أفورقي ينهي 20 عاماً من الخصومة بزيارة تاريخية إلى إثيوبيا

استقبال رسمي وشعبي حافل للرئيس الإريتري

أفورقي يزور برفقة أبي أحمد منطقة هواسا الصناعية في إثيوبيا (وكالة الأنباء الأثيوبية)
أفورقي يزور برفقة أبي أحمد منطقة هواسا الصناعية في إثيوبيا (وكالة الأنباء الأثيوبية)
TT

أفورقي ينهي 20 عاماً من الخصومة بزيارة تاريخية إلى إثيوبيا

أفورقي يزور برفقة أبي أحمد منطقة هواسا الصناعية في إثيوبيا (وكالة الأنباء الأثيوبية)
أفورقي يزور برفقة أبي أحمد منطقة هواسا الصناعية في إثيوبيا (وكالة الأنباء الأثيوبية)

اعتبر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي بدأ أمس، زيارة تاريخية إلى إثيوبيا، بعد أقل من أسبوع على إعلان الدولتين انتهاء نزاع استمر عقدين من الزمن، أن صفحة جديدة في العلاقات فتحت مع إثيوبيا، كما تعهد بحل الخلافات العالقة معها. وحظي أفورقي باستقبال رسمي وشعبي حافل، حيث كان في استقباله في المطار رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد، وعزفت ثلاث فرق موسيقية على جانب السجاد الأحمر وأدى راقصون رقصات تقليدية. وتلقى أفورقي هدية مفاجئة عبارة عن حصان ودرع ورمح من ليما ميجرسا رئيس إقليم أوروميا، في إشارة إلى أكثر الممتلكات الثمينة للإقليم، بينما اصطف آلاف الإثيوبيين على طريق المطار الرئيسي رافعين سعف النخيل مرتدين أوشحة بيضاء، ورفرفت الأعلام الإثيوبية والإريترية جنباً إلى جانب في شوارع العاصمة. واحتشد الآلاف على طريق (بولي رود) الرئيسي في أديس أبابا مرتدين قمصانا مزينة بصورتي الزعيمين، كما ارتفعت أعلام البلدين على أعمدة الإنارة ولوح البعض بأعلام إريترية ضخمة.
وقال أفورقي في كلمة ألقاها خلال مراسم استقباله الرسمية في القصر الحكومي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا: «نحن شعب واحد، والذين يصوروننا كأننا شعبين يعتبرون جاهلين من الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس». وأعرب عن تقديره للترحيب الحار من الإثيوبيين، لافتا إلى أنه يتعين على العالم أن يلاحظ أن صفحة جديدة من التاريخ يحدث بين بلدينا وشعبنا، مضيفا: «إن التاريخ يُصنع الآن». ورأى أفورقي أن مشاعر السعادة والحب بين الناس حقيقية، لكنه عبر عن حزنه على الشهداء الذين لم يتمكنوا من رؤية الإنجاز المثمر لإثيوبيا وإريتريا، وقال إننا «محظوظون جميعا لأننا قادرون على رؤية هذا الإنجاز. نحن نؤمن بأن مستقبل علاقات البلدين مشرقة وناجحة، ومن الواضح أنه مثالي للعالم بأسره».
وتبادل أبي وأفورقي العناق في غداء رسمي، حيث قال الزعيم الإثيوبي إن نظيره «يحظى بمحبة واحترام الشعب الإثيوبي الذي يفتقده».
واعتبرت وكالة «الأنباء الإثيوبية» الرسمية أن هذه العلاقة تبرز فصلاً جديداً من السلام والأمل والرخاء الاقتصادي، وتنهي الحرب التي كان لها أثر مدمر على مدار العقدين الماضيين.
وزار أفورقي، الذي سيقام عشاء رسمي على شرفه اليوم، منطقة هواسا الصناعية، وقالت الوكالة الرسمية إن أكثر من خمسين ألفا من سكان المدينة كانوا مستعدين للترحيب الحار به، كما ينتظر أن يدشن إعادة فتح السفارة الإريترية ضمن برنامج يؤكد أهمية استعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
وتأتي زيارة أفورقي، بعد خمسة أيام فقط على زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى إريتريا في إطار عملية سلام تهدف إلى إنهاء سنوات من العداء والنزاع بين الجارين اللذين كانا يشكلان دولة واحدة. وبينما قال وزير الإعلام الإريتري يماني جبر مسكيل إن زيارة أفورقي «تهدف إلى توطيد مبادرة السلام والتعاون التي قام بها الزعيمان»، كتب مدير مكتب أبي فيتسوم أريجا على «تويتر»: «أهلا بك في بلادك سيدي الرئيس أسياس».
ويقول المحللون إن التقارب «السريع والمذهل» لم يكن ممكنا إلا بوصول أبي إلى منصبه في أبريل (نيسان) الماضي، حيث أعلن في إطار إصلاح العلاقات، التزامه بقرار أصدرته في 2002 لجنة تدعمها الأمم المتحدة حول ترسيم الحدود بين البلدين وإعادة منطقة حدودية إلى إريتريا، ضمنها بلدة بادمي. ثم قام بزيارة تاريخية إلى إريتريا أعلن خلالها الزعيمان إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية المقطوعة، ما يعود بفوائد جمة للدولتين ومنطقة القرن الأفريقي التي ترزح تحت الفقر وأعمال العنف. كما أعيد في وقت سابق من هذا الأسبوع العمل بالاتصالات الهاتفية بين البلدين للمرة الأولى منذ عقدين، على أن تستأنف الرحلات الجوية بينهما يوم الأربعاء المقبل، بعدما أعلنت الخطوط الجوية الإثيوبية بالفعل أنها ستبدأ أولى رحلاتها الجوية إلى العاصمة الإريترية أسمرة منذ 20 عاماً.
وإثيوبيا وإريتريا من أفقر البلدان الأفريقية، لكن إثيوبيا حققت نموا اقتصاديا فاق 10 في المائة في السنوات الأخيرة، وهي تسعى إلى خيارات أكبر لوارداتها وصادراتها عبر مرافئ في الصومال وإريتريا. أما إريتريا فيحكمها أفورقي منذ عام 1993 وتعد من البلدان الأكثر عزلة وقمعا في العالم، وهي تبرر سجن معارضين والتجنيد الإلزامي إلى ما لا نهاية بضرورة الدفاع عن النفس في مواجهة إثيوبيا، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة أشبه بالعبودية. واعتبرت منظمة العفو الدولية أن السلام الجديد يجب أن يكون حافزا للتغيير في إريتريا حيث آلاف الأشخاص ومنهم نشطاء حقوقيون وسياسيون معارضون «يقبعون في مراكز اعتقال لمجرد تعبيرهم عن آرائهم»، ودعت أيضا إلى إنهاء التجنيد الإجباري الذي يعد سببا رئيسيا لمغادرة مئات آلاف الإريتريين بلادهم. وقال سيف مغنغو نائب مدير المنظمة عن المنطقة «إن انتهاء العداء مع إثيوبيا لحظة فرح للإريتريين، لكن يجب أن تعقبها إصلاحات ملموسة تحدث فرقا حقيقيا في حياة الناس، وإنهاء عقود من القمع في البلاد». وتابع أن إريتريا هي أكبر سجن للصحافيين في القارة، وأن وسيلة الإعلام المستقلة الأخيرة لديها أغلقت قبل 17 عاماً.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.