إسرائيل تخيّر {حماس} بين وقف الطائرات الحارقة والحرب

ضغوط متزايدة ورسائل متعددة... والحركة تبلغ مصر خفض إطلاقها تدريجياً

TT

إسرائيل تخيّر {حماس} بين وقف الطائرات الحارقة والحرب

وضعت إسرائيل حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، أمام خيار واحد فقط، وهو وقف الطائرات الورقية الحارقة أو جولة حرب جديدة قد تشمل احتلال القطاع.
وقال وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال زيارته تدريبا عسكريا يحاكي حربا محتملة على القطاع: «نحن جاهزون لهزيمة أي عدو». مضيفا من على مقربة من القطاع: «الجيش الإسرائيلي يعلم ما عليه فعله، وكيف عليه فعله، ومتى».
وأردف ليبرمان في رسالة واضحة لحماس: «نحن سوف نحدد قواعد اللعبة، ولا أحد غيرنا»، فيما بدا ردا على تصريحات رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، الذي قال، أثناء مواجهات السبت، إن فصائل المقاومة هي التي تحدد قواعد اللعبة.
وجاءت تصريحات ليبرمان في خضم تدريب أطلقه الجيش الإسرائيلي يحاكي عملية برية في قطاع غزة، تشمل السيطرة على مدينة غزة.
ويجري التدريب، في منطقة النقب، ويشارك فيه سلاح المشاة والمدرعات، وشمل تدريبات على القتال بين البيوت.
ويتضح من الطريقة التي دعا فيها الجيش الإسرائيلي وسائل الإعلام لتوثيق التدريب، بأنه يهدف إلى توصيل رسالة إلى حماس، بأن إسرائيل جاهزة لاتخاذ خطوات خطيرة في حال الضرورة.
وتحمل هذه المناورات اسم «بوابات الفولاذ». وقال ضابط كبير في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، شارك في المناورات، لصحيفة «يسرائيل هيوم»: «هل سنذهب للحرب بسبب الطائرات الورقية والحرائق؟ على ما يبدو لا، نحن لا نريد الحرب. الوضع المرغوب فيه هو ألا تكون هناك طائرات ورقية، ولا تكون مروحيات صغيرة ولا بالونات، نحن نعلن بأننا غير مستعدين لتقبل هذا الوضع وسنقوم بتكثيف ردودنا في كل مرة، حتى يتوقف ذلك، لكن أنا أستعد لذلك وكأنه سيحدث صباح الغد». وبموازاة هذه التدريبات، نشر الجيش الإسرائيلي في الجنوب مزيدا من بطاريات «القبة الحديدية» المخصصة لمواجهة وإسقاط أي صواريخ تطلق من قطاع غزة.
وجاء تهديد ليبرمان، بعد قليل من اتخاذه قرارا، حوّل الحصار الإسرائيلي إلى أشد وأقسى خلال الـ11 عاما الماضية، بإغلاقه معبر كرم أبو سالم بشكل تام، ووقف إمداد غزة بالوقود لفترة محددة، والتوقف عن نقل الغذاء والدواء إلا بتصاريح خاصة، وتقليص مساحة الصيد من 6 أميال إلى 3 أميال.
وقال مكتب وزير الجيش إنه «في ضوء المحاولات المستمرة من قبل منظمة حماس الإرهابية، قرر الوزير، بعد التشاور مع رئيس الأركان العامة، إغلاق معبر كرم أبو سالم بوجه شاحنات الوقود والغاز حتى يوم الأحد المقبل. وسيواصل المعبر إدخال السلع الغذائية والأدوية التي سيسمح بها بشكل خاص».
وتضاف التقييدات الجديدة إلى التقييدات التي فرضتها إسرائيل في الأسبوع الماضي، عندما أوقفت صادرات المنتجات من غزة، ومنعت دخول معظم المنتجات إلى القطاع. وقال الجيش إن الإغلاق سوف يستمر ما دام الفلسطينيون يتابعون إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة باتجاه إسرائيل.
ولم تحدد هدنة رعتها مصر السبت الماضي مصير هذه الطائرات، التي أصبحت تهدد بانهيار شامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وجر المنطقة إلى حرب وشيكة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه لن يسمح باستمرار إطلاق الطائرات في ظل اتفاق وقف النار، وردت حماس بأن ذلك غير مشمول في الهدنة.
لكن رسائل إسرائيل الصارمة، وأخرى من مصر ومن مبعوث الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط» نيكولاي ميلادينوف، لحماس، كانت واضحة ومختصرة ومحددة، «إن استمرار إطلاق الطائرات الحارقة سيعني حربا مدمرة».
