لم يكن جديدا، تصاعد الجدل حول جدولة الدوري السعودي للمحترفين على الأقل بالنسبة للمتعمقين في أروقة «لجنة المسابقات التابعة لاتحاد الكرة السعودي» في سنوات مضت لأن المدرك الفطن كان يعرف أن الجدول قبل التعديل والجدول بعد التعديل ما هو إلا امتداد لعشرات من الجداول الكروية التي كان عليها مئات علامات الاستفهام من جانب معظم المنتمين للوسط الرياضي السعودي.
قبل انطلاق كأس العالم التي انتهت مؤخرا في روسيا وشارك فيها المنتخب السعودي في دور المجموعات تعالت أصوات معترضين على سوء جدولة الدوري السعودي بسبب قيام لجنة المسابقات بوضع خمس مباريات متتالية لفريق الهلال على ملعبه وتمثل هذه المباريات الخمس ختاما للأزرق في الدوري السعودي للمحترفين بينما وضعت للاتحاد 4 مباريات متتالية ثم ثلاث مواجهات متتالية على أرضه وكذلك فعلت مع النصر مرتين متتاليتين إذ كان مفترضا أن يلعب 3 مباريات متتالية مرتين وكذلك الحال للأهلي الذي كان سيلعب أربع مباريات متتالية على أرضه مقابل 3 مباريات متتالية لفريق الوحدة على أرضه.
ثار الجدل الذي كان عاليا للمرة الأولى ليواجه بتغريدة من رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة تركي آل الشيخ ينصح فيها مسؤولي اتحاد الكرة بمراجعة الجدول علما بأن في ذات الفترة كانت هناك تصريحات من اتحاد الكرة عبر بعض مسؤوليه يشيرون إلى أن الجدول وضع عبر نظام مبرمج من شركة بريطانية متخصصة وهي التي تعمل روزنامة الدوري الإنجليزي لكن هذا التصريح لم يكن مقبولا قياسا برد الفعل الإيجابي الجماهيري تجاه تغريدة «المستشار» تركي آل الشيخ إذ تبدد القلق في نفوسهم جراء هذه التطمينات.
مضى بعد ذلك أربعة أسابيع من هذه الضجة الطبيعية وفور انتهاء مشوار الأخضر السعودي في كأس العالم عادت نغمة جدول دوري المحترفين من جديد على مواقع التواصل الاجتماعي ليصدر اتحاد الكرة المحلي جدولا معدلا لكن الجدل تواصل بسبب عدم معالجة خوض الهلال لـ8 مباريات عصرا مقابل 4 للأندية المنافسة مثل النصر والأهلي والاتحاد مع العلم أن أندية أحد والتعاون والرائد تخوض ما بين 8 إلى 9 مباريات عصرا لكنها ليست في دائرة الجدل بسبب «ضعف تأثيرها الجماهيري».
ولم يتوقف الأمر عن ذلك بل إن نادي الهلال سيخوض ثلاث مباريات متتالية على أرضه مرتين كما سيخوض النصر أربع مباريات على أرضه مرة والحال ذاته لفريق الاتحاد الذي سيلعب أربع مباريات على أرضه فيما سيلعب الأهلي ثلاث مرات متتالية على أرضه.
حتى هذه اللحظة لا يمكن تصور الإشكاليات التي يعاني منها اتحاد الكرة في الجدولين المتتاليين اللذين أصدرهما مرتين خلال شهر بل يكمن في أخطاء بدائية وغريبة وأمامها آلاف علامات الاستفهام على جداول دوري المحترفين السعودي منذ سنوات طويلة وربما عقود دون أن يشعر أحد.
السؤال الذي يفرض نفسه هل ما يحدث في الدوري السعودي للمحترفين يحدث في الدوريات الوطنية العالمية مثل الإسباني والإيطالي والإنجليزي كنماذج ذات قيمة عالية في العمل الاحترافي وكنماذج في الحياد والعدالة التي تعودها المنتمون في تلك المسابقات الكروية الوطنية.
«الشرق الأوسط» قامت بالبحث في جدولة هذه الدوريات الوطنية العالمية فلاحظت غياب مثل هذه الأخطاء والسلوكيات الغريبة التي تثير الأسئلة لدى المنتمين للوسط الرياضي سواء في مسابقاتهم الكروية العالمية أو في الدوري السعودي حينما يكون الأمر متعلقا به.
الدوري الإسباني من خلال الجدول الصادر الموسم الماضي لم يكن هناك ميل لناد على حساب آخر أو حتى مجموعة أندية على حساب أخرى وحتى حين مراجعة مباريات الناديين العملاقين برشلونة وريال مدريد لن تجد مثل هذه الأخطاء فالمباريات المتكررة على أرضهما أو خارجه لن تزيد عن مباراتين على الإطلاق مع وجود مرة واحدة ثلاث مباريات داخل وخارج الأرض بالنسبة لاتلتيكو مدريد لكن أندية الريال وبرشلونة وفالنسيا لم تعان من هذه الإشكالية على الإطلاق.
الأمر ذاته ينطبق على الدوري الإيطالي في موسمه الماضي إذ كانت الأندية تخوض مباراتين متتاليتين على أراضيها مقابل مباراتين خارج أراضيها وحدثت مرة واحدة لإنتر ميلان أن لعب 3 مباريات خارج أرضه.
أما الدوري الإنجليزي لكرة القدم فالأمر ذاته ينطبق على أنديته مثل مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وآرسنال وتوتنهام وتشلسي وليفربول إذ لا يوجد أكثر من مباراتين خارج أرض الفريق أو داخل أرضه... فأين المشكلة هنا.
