جعل المنتخب الإنجليزي الشاب والجريء الذي شارك في نهائيات مونديال روسيا، الملايين من مشجعيه يؤمنون باحتمال عودة الكأس الذهبية إلى بلادهم مهد كرة القدم، بيد أن الإخفاق الذي رافق منتخب «الأسود الثلاثة» في النسخ السابقة عاد ليقض مضجعهم، بعدما فشلوا في بلوغ النهائي للمرة الثانية في تاريخهم والأولى منذ 52 عاما.
كانت الأمسية الطويلة التي انتهت بخسارة إنجلترا أمام كرواتيا 1 - 2 بعد وقت إضافي، قد بدأت بشكل مثالي لمنتخب «الأسود الثلاثة» بعدما منحهم كيران تريبير هدف السبق من ركلة حرة مباشرة بعد مرور خمس دقائق فقط، رافعا عدد الأهداف التي سجلها المنتخب الإنجليزي في المونديال الروسي إلى 12 هدفا، أتت تسعة منها من ركلات ثابتة.
وكانت الركلات الثابتة جزءا من تفاصيل دقيقة اعتمد عليها المدرب غاريث ساوثغيت، ساهمت في بلوغ المنتخب الإنجليزي الدور نصف النهائي للمرة الأولى منذ 28 عاما، بالاعتماد على منتخب شاب لم يكن الكثير من لاعبيه قد ولدوا بعد يوم خسرت إنجلترا أمام ألمانية الغربية بركلات الترجيح في نصف نهائي مونديال 1990. في آخر ظهور لها في دور الأربعة.
وبعد سقوطه على أعتاب المباراة النهائية، يتعين على المنتخب الإنجليزي الاستعداد لمباراة المركز الثالث (أمام بلجيكا) «التي لا يرغب أحد في خوضها»، حسب تعبير المدير الفني غاريث ساوثغيت.
وقال ساوثغيت: «إنها المباراة التي لا يرغب أحد في خوضها، لدينا يومان للاستعداد ونرغب في اللعب بفخر كبير».
وتابع قائلا: «في كل مرة نرتدي فيها هذا القميص نشعر برغبة في اللعب بشكل جيد وتحقيق الفوز، سيكون تحديا صعبا في الحقيقة».
ومن جانبه، أكد المدافع هاري ماغواير أنه سيجد صعوبة للتعافي من صدمة الإخفاق في الوصول لنهائي المونديال، حيث قال: «الناس لديها آراء مختلفة عن مباراة المركزين الثالث والرابع، احتفظ برأيي في هذا الصدد».
وأضاف: «عندما تخسر في نصف النهائي فيكون التحضير للمباراة المقبلة هو أصعب شيء، وخاصة في يومين، ستكون مباراة صعبة، لا أشك في هذا».
وقال لاعب وسط المنتخب الإنجليزي إريك داير: «علينا أن نستعد بأفضل طريقة ممكنة والاستمتاع بالمباراة».
وبعد يوم واحد من مباراة إنجلترا وبلجيكا في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، تلتقي كرواتيا مع فرنسا في ملعب لوجنيكي بالعاصمة الروسية موسكو في المباراة النهائية للمونديال.
لقد كشفت كرواتيا نقاط الضعف في الفريق الإنجليزي وعدم وجود اللاعب المبدع في خط وسطه الذي تفكك تحت الضغط وبات دوره هو إبعاد الخطر بدلا من بناء الهجمات.
وقال فرساليكو ظهير كرواتيا: «النظرة العامة كانت أن إنجلترا الجديدة غيرت أسلوبها في إرسال التمريرات الطويلة لكن عندما ضغطنا عليها وضح أن ذلك لم يحدث».
وعندما سارت الأمور لصالح كرواتيا التي تملك كفاءة مودريتش وراكيتيتش في خط الوسط، كان رد ساوثغيت الوحيد هو إشراك ماركوس راشفورد بدلا من سترلينغ والحفاظ على الخطة ذاتها لكنه فشل في إيقاف سيطرة المنافس.
ولم تكن مشكلة افتقار إنجلترا للاعب الوسط المبدع جديدة وتوصل ساوثغيت إلى نظام يكمن في عمل ازدحام بمنطقة المناورات يعوض نقطة الضعف.
وسينكب ساوثغيت على محاولة معرفة النقاط التي يمكن تحسينها في صفوف فريقه وتحديدا في صناعة اللعب من اللعب المفتوح والهجمات المنظمة، ليبني على التطور الذي شهده فريقه الشاب في الأسابيع الأربعة الماضية، ليس من أجل مباراة المركز الثالث، بل للاستعداد لكأس أوروبا 2020، علما بأن الدورين نصف النهائي والنهائي من البطولة القارية سيقامان على ملعب ويمبلي اللندني.
لكن مما لاشك فيه أن الفريق الإنجليزي جنى ثمار استقرار الأجهزة الفنية وتحول ساوثغيت من قطاعات الناشئين إلى منصب الرجل الأول.
