لأول مرة يسمح لزوار المتاحف في لبنان بقلب المعادلة التي تمثلها عبارة «الرجاء ممنوع اللمس» إلى نقيضها من خلال مبادرة «أبواب... الرجاء اللمس». فهذا المشروع الذي أطلقته جمعية «ريد أوك» بالتعاون مع متحف «أوميرو» الإيطالي لذوي الحاجات البصرية الخاصة يشرك المكفوفين في تذوق الأعمال الفنية بطريقة تلائم متطلبات إعاقتهم. وبذلك سيتاح لهؤلاء زيارة 3 متاحف لبنانية بالمرحلة الأولى ويتلمسون القطع الفنية المعروضة فيها فيتعرفون إلى قيمتها الثقافية وتفاصيلها الدقيقة بعيدا عن حاسة البصر وقريبا من تلك المعروفة باللمس.
ويأتي «متحف بيروت الوطني» في مقدمة الذين تجاوبوا بسرعة مع هذا المشروع بعد أن وافق وزير الثقافة في لبنان دكتور غطاس خوري ومن دون تردد على إدراجه فيه. ولحق به كل من متحف «مقام» في جبيل و«متحف سرسق» في بيروت على أن ينضم إليهم في المستقبل القريب عدد لا يستهان به من المتاحف في لبنان والموزعة على مختلف مناطقه كطرابلس ودير القمر وجزين وبعلبك وغيرها في مرحلة لاحقة، على أن يدمج أيضا في متاحف قيد الإنشاء كمتحفي صيدا و«تاريخ بيروت».
«الفكرة راودتني في عام 2014 بعد قيامي بتجربة شخصية في هذا الخصوص عندما نفّذت عددا من أعمالي المنحوتة في الظلمة ومن ثم عرضتها أمام الناس في العتمة أيضا في معرض حمل عنوان (الرجاء اللمس)». تقول الفنانة التشكيلية نادين أبو زكي رئيسة جمعية «ريد أوك» في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «هذا الموضوع دفع بمتحف «أوميرو» الإيطالي في عام 2017 إلى الاتصال بي للمشاركة في كتاب كانوا يستعدون لنشره تحت عنوان «الفن المعاصر واكتشافه من خلال قيمة اللمس». وبعدها اقترحت على المسؤولين في المتحف المذكور إنجاز مشروع «الرجاء اللمس» في متاحف لبنان بالتعاون معهم وهو الأمر الذي ترجم على الأرض فعليا خلال مؤتمر صحافي عقد بهذا الهدف برعاية وزير الثقافة في لبنان دكتور غطاس خوري.
وتصف نادين أبو زكي بأن تجربتها في النحت وفي ظلمة مطبقة ومن ثم عرض قطعها الفنية في العتمة من دون أي إنارة، بأنها كانت غنية وقوية اكتشفت من خلالها أحاسيس فنية جديدة. وتوضح: «مع حاسة اللمس نختبر الأعمال الفنية بطريقة مغايرة تماما عن تلك العادية التي نشاهدها بصريا. فهناك إضافة إلى تحسس تفاصيل قد تغيب عن بصرنا أحيانا كثيرة قصة واضحة نقرأها بأيادينا ونستمتع في تفحص مواضيعها وقيمها التاريخية والثقافية معا». وبحسب أبو زكي فإن الاطلاع على محتويات متحف أو معرض بواسطة اللمس فقط يحفّز لدينا عمل حواس أخرى نتمتع بها قد يسرقها منا البصر أحيانا كثيرة.
«يمكن أن نفتقد نوعية الحجر الذي نشاهده وكمية المواد المستخدمة في إنجاز لوحة نافرة وكذلك إمكانية الغوص في عالم حالم نتحسسه لمسا فيغذي خيالنا».
ومن المتوقع أن تتاح هذه التجربة في المستقبل القريب أمام زوار عاديين لمتحف أو معرض ما، فيتسلمهم دليل سياحي، ويدلهم على الطريق الذي يجب أن يسلكوه بعد أن يغطوا عيونهم بقناع خاص فيمارسون تجربة فنية جديدة شبيهة بتلك التي يعيشها المكفوفون عادة فيتزودون بأحاسيس ومشاعر تشبه تلك التي تولد لديهم في ظروف زيارة مشابهة. «لقد رغبنا في مد جسر قوي ما بين تراثنا وذوي الحاجات البصرية، فهم أيضا لديهم الحق بالتعرف إليه عن قرب فيخزنون في ذاكرتهم معلومات جديدة عنه وعلى طريقتهم».
ومن المنتظر أن يتم إنجاز هذا المشروع على مراحل متعددة بحيث يختار كل متحف ينضوي تحت رايته، مجموعة من القطع الفنية التي يحتويها لتصبح بمتناول هؤلاء المكفوفين. ويمكن أيضا تنفيذ نسخ عن قطع ومنحوتات معينة كي لا تفقد من جودتها في حال ملامستها بشكل دائم. كما سيجري تخصيص فرق في هذه المتاحف تتألف من أدلاء سياحيين سبق وتدربوا على كيفية التعامل مع المكفوفين وقراءة أحرف «برايل» (اللغة الخاصة بالمكفوفين)، كي يتسنى تقديم المساعدة لهم على أكمل وجه. كما سيجري التعاون مع فنانين مكفوفين لعرض أعمالهم فيستفيدون من المشروع المذكور فعليا على الأرض بعد أن يتوجهوا به إلى الأشخاص العاديين والمكفوفين معا.
ومن المراحل التي تعول عليها جمعية «ريد أوك» آمالا كثيرة لنشر هذه الثقافة وتشجيعها، تلك التي ستطال تلامذة المدارس وطلاب الجامعات في لبنان. فتقام نشاطات ثقافية بالتعاون معهم من أجل تعزيز حاسة اللمس لديهم وتقدير حاسة البصر التي يتمتعون بها في الوقت نفسه.
يذكر أن جمعية «ريد أوك» تأسست في عام 2017 وهدفها تمكين الشباب اللبناني من بناء القدرات لديه في مجالات ثقافية وتعليمية وفنية ومسرحية وغيرها.
ويعد متحف «أوميرو» الإيطالي من الأماكن الثقافية القليلة المخصصة لذوي الحاجات البصرية الخاصة، وقد أسسه شخصان إيطاليان مكفوفان ويعتبر الوحيد من نوعه في إيطاليا الذي يعتمد زواره على حاسة اللمس للتعرف إلى القطع الفنية المعروضة فيه من حقبات يونانية ورومانية قديمة حتى المعاصرة منها. ويفتح هذا المتحف أبوابه أمام المكفوفين والأشخاص العاديين بحيث يضعون ضمادة على وجوههم ويقومون بزيارة المتحف مع اختصاصيين يعرفونهم بتاريخ القطعة التي يلمسونها وموضوعها. ومن المتوقع أن يبادر «متحف سرسق» في بيروت إلى اتباع الأسلوب نفسه مع زوار «قسم اللمس» لديهم بحيث يستحدثون قطعا فنية خاصة ترتكز على فن «با ريلييف» والرسم النافر لتفسير قصة كل لوحة معروضة. ويعد الفنان العالمي أندريا بوتشيللي أحد أشهر الأشخاص المكفوفين الذين يزورون هذا النوع من المتاحف باستمرار.
مبادرة «أبواب... الرجاء اللمس» تشرك المكفوفين في فعاليات ثقافية بلبنان
أطلقتها جمعية «ريد أوك» بالتعاون مع متحف «أوميرو» الإيطالي
مبادرة «أبواب... الرجاء اللمس» تشرك المكفوفين في فعاليات ثقافية بلبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة