اللبنانيون ينقسمون حول «داعش» وخطرها على بلادهم

بعضهم يخشاها ويتحضر لها.. وآخرون يعدونها لعبة استخبارية إيرانية

اللبنانيون ينقسمون حول «داعش» وخطرها على بلادهم
TT

اللبنانيون ينقسمون حول «داعش» وخطرها على بلادهم

اللبنانيون ينقسمون حول «داعش» وخطرها على بلادهم

أثار بروز وتمدد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وأخيرا إعلان قيام «دولة الخلافة» مخاوف كبيرة لدى اللبنانيين من إمكانية تمدد عمليات التنظيم إلى بلادهم، بعد أن تبنى أكثر من عملية أمنية وتفجير انتحاري في لبنان، غير أن عددا من اللبنانيين يرون أن تنوع مجتمعهم وتعدد الطوائف، يصعب تمدد التنظيم الإسلامي المتشدد لغياب البيئة الحاضنة.

وتعيش مهى يونس (50 عاما) وهي مسيحية وأم لـ3 أولاد، في دوامة من الخوف بعدما تحول «داعش» بمثابة «كابوس» بالنسبة لها خاصة بعد المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام عن ممارسات هذا التنظيم وتشدده، كما تقول. وتشير يونس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها لم تعد تتناول طعامها كالمعتاد وتصاب بنوبات من البكاء بعد سماع أخبار تمدد التنظيم، وتضيف: «أنا أعيش في إحباط تام منذ أكثر من شهر، وأخاف على مستقبلي ومستقبل أولادي».

يونس، لا تتردد حاليا بمبايعة حزب الله للدفاع عنها في حال قرر «داعش» التمدد في لبنان. وتقول: «أنا أعارض حزب الله ولا أحبذ وجوده كتنظيم مسلح لكنني بعد ما رأيته من ممارسات داعش بتّ أفضل أن يقوى الحزب ليحارب تكفيريي داعش». وتضيف: «ألف حزب الله ولا حرف الدال من داعش».

وبعكس يونس، لا تولي آية الزعيم (24 عاما) وهي مناصرة لتيار «المستقبل» أي أهمية لموضوع «داعش»، لاقتناعها بأنّها «ليست سوى تمثيلية إيرانية، كوميدية مكتوبة مسبقا لأهداف سياسية بحتة». وتعد الزعيم أن «السيناريو الداعشي» أتى مناسبا تماما لإشاعة الخوف في نفوس الناس، وتضيف: «لكنني شخصيا لست ممن يركبون الموجة تلقائيا».

ولا يخاف شربل بدوره من «داعش» ولكن لاقتناعه «بعدم قدرة التنظيم المتشدد بالولوج إلى الداخل اللبناني بسبب تنوع المجتمع اللبناني الذي لا يؤمن بيئات حاضنة لـ(داعش)، ولأن اللبنانيين جميعا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بعدما أتقنوا فنون القتال خلال حروب الشوارع على مدى سنوات طويلة من الحرب الأهلية، إضافة إلى وجود أحزاب مسلحة يمكنها حسم تلك المعارك قبل حدوثها»، بإشارة إلى حزب الله.

ويؤيد ماهر الذي فضّل عدم ذكر اسم عائلته، وهو سني من إحدى قرى الجنوب اللبناني، وجهة نظر شربل مراد، لجهة أن «البيئة اللبنانية غير قابلة لاستيعاب حالة مثل داعش بسبب التنوع الاجتماعي الموجود فيها»، ويضيف: «كما أن الفريق السياسي السني الأساسي بالبلد بالإضافة للمرجعية الدينية المتمثلة بدار الفتوى هي رافضة لتنظيمات مماثلة». ويبدو ماهر مقتنعا بأن هناك «قرارا دوليا يمنع اللعب بالاستقرار الداخلي اللبناني، الأمر الذي لن يسمح بتحريك أي عنصر من العناصر المتفجرة سواء عبر داعش أو غيره».

وتقف نايا غصن (28 عاما) وهي مسيحية محايدة سياسيا، مترددة بإبداء موقف واضح من «داعش»، ففي بادئ الأمر «لم يكن يعنيني الموضوع كثيرا وكنت مقتنعة بأن هناك من يسعى لإعطاء حجم للتنظيم أكثر مما هو عليه للقول بأن بديل الأنظمة العربية القائمة أنظمة متطرفة وعناصر تكفيرية»، وتضيف: «لكنني اليوم ومع قيام دولة الخلافة التي لا تبعد إلا عشرات الكيلومترات عنا، بت أخاف من وصول هذه العناصر إلينا، خاصة أن المجتمع الدولي الذي كنا نعوّل عليه يبدو غير معني بما يحصل وهو قد يظل كذلك حتى ولو قُتلنا وشردنا من أرضنا».

وتأسف غصن لأن «تنامي الإرهاب في المنطقة بات يعطي مبررا لقتال حزب الله في سوريا وحتى لحمله السلاح في لبنان».

وتقول سوسن نور الله، وهي سنية مؤيدة لقوى 14 آذار: «أنا غير مقتنعة بتواجد داعش في لبنان بالحجم الذي يسعى حزب الله ووسائل إعلامه لتظهيره، فهم بالنسبة لي ليسوا أكثر من لعبة مخابراتية وُجدت لتخويف الناس من الثورة السورية وإعطاء حجة للنظام السوري ليبرهن أنه يحارب الإرهاب وأن لا بديل عنه سوى التطرف».

وتعد نور الله أن الدليل الذي يقوي موقفها هو أن «النظام السوري الذي كان ولا يزال يسجن مثقفين سوريين أصدر عفوا عن أغلب المتطرفين المتواجدين في السجون ليتحولوا لمحاربين في جبهة النصرة وداعش».

ويُخالف محمد علوش، وهو شيعي مؤيد لحزب الله، موقف نور الله لجهة أن داعش ليس إلا صنيعة أجهزة مخابرات، عادا أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ومثيلاتها «تحركهم أحقاد دينية قديمة وحلم بدولة إسلامية تتبع تعاليمهم المتشددة».

ويرى علوش أن «ما أوجد هذه الحركات في هذه الفترة هو حال التخبط الذي تعيشه المنطقة، مما جعل هؤلاء يستفيدون من كل ما جرى ويجري بهدف تحقيق أهداف مشغليهم أولا وأهدافهم الخاصة ثانية». ولا يستبعد الشاب العشريني أن «نصل لمرحلة يتخلى هؤلاء عن مشغليهم لأنهم باتوا يملكون من الأموال ما يكفي لتمويل مخططهم، وهذا ما يثير تخوفنا لأن حلمهم هو إنشاء دولة خاصة ظهرت ملامحها في العراق وسوريا ورأينا كيف ستكون الحياة فيها». ويضيف علوش: «لست خائفا لأنني على ثقة بأننا في لبنان مختلفون عن العراق وسوريا ونحن قادرون على حماية أنفسنا في ظل ما يتحضر لنا، وما توجه حزب الله لسوريا سوى جزء من عملية الدفاع هذه».

وكان «داعش» تبنى عبر موقع «تويتر» عملية تفجير انتحاري نفسه برجال الأمن اللبناني خلال عملية اقتحام لفندق في بيروت كان يتواجد فيه مع انتحاري آخر تم إلقاء القبض عليه نهاية الشهر الماضي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.