بعد المراجعة لجدول الدوري السعودي للمحترفين منذ عام 2013 وحتى جدول ما بعد التعديل لهذا الموسم بدا واضحا أن العملية فوضوية ومثيرة للاستغراب من جانب المسؤولين في لجنة المسابقات في الاتحاد السعودي لكرة القدم.
ولنبدأ كمثال في جدول الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم في موسم 2013 سنجد مثلا أن الهلال لعب 5 مباريات متتالية على أرضه ثم 3 مباريات متتالية على أرضه في المقابل لعب النصر 6 مباريات متتالية على أرضه ثم ثلاث مباريات متتالية مع العلم أنه لعب ثلاث مباريات متتالية خارج أرضه مرتين أمام الأهلي فقد اضطر لخوض أربع مباريات متتالية على أرضه والحال ذاته لفريق الاتحاد علما بأن فريقي الأهلي والاتحاد تعرضا لحالة من اللاعدالة بخوض أغلب مبارياتهما في هذا الموسم خارج أرضهما في جدة بسبب مشاكل الملاعب فيها في تلك الفترة.
وللتأكيد فقط فإن سبب خوض المباريات الخمس للهلال والست للنصر بشكل متتالٍ على أرضهما يعود لقصص نقل المباريات الغريبة التي كان يجب أن تكون في ذهنية لجنة المسابقات ولكن ذلك فات عليها وللأسف.
وحين مراجعة جدول الدوري السعودي لموسم 2014 وجدنا أن الهلال خاض 6 مباريات متتالية على أرضه فيما خاض النصر 4 مباريات متتالية على أرضه وكانت الأخيرة أمام التعاون حيث المباراة الشهيرة التي نقلت من بريدة بحجة «الشرخ» في ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية ببريدة في تلك الفترة.
أما الأهلي فخاض أربع مباريات متتالية خارج أرضه واضطر لخوض بعض المباريات خارج أرضه بسبب سوء الملاعب في تلك الفترة في جدة علما بأن الاتحاد خاض كافة مباريات هذا الموسم خارج جدة وهذا أمر بالتأكيد لا يحقق العدالة مع الأندية الأخرى.
أما جدول الدوري السعودي لموسم 2015 فقد لعب الهلال 3 مباريات على أرضه ثم ثلاث مباريات متتالية أخرى على أرضه كما لعب أربع مباريات متتالية خارج أرضه مقابل خوض النصر 3 مباريات متتالية على أرضه وكذلك الحال للأهلي الذي لعب ثلاث مباريات متتالية على أرضه في ختام موسم 2015.
واستمرت هذه الإشكاليات في موسم 2016 إذ خاض الهلال كمثال خمس مباريات متتالية على أرضه وفي المقابل خاض النصر 3 مباريات متتالية على أرضه بينما خاض الأهلي ثلاث مباريات متتالية لمرتين متفاوتتين فيما لم يحظَ الاتحاد بمثل هذه الأفضليات للأندية الثلاثة المذكورة.
وفي موسم 2017 خاض الهلال 3 مباريات متتالية على أرضه كما خاض الاتحاد ثلاث مباريات متتالية على أرضه ثم خمس مباريات متتالية على أرضه مع العلم أنه لعب أول ثلاث مباريات متتالية في الدوري خارج أرضه والحال ذاته للأهلي علما بأن الأهلي لعب أربع مباريات متتالية على أرضه لاحقا.
الطريف في الأمر أن لجنة المسابقات أكدت أنها استعانت بشركة «أوتس» العالمية لتنظيم جدول الدوري السعودي للمحترفين، وهذه الشركة تعمل على إعداد مباريات الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وفق أفضل الممارسات العالمية بتقنية عالية عبر برامج إلكترونية تستخدم للمرة الأولى في تنظيم مباريات السعودي. واللافت أن الانتقادات طالت المهندس غلين طومسون الخبير الإنجليزي من شركة «أوتس» العالمية الذي استعان به الاتحاد السعودي لكرة القدم.
ويعتبر طومسون «بحسب ما تردد» المسؤول الأول عن جدولة مباريات الدوري الإنجليزي في الـ25 سنة الماضية، وتساءل النقاد الرياضيون عن جدوى فائدة هذه الشركة في ظل الأخطاء المتكررة في الجدول سواءً في طريقة توزيع المباريات أو في توقيتها، حيث تضررت خمسة أندية من الجدولة قبل تعديلها.
ولعل الغريب في الأمر أن طومسون لم يقم بوضع الجدولة في الدوري السعودي كما هي في الدوري الإنجليزي الذي لا يخوض أي فريق أكثر من مباراتين متتاليتين على أرضه في موسمين متتاليين بينما نجد ذلك بشكل كبير في هذا الموسم وبشكل لافت وغريب في مواسم أخرى سابقة.
ختاما، كل الاعتراضات والملاسنات التي شهدها التواصل الاجتماعي ضد تتالي المباريات على أرض الفريق أو خارجه أو توقيتها أو حتى عدم توقف الدوري أثناء كأس أمم آسيا كحال الدوريات الوطنية الكبرى تبدو طبيعية جدا في ظل أن العمل العشوائي وغير المدروس هو أسلوب لجنة المسابقات ليس الآن فقط بل منذ عقود من الزمن.
فوضى الجدولة... صداع مزمن في رأس الدوري السعودي
مقارنة بـ 3 من أقوى دوريات أوروبا كشفت الخلل الكبير «محلياً»
فوضى الجدولة... صداع مزمن في رأس الدوري السعودي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة