لافرنتييف لـ «تعويم» النظام وتثبيت «الانتصار» من بوابة الملف الإنساني

مبعوث الرئيس الروسي زار «عاصمتي اللجوء السوري»

TT

لافرنتييف لـ «تعويم» النظام وتثبيت «الانتصار» من بوابة الملف الإنساني

فتحت جولة المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في عاصمتي «اللجوء السوري»، عمان وبيروت، على مرحلة «وضع ملف اللاجئين على سكة المداولات الإقليمية والدولية»، استباقاً لجولة جديدة من مفاوضات آستانة، التي تنعقد نهاية الشهر في منتجع سوتشي الروسي، حيث ينتظر أن تركز موسكو خلالها على هذا الملف، وتقدمه على ملف «الإصلاح الدستوري» الذي عملت طويلاً لإحلاله بديلاً عن مسار التسوية السياسية.
الأولوية حالياً للملف الإنساني، بعدما غيبت التطورات الميدانية وموازين القوى الفعلية على الأرض ملامح الجهود السياسية لبلورة حل نهائي يقوم على أساس قرارات مجلس الأمن. والملف الإنساني الذي اختصرته موسكو في بند اللاجئين، كونه يشكل عنصر الضغط الرئيسي على قوى إقليمية ودولية، الذي يوفر وفقاً لقناعة نخب روسية المدخل المناسب لحشد تأييد واسع للمتغيرات السياسية والميدانية التي قادتها موسكو في سوريا.
لا تخفي الأوساط الروسية ارتياحاً لأن النتائج الميدانية في سوريا جاءت متزامنة مع انفراجة مهمة في اتصالات موسكو مع لاعبين كبيرين، مثل واشنطن وباريس، قادت إلى «التسليم بشكل كامل تقريباً» بالدور الروسي في تأسيس المرحلة الجديدة في سوريا. لذلك، سرعت موسكو خطواتها للإفادة من الزخم الذي وفرته قمة هلسنكي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب، والاتصالات الروسية - الفرنسية أخيراً، من أجل الإعلان عن إطلاق «المشروع الإنساني» الذي تثق موسكو في أنه لن يلق معارضة من الأوساط الدولية والإقليمية أصلاً.
وفي هذا الإطار، جاء الإعلان عن تأسيس مركز إيواء اللاجئين، ومتابعة ملف العودة، بجهد مشترك من وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين. وفي الإطار ذاته، جاءت «العملية الإنسانية الروسية الفرنسية المشتركة في الغوطة الشرقية»، واستكمالاً لوضع هذا الملف على رأس أولويات الأجندة الإقليمية والدولية، جاءت أخيراً جولة لافرنتييف التي سعت موسكو من خلالها إلى تثبيت التوجه البديل لغياب مسار جنيف.
لذلك، جاءت تصريحات عدد من المسؤولين الروس متطابقة حول نية نقل ملف اللاجئين إلى مجلس الأمن، والحصول على دعم دولي واسع، مع اقتراب افتتاح الموسم السياسي الجديد في نيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل.
ما لفت الأنظار في جولة لافرنتييف أمران رئيسيان: الأول أن تحركاته لم تشمل عاصمة اللجوء السوري الأولى إقليمياً (أنقرة)، كون تركيا لاعباً أساسياً أصلاً في آستانة، وشريكاً للروس في صناعة التحركات الميدانية التي ستضع في المحصلة مساراً سياسياً يضمن لأنقرة مصالحها. ووفقاً لمحلل روسي، فإن الأتراك يضعون حالياً أولويات تسبق فتح النقاش حول ملف اللاجئين، رغم أهمية هذا الموضوع بطبيعة الحال بالنسبة إلى أنقرة في وقت لاحق.
والثاني أن لافرنتييف كان على رأس وفد واسع، مؤلف من 13 مسؤولاً، شمل نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين ومسؤولين في وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، ما يوحي بحجم الزخم الذي أرادته موسكو لفتح التنسيق المتعدد الجوانب مع العاصمتين انطلاقاً من مدخل ملف عودة اللاجئين.
وأظهرت النقاشات التي أجراها المبعوث الرئاسي الروسي في بيروت وعمان حرصاً روسياً على ربط مسار عودة اللاجئين، باعتباره أمراً ملحاً ومطلباً فورياً في الأردن ولبنان، بمسارات عدة سياسية وأمنية وعسكرية، وهو ما عكسته تصريحات المسؤولين الروس الذين تحدثوا عن ضرورة بحث الجوانب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية لعودة اللاجئين، ما يعني فتح مسار واسع يشمل بالدرجة الأولى تطبيع العلاقات مع النظام السوري لضمان تنفيذ كامل وسريع لخطط إعادة اللاجئين. ولفت لافرنتييف في إيجازه للنتائج إلى أن «المحادثات كانت ممتازة. وإعادة النازحين مهمة، والمطلوب توفير الظروف الملائمة لهذه العودة، والحكومة السورية مستعدة لقبول من يريدون العودة».
ويرى مراقبون روس أن النتيجة الأبرز التي حملها معه لافرنتييف هي أن الظروف باتت مواتية للشروع بتعويم النظام إقليمياً، وأن كلاً من الأردن ولبنان لا يمانع في فتح قنوات التنسيق لإنجاح هذا الجهد مع دمشق عسكرياً وأمنياً. ورغم أن بعض الأطراف في لبنان ما زالت لديها تحفظات في هذا الاتجاه، لكن لن يكون من الصعب وفقاً لدبلوماسي روسي أن تكلف رئاسة الجمهورية بإدارة هذا الملف، كونها خلافاً لرئاسة الوزراء «لا تحفظات لديها»، وترحب بلعب هذا الدور.
ويرى الروس أن الأردن مهيأ بدوره للتعامل مع النظام، وهو لأسباب أمنية واقتصادية بحاجة إلى فتح المعابر الحدودية، وتنسيق دخول البضائع، وصولاً إلى بحث الملفات المتعلقة بعودة اللاجئين. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أكدت على فتح معبري نصيب مع الأردن والزمراني مع لبنان لعودة اللاجئين السوريين من هذين البلدين، ومن المقرر أيضاً فتح 3 مكاتب تابعة لمركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين في أبو الظهور والصالحية وتدمر قبل نهاية الشهر الحالي.
ويرى بعضهم في موسكو أن بين أسباب غياب أنقرة عن جدول تحركات لافرنتييف أن الجانب التركي ليس مستعداً بعد لتطبيع العلاقات مع دمشق، وينتظر تبلور ملامح التسوية النهائية.
والعنصر الثاني المهم في نتائج الجولة، وفقاً لمصادر روسية، أنها ربطت ملف اللاجئين بملفي إعادة الإعمار، ورفع العقوبات الدولية المفروضة على دمشق.
وفي هذا الإطار، فإن موسكو لا تخفي أن الخطوة التالية التي ستنشط بطرحها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تقوم على أهمية تسريع رفع العقوبات لتحسين «الوضع الإنساني»، ما يساعد بإيجاد حل شامل لعودة اللاجئين.
كما أن ملف إعادة الإعمار سيكون مطروحاً بقوة في ظروف الدفع باتجاه إيجاد الظروف الملائمة لإعادة اللاجئين إلى «أماكن سكنهم الأصلية»، وفقاً للتعهد الذي رفعته موسكو عند الإعلان عن تأسيس مركز إعادة اللاجئين. ورغم أن هذا الأمر سيواجه رفضاً من جانب مانحين مهمين، إقليمياً ودولياً، يصرون على ربط ملف إعادة الإعمار بتسوية سياسية نهائية مقبولة من كل الأطراف، فإن التفاهمات الأولى مع واشنطن، والتنسيق الروسي الفرنسي «إنسانياً»، يضعان مقدمات لتطوير النقاش في هذا الاتجاه.
كما أن موسكو ترغب في إطلاق جزء من المشروع بجهود ذاتية، وبمساعدة بعض حلفاء موسكو، من أجل وضع ملف إعادة الإعمار تلقائياً على الأجندة الدولية، وهذا برز من خلال تلميحات إلى رغبة موسكو بالشروع في توفير ظروف مناسبة لتأسيس مراكز إيواء أولية في القلمون ومناطق الجنوب السوري.
لكن توجه موسكو يقابل برزمة من التعقيدات، وفقاً لمصادر روسية، أبرزها إصرار الأمم المتحدة على مبدأ العودة الطوعية، وهو أمر سيشكل اختباراً صعباً أمام المناورة الروسية، رغم أن موسكو تقدم أرقاماً وإحصائيات تدل على رغبتها سلفاً بتجاهل هذا العنصر. فمثلاً، تشير بيانات وزارة الدفاع إلى أن هناك «نحو 30 ألف نازح سوري فقط من أصل مليون شخص يتمنون البقاء في لبنان، فيما ترغب الغالبية الساحقة منهم في العودة إلى ديارها»، من دون أن توضح الوزارة كيف بنت أرقامها، وهل جاءت بنتيجة دراسة ميدانية شاملة في أماكن توزع اللاجئين؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».