واخترع الفلسطينيون الطائرات الحارقة مع بدء مسيرات العودة في نهاية مارس (آذار) الماضي، وتسببوا في إحراق نحو 30 ألف دونم لمزارعين إسرائيليين في محيط قطاع غزة. وحاولت إسرائيل وقف هذه الظاهرة لكن من دون جدوى، ثم أعلنت في جولة التصعيد الأخيرة يوم السبت الماضي، أن وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يشمل هذه الطائرات وإلا فلا. وفي اجتماع للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر «الكابنيت» اتفقوا على استهداف ووقف إطلاق الطائرات مهما كلف الثمن.
وفي محاولة لتجنيب غزة حربا جديدة بسبب هذه الطائرات، ضغطت القاهرة على حركة حماس، وأمهلتها أياما كي تنهي أو تخفف بصورة ملحوظة ظاهرة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، التي تطلق من قطاع غزة نحو المناطق الإسرائيلية المحاذية.
وبحسب تقرير نشره موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن حركة حماس استجابت، وأبلغت جهاز المخابرات المصرية بأنها تعمل فعلا على خفض عدد البالونات المشتعلة التي ترسل إلى إسرائيل، لكنها غير قادرة على إيقاف ذلك دفعة واحدة. وقال مصدر في قطاع غزة للصحيفة، إن حماس لا تستطيع وقف إرسال البالونات الحارقة دفعه واحدة، لأن هذا سيمس بصورتها ومكانتها أمام أهالي القطاع ومؤيديها عموما، ولذلك فإنها ستقوم بهذا تدريجيا.
وبالفعل، لوحظ خفض واضح في عدد الطائرات والبالونات المشتعلة التي أطلقت من غزة، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بعد إعلان التهدئة بين حماس وإسرائيل.
وجاء الموقف المصري أيضا، متوافقا مع موقف ميلادينوف، الذي حذر حماس من حرب مدمرة بسبب الطائرات، وترافق مع غلق مصر معبر رفح البري مع غزة. وربطت وسائل إعلام إسرائيلية بين الإجراء المصري ومحاولة زيادة الضغط على حماس. لكن مصدرا مصريا شديد الاطلاع على ملف العلاقات المصرية مع فلسطين وإسرائيل، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطرف الإسرائيلي يحاول وضع القاهرة تحت الاختبار عن طريق إغلاق معبر كرم أبو سالم، رغم ما يمثله من خسائر اقتصادية فادحة لتل أبيب، وذلك بهدف دفع مصر لفتح دائم لمعبر رفح».
وأضاف المصدر: «لن نتوقف طويلاً أمام ما إذا كان إغلاق معبر رفح أول من أمس، لأسباب فنية وتقنية، غير أن القاهرة أرادت إبلاغ رسالة، بأنها تقدم تسهيلات إجرائية فيما يخص الحركة في المعبر، لكن دون أن يمثل ذلك ضغطاً على قرارها في حركة فتحه وإغلاقه». وتابع المصدر أن ميلادينوف والأطراف الأخرى المعنية، تلقت الرسالة المصرية، بضرورة الانتباه إلى أن القرار الخاص بمعبر رفح، هو قرار مصري خالص.
وأوضح المصدر أن القاهرة تدرك أن «التفاهمات المصاحبة للتهدئة والهدنة في قطاع غزة بين حماس وإسرائيل، ليست متماسكة أو مستمرة، وأنها ستكون مصحوبة بتحديات عدة».
وتابع أن «مصر ستتواصل خلال الأيام العشرة المقبلة، مع حركة فتح للحصول على إجابات بشأن ما طرحه وفد حركة حماس، الذي عقد جلسة مباحثات مع مسؤولي المخابرات المصرية، نهاية الأسبوع الماضي، وفي أعقاب ذلك سيتم ترتيب لقاء ثلاثي يضم ممثلين عن حركات (الجهاد الإسلامي، وفتح، وحماس)». واستكمل: «القاهرة ستقدم تسهيلات لقطاع غزة، لكن دون أن يمثل ذلك ضغطاً على القرار المصري بأي حال».
ولم تعقب حماس على الضغوط التي تمارس عليها بشأن الطائرات الورقية، لكنها حذرت من «التداعيات الخطيرة» لقرارات إسرائيل الأخيرة.
وقالت حماس إن «إغلاق الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم وحرمان غزة من أبسط مستلزمات ومتطلبات الحياة، جريمة ضد الإنسانية، تضاف إلى جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وأهلنا في القطاع». وأضافت: «هذه الإجراءات الانتقامية تعكس حجم الظلم وبشاعة الجريمة التي تتعرض لها غزة، التي سيكون لها تداعيات خطيرة يتحمل مسؤوليتها الاحتلال الإسرائيلي».
وفي موقف مماثل، حذرت حركة الجهاد الإسلامي من أن زيادة الضغط على غزة سيأخذ المنطقة إلى «حافة الانفجار».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.