة بالأخص في بداية مساعيه للاستقرار في أفغانستان، لا سيما أن ذلك هو مقر تنظيم القاعدة وكذلك سيطرة حركة طالبان على المنطقة لسنوات عديدة دون زوالها، وقد استقت شرعيتها من نزعتها للقومية فيما ينحدر أعضاؤها من القبائل البشتونية. إلا أن تنظيم داعش تمكن من استقطاب المقاتلين الأجانب لا سيما أن نهجه يزعم عدم تفريقه ما بين الجنسيات المختلفة مما يعزز من فرص انضمام المهمشين إليه ممن ينتمون إلى أصول أخرى بالأخص أولئك المتعلقين بفكرة الانتماء للتنظيم الداعشي الذي يعاملهم سواسية وليس بدونية. كذلك محاولة انتشال الشرعية من حركة طالبان بادّعائهم معرفتهم لتعاليم الدين الصحيحة، وذلك على الرغم من عراقة حركة طالبان داخل أفغانستان إذا ما قورنت بـ«داعش» الذي يعد دخيلاً على المجتمع الأفغاني. وقد سهل من ترعرع التنظيمات المتطرفة في أفغانستان طبيعتها الجغرافية الصحراوية الوعرة ومناطقها الجبلية التي تسهل من عملية التخفي فيها. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش لم يتمكن من إرساء معالم «خلافة» مثل ما وصل إليه في حقبة سابقة في الموصل والرقة، فعملياته لا تزال أقرب لحرب عصابات عشوائية متناثرة، فإن السلطات الأميركية والأفغانية كرّست جهودها من أجل التخلص من تنظيم داعش في أفغانستان، وعلى الرغم من تصريحات متوالية للسلطات الأفغانية بقدرتهم على التخلص من التنظيم، فإن هناك مؤشرات تشي بصعوبة ذلك في الوقت الحالي.
وقد صرح الجنرال الأميركي جون نيكلسون مؤخراً بأن تنظيم داعش يزداد قوة في أفغانستان نتيجة انضمام مقاتلين أجانب إليه، وكذلك بسبب حصوله على دعم مادي ولوجيستي من تنظيمات متطرفة في دول أخرى مجاورة. وقد تفاقم السجال واحتدم ما بين داعش وحركة طالبان، بل ازدادت وتيرته في آخر شهرين بالأخص في شمال أفغانستان، ففي 17 يوليو (تموز) هاجم عناصر ينتمون لتنظيم داعش أفراد من حركة طالبان في أثناء سيرهم في جنازة في شمال أفغانستان مما أودى بحياة 17 منهم ومن بينهم زعيم طالباني. وقد تفاقم عدد القتلى في الآونة الأخيرة نتيجة الإرهاصات والهجمات الداعشية والطالبانية المتأججة التي فاقمت من انعدام الأمن الأفغاني ليقع الأهالي ضحيتها. إلا أن استمرار هذا المسلك قد ينهك كلتا الجهتين ويقلّص من قدراتهم القتالية في ما بعد. بل وقد يؤدي إلى احتمال موافقة حركة طالبان على عقد هدنة مع السلطات الأفغانية، إذ إنها رفضت مراراً وقف إطلاق النار. وقد صرّحت السلطات الأميركية مؤخراً بأنها على أهبة عقد المفاوضات مع حركة طالبان من أجل إنهاء الحرب التي استمرت لما يزيد على 17 عاماً معها وسحب القوات الأجنبية. الأمر الذي إن تحقق سيسهل من الالتفات إلى تنظيم داعش من أجل التخلص منه. بالأخص أن نهجه البراغماتي بات متخبطاً، إذ إنه يحيل كل من حوله إلى أعداء لا بد من محاربتهم، بدءاً بالشيعة الأفغان في مناطق تجمعاتهم سواء في أثناء تأديتهم لشعائرهم الدينية أو في مراكزهم الثقافية، في سعيٍ لتعزيز الطائفية في أفغانستان على نسق ما حدث في العراق. وكذلك استهداف القوات الأميركية والسلطات الأفغانية، وانتهاءً بالدبلوماسيين والصحافيين، وقد بدأ تنظيم داعش تحديداٌ في نهاية عام 2017 بتنفيذ هجمات انتحارية تستهدف الإعلاميين بدءاً بوكالة الأنباء الأفغانية ومحطات تلفزيونية في كابل وانتهاء بقتل صحافيين. في نهاية المطاف لا تزال المخططات الداعشية على الرغم من تخبطها تعكس محاولات نهوضهم من جديد وإن كان ذلك نتيجة تحوّرهم من منهجية لأخرى دون تحرّج أو سعي للتبرير. فلا شيء يقف في وجه المساعي للبقاء وإن كان ذلك يعني اختيار كهوف تورا بورا معقلاً لهم.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.