وفي عام استثنائي لمنتخبات الشباب في البلاد حيث فازت إنجلترا بكأس العالم تحت 20 عاما وكأس أوروبا تحت 17 و19 عاما، قاد ساوثغيت حركة التطوير في الفريق الأول وظهرت بوادر النجاح بوصول المنتخب إلى نصف نهائي المونديال الروسي.
وكان ساوثغيت تولى تدريب منتخب الشباب تحت 21 عاما، كما كان على رأس حملة أطلقت في 2014 لإحداث ثورة كروية في البلاد تحت شعار «الحمض النووي الإنجليزي».
والركن الأساسي لهذا النظام يتضمن تقديم هوية للمنتخبات الوطنية وتبني طريقة لعب محددة وفلسفة عامة للجميع.
وقال مات كروكر رئيس تطوير اللاعبين والمدربين باتحاد الكرة الإنجليزي إن القاعدة الأساسية: «الحمض النووي الإنجليزي» تتضمن ستة بنود أساسية لتسهيل نشر الفلسفة بين اللاعبين. هناك اتساق بين فرقنا واللاعبون أصبحوا أكثر ثقة لدى تحولهم للمنتخب الأول، أعتقد أن لدينا فريقا أكثر ترابط من أي وقت مضى».
وقال ساوثغيت بعد الهزيمة أمام كرواتيا: «التقدم الذي أحرزناه على مستوى الأداء والعمل الجماعي بات واضحا».
وأشار: «الفريق قليل الخبرة عليه أن يمر ببعض الأشياء لكي يصبح أفضل، لكي يصبح فريقا قادرا على الفوز، وهناك حواجز عليك أن تعبرها، لقد تجاوزنا الكثير من تلك الحواجز».
وأوضح: «منتخب إنجلترا يرغب في أن يصبح الفريق الذي يتجاوز دور الثمانية والدور قبل النهائي والمباراة النهائية، لقد أثبتنا لأنفسنا ولبلادنا أنه هذا الأمر يمكننا تحقيقه، ستكون هناك مؤشرات جديدة ومستوى للتوقعات، الكثير من لاعبينا وصلوا للساحة الدولية في سن صغيرة». ويقتسم المنتخب الإنجليزي مع نظيره الفرنسي المركز الثاني في قائمة الفرق الأصغر عمرا في المونديال.
وسيستفيد ساوثغيت ولاعبيه من الحشد الإعلامي والجماهيري الذي بات مساندا لهم على عكس المرات السابقة التي كان يتعرض فيها الفريق لانتقادات شرسة.
فقد خطف الفريق الشاب لساوثغيت، قلوب الإنجليز وتمكن من فك النحس حيث فاز للمرة الأولى في المونديال بركلات الترجيح ووصل للدور قبل النهائي للمرة الأولى منذ 1990.
واستمر الفرح بعدما سجل كيران تريبير هدف التقدم أمام المنتخب الكرواتي قبل أن تقلب الأخيرة النتيجة ويمكن رؤية الألم والفخر في عناوين الصحف الإنجليزية الصادرة أمس، حيث كتبت «ديلي ميل»: «أبطال فخورون بكم جميعا» تعليقا على صورة للاعبي المنتخب المكتئبين، بينما وصفت صحيفة «الغارديان» المباراة «نهاية الحلم».
وصرحت صحيفة «الصن»: «إنهم قادمون... ولكن كلهم أبطال» في إشارة إلى مقطع «الكأس عائد إلى البيت» من أغنية «الأسود الثلاثة» التي تغنيها الجماهير الإنجليزية.
ونشرت صحيفة «ديلي تلغراف» صورة لساوثغيت واللاعبين يواسون بعضهم البعض وكتبت «فخر الأسود» حيث صرحت الصحيفة «نعم، انتهى كل شيء بدموع. ولكنهم أعطونا شيئا نفخر به ووحدوا البلاد كلها».
ووصفت صحيفة «ذي ميرور» اللاعبين بأنهم «كنز وطني» في صفحتها الرياضية، وقالت «الغارديان»: «يستمر الألم» فوق صورة لماندزوكيتش يسجل هدف الفوز لمنتخب كرواتيا، فيما طالبت «تلغراف» أن يرفع اللاعبون رؤوسهم عاليا.
ووجه الأمير ويليام، الذي كان يرسل للفريق باستمرار رسائل تشجيعية، نفس النصيحة. وقال في تغريده صادرة من الحساب الرسمي لقصر كنسينغتون على موقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت «تويتر»: «أعلم كم هي كمية الإحباط التي يجب أن تشعر بها إنجلترا، ولكن لا يمكنني أن أكون أكثر فخرا بهذا الفريق ويجب أن ترفعوا رؤوسكم عاليا. لقد قدمتم بطولة كأس عالم مذهلة، صنعتم التاريخ، وأعطيتم الجماهير شيئا يؤمنون به. نعلم أن هناك المزيد سيأتي من هذا الفريق».
إنجلترا «الحزينة» فخورة بمنتخبها وتنتظر برونزية المركز الثالث
الفريق الشاب بقيادة المدرب ساوثغيت يتطلع للاستفادة من تجربة المونديال الروسي
إنجلترا «الحزينة» فخورة بمنتخبها وتنتظر برونزية المركز الثالث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة