احتاجت بلجيكا إلى إضافة القوة الذهنية إلى أسلحتها ليتمكن «الجيل الذهبي» من تقديم الروح القتالية المطلوبة ليعوض تأخره غير المتوقع بهدفين ويفوز 3 - 2 على اليابان، ليضرب موعدا مع البرازيل في دور الثمانية لبطولة كأس العالم.
ورغم أن ليس هناك أي شكوك حول جودة التشكيلة المليئة بالمواهب، فإن السؤال كان يتركز على ما إذا كانت تمتلك في المقابل رباطة جأش.
وأوحى الخروج أمام ويلز في دور الثمانية ببطولة أوروبا قبل عامين، رغم وجود كل هؤلاء النجوم، بأن هذه المجموعة ربما تكون هشة للغاية وهو انطباع تأكد في أول 60 دقيقة في ملعب روستوف - أون - حين بدا أن المنتخب البلجيكي لا يستطيع مجاراة اليابان خططيا.
لكن تغييرا مزدوجا في الدقيقة 65 رفع مستوى المنتخب البلجيكي وقاده لعودة لا تنسى من التأخر بهدفين إلى الفوز 3 – 2، متجنبا أن يكون في الجانب الخاسر، ما كانت ستصبح واحدة من أكبر مفاجآت كأس العالم.
وكان إشراك ناصر الشاذلي ومروان فيلايني قرارا بديهيا، وبينما لم يكن هناك أي عبقرية خططية من المدرب، فإن التغييرين أوضحا وفرة الموارد التي في حوزة روبرتو مارتينيز.
وساعد الاثنان بلجيكا على تحقيق فوزها المتأخر وأحرز الشاذلي هدف الانتصار في آخر لعبة بالمباراة تقريبا.
وتعين على المنتخب البلجيكي تحرير نفسه بعد أن استخدمت اليابان خطة بسيطة لكن تم تنفيذها بدقة شديدة. وجعل الضغط العالي الياباني من المستحيل تقريبا على مدافعي بلجيكا تمرير الكرة بصورة صحيحة وكان كيفن دي بروين، الذي كان يلعب أمام ثلاثي الدفاع مباشرة، متسرعا للغاية حتى إنه نادرا ما لمس الكرة. وتسبب ذلك في عدم إيصال الكرة بشكل صحيح للأمام وأصاب الفريق بأكمله بالاضطراب.
وأُحبطت سريعا خطة بلجيكا بإشراك ظهيرين مهاجمين ولم يستطع الاثنان التقدم بسبب الكرات الطويلة اليابانية المتكررة على الأطراف.
ونجح لاعبو اليابان بشكل واضح في تنفيذ المطلوب منهم، وبفضل بعض التمريرات الجيدة واللعب الحماسي، بدا المنتخب البلجيكي في موقف صعب.
لكن بمجرد دخول البديلين، أصبح دي بروين حرا في التقدم للأمام ووفر لبلجيكا السرعة في التحضير التي سمحت للفريق، بجانب تفوقه البدني، بشق طريقه بقوة نحو النصر في نهاية المطاف.
غير أن أكثر ما احتاجته بلجيكا هو القوة الذهنية وكانت هناك لحظات عقب تقدم اليابان 2 - صفر ظهرت فيها علامات على الانهيار، ما أوحى بتعثر بلجيكي آخر. وبجهد شديد وبفضل قوته الذهنية، يستطيع المنتخب البلجيكي الآن الإيمان بأن لديه فرصة حقيقية في الفوز على البرازيل والوصول للأسبوع الأخير في البطولة.
وقال مارتينيز مدرب بلجيكا: «عندما تلعب أمام البرازيل تحتاج إلى أن تدرك أنها تملك أقوى فريق في البطولة».
وأضاف المدرب الإسباني الذي وصف مواجهة البرازيل بأنها تمثل حلم الطفولة للاعبي كرة القدم: «يمكن أن نستمتع بالأمر من الدقيقة الأولى. لا أعتقد أن أي شخص يتوقع وصولنا إلى الدور قبل النهائي».
وحول الضغوط التي واجهها في اللقاء أمام اليابان قال: «دخلنا المباراة ونحن المرشحون للفوز، لقد أثر ذلك على أداء اللاعبين وأصابهم بالخوف من عدم تقديم المطلوب منهم كفريق مرشح للانتصار».
وأشار مارتينيز إلى أنه بمجرد أن تأخرت بلجيكا 2 - صفر قبل نصف ساعة من نهاية الوقت الأصلي لم يعد أمام الفريق ما يخسره، ونجح في تحقيق انتفاضة بشكل رائع.
ورفض مارتينيز الإجابة عن أسئلة تتعلق بأسلوبه الخططي واكتفى بالإشادة باليابان وبلاعبي فريقه رغم أن جماهير بلجيكا تتساءل عن قوة الدفاع بوجود ثلاثة لاعبين وكذلك عن قوة الهجوم الذي سجل تسعة أهداف في ثلاث مباريات بدور المجموعات.
لكن مارتينيز، القادم من إيفرتون الإنجليزي لتدريب بلجيكا بعد إحباط الخروج من دور الثمانية في كأس العالم 2014 وبطولة أوروبا 2016، رد على المنتقدين بتغيير مزدوج، منح الفريق الفوز وألهب حماسهم للمواجهة المقبلة، وهو ما علقت عليه صحيفة لوسوار البلجيكية: «رجال المعجزة».
لكن نجم خط الوسط دي بروين أشار إلى أن انتصار منتخب بلاده على نظيره الياباني، لن يعني شيئا، إذ خسرت بلجيكا أمام البرازيل في مباراتهما بدور الثمانية.
وقال دي بروين نجم مانشستر سيتي واللاعب السابق لفرق فيردر بريمن وفولفسبورغ وتشيلسي، في تعليقه على تأخر بلجيكا بهدفين ومواجهة شبح الخروج من دور الستة عشر قبل قلب الموازين: «في بطولة كهذه، ستمر عليك دائما لحظات عصيبة. ولكن يجب ألا تستسلم حينها وإنما تستغل لحظات التألق من أجل تسجيل هدف».
وأضاف: «فعلنا ذلك... لدينا إمكانات عالية كفريق ولكن يفترض أن نطور بعض الجوانب الدفاعية».
ويتوقع أن يواجه الفريق البلجيكي صراعا شرسا في المباراة المقررة في كازان يوم الجمعة المقبل مع المنتخب البرازيلي. وقال دي بروين: «إن كنت تريد التتويج ببطولة، عليك أن تفوز على كل منافس تواجهه. المنتخب البرازيلي واحد من المرشحين للتتويج، ولكن علينا التركيز على ما نقدمه نحن وأن نؤدي عملنا».
وأضاف: «المنتخب البرازيلي أكثر من نيمار... بالطبع ينصب تركيز الجميع عليه ولكن الفريق البرازيلي أكثر من مجرد لاعب، وأعرف قدرات لاعبي البرازيل، حيث لعبت مع عدد منهم في سيتي».
ومن جانبه، قال الشاذلي صاحب هدف الفوز والذي شارك من مقعد البدلاء في الدقيقة 65: «الفوز كان مهما للغاية لتعزيز الثقة. إنه ألقى الضوء على القوة الذهنية للاعبي المنتخب.. العودة في مباراة كهذه تمثل أمرا رائعا... فقد كانت مباراة صعبة للجميع. وأثبتنا أننا نملك الشخصية في طريقنا إلى دور الثمانية».
وستكشف مباراة الجمعة أمام البرازيل مدى قوة الأسلوب الخططي والفني لبلجيكا لكن المعجزة التي تحققت في روستوف ستمنح ثقة كبيرة للمدرب مارتينيز ولاعبيه بكل تأكيد.
في المقابل قد يكون خروج المنتخب الياباني بهذه الطريقة الدرامية هو الأكثر مرارة في تاريخه الكروي.وقال قائد المنتخب الياباني، ماكوتو هاسيبي: «أنا حزين للغاية، بالكاد أستطيع أن أعبر عما أشعر به داخليا، هذا أمر قاس للغاية».
ولم تتولد المرارة الكبيرة التي شعر بها لاعبو المنتخب الياباني وأنصاره من إخفاق الفريق في الوصول إلى دور الثمانية للمونديال للمرة الثالثة على التوالي، ولكن من الطريقة التي جرى بها الخروج، إثر إهدار تقدمه بهدفين وتلقي هدف في الثواني الأخيرة.
وأضاف هاسيبي: «أثبتنا أننا نعرف لعب كرة القدم، ولكن لسوء الحظ لم تتحقق النتيجة المرجوة».
وقال مدرب اليابان، اكيرا نشينو: «اللاعبون ليسوا مذنبين، أنا المذنب، تشككت في خطتي التكتيكية، إنها مأساة، أنا محبط للغاية».
ومن جانبه قال المدافع الياباني، مايا يوشيدا: «لحظة واحدة فقط قتلتنا، من الصعب تقبل هذا الأمر».
ورغم ذلك قدم المنتخب الياباني مباراة رائعة وترك أثرا رائعا، بعد أن نافس المنتخب البلجيكي القوي بندية كبيرة، حتى إن لاعبي الأخير أشادوا بمستوى منافسهم كثيرا.
وقال المدافع البلجيكي فينسينت كومباني: «ما قدموه هو درس بارع في الفكر التكتيكي».
ويأمل المدرب الياباني في أن تندمل جراح فريقه بمرور الوقت بعد هذا الإقصاء الدرامي، حيث قال: «اللاعبون قدموا أفضل ما لديهم، ولكن لا يمكنني إسباغ وصف النجاح على النتيجة، ولكن ربما بعد أربع سنوات عندما ننظر إلى الماضي يمكننا آنذاك أن نصفها بالناجحة».
وكان تعيين أكيرا نيشينو لقيادة اليابان قبل فترة قصيرة من كأس العالم بمثابة الرهان الناجح، لذا لم يكن غريبا بعد ذلك أن يودع الفريق الآسيوي المسابقة بعدما غامر بكل شيء في دور الستة عشر أمام بلجيكا.
وكان تعيين نيشينو نفسه أشبه بالرهان قبل شهرين من انطلاق كأس العالم، ومنذ تولي الرجل البالغ عمره 63 عاما أبدى رغبته في عدم مقارنته بسلفه وحيد خليلوفيتش أو حتى بالكرة اليابانية بصفة عامة.
وبعدما قرر الإبقاء على مجموعة من اللاعبين أصحاب الخبرة، الذين كانوا مهددين بفقدان أماكنهم مع خليلوفيتش، بدأ نيشينو مشواره في المجموعة الثامنة الصعبة بالفوز على كولومبيا والتعادل مع السنغال.
وغامر نيشينو في المباراة الأخيرة أمام بولندا، التي ودعت المسابقة مبكرا، وأجرى ستة تغييرات في التشكيلة الأساسية، ثم غامر مجددا، أثناء التأخر بهدف، وقرر عدم محاولة إدراك التعادل على أمل أن تخفق السنغال في التسجيل في مباراة أخرى في التوقيت ذاته.
وتأهلت اليابان بالفعل بسبب قاعدة اللعب النظيف بعد التساوي في رصيد النقاط والأهداف مع المنتخب الأفريقي.
وأمام بلجيكا استعان نيشينو مجددا بأبرز لاعبيه ولجأ إلى الهجوم وأوفى بوعده بشأن الاعتماد على الأسلوب الهجومي. وفي البداية أتى هذا الأسلوب بثماره وتقدمت اليابان 2 - صفر قبل أن يدرك المنتخب الأوروبي التعادل.
وفي نهاية الوقت الضائع قرر نيشينو الرهان من جديد وطالب لاعبيه بالتقدم في ركلة ركنية على أمل خطف هدف التأهل لدور الثمانية.
لكن بلجيكا استحوذت على الكرة وشنت هجمة مرتدة سريعة في عشر ثوان فقط وسجلت هدف الفوز من التسديدة الأخيرة تقريبا في المباراة.
وقال نيشينو: «أعتقد أن اللوم يجب أن يقع علي وليس اللاعبين.
عندما استقبلنا الهدف وجهت اللوم إلى نفسي وشككت في خططي». وأضاف: «نتيجة لذلك أنا محبط جدا. أنا أشعر بالانهيار. كنت أرغب حقا في تسجيل هدف آخر وسنحت لنا الفرص لذلك». وربما تكون رغبة نيشينو في الفوز كلفت فريقه فرصة الظهور لأول مرة في دور الثمانية لكن أسلوبه الهجومي سيحظى بالتقدير من المشجعين عند العودة لبلاده.
الأفراح تعم بلجيكا بعد «الهروب الكبير» في انتظار الصدام مع البرازيل
لاعبو اليابان يبكون خروجهم الدرامي من المونديال وسط إشادة واسعة بأدائهم الرائع
الأفراح تعم بلجيكا بعد «الهروب الكبير» في انتظار الصدام مع البرازيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة