ما فعله مارادونا في المدرجات أثناء مباراة الارجنتين ضد نيجيريا أعاد ذكرى أيام معاناته، لكن علينا تقبل تصرفاته لأنه ليس طيبا أو شريرا، لكنه الاثنين معا.
مع مرور نصف وقت مباراة الارجنتين ونيجيريا بدا أن أمرا أخرا سيخطف الأنظار مع ظهور صورة دييجو مارادونا نائما في مدرج الشخصيات المهمة في جميع محطات التلفزيون حول العالم.
لكن في الحقيقة أثار وجوده التساؤلات منذ اللحظة التي دخل فيها الملعب وانتشرت الصور الساخرة من مظهره الشيطاني ويده حول صدره ورقصته مع سيدة في المدرجات.
وبدا كأنه شخص تحت تأثير شيء ما فتاريخ مارادونا مليء بسوء استخدامه المواد القانونية والمحظورة - وهي مسألة تحدث عنها علنا لعقود – وتعطينا دليلا عما يحدث لكنه يقول إنه لم يتعاط أي مواد منذ سنوات وقال للصحفيين إنه "فقط" يشرب النبيذ الأبيض.
وحضر اللاعب السابق الذي وصفه الكثيرون بأنه أفضل لاعب في التاريخ جميع مباريات الارجنتين الثلاث حتى الآن وكان أحد رجال الأمن يمسكه بقوة مع وقوفه على حافة المدرج وهو الذي اعتاد عليه في حياته الشخصية المشاغبة.
ودخل إلى المدرجات ليقود هتاف الآلاف ويخطف أنظار الكاميرات حول العالم مع ردود أفعال مجتمع الانترنت الذي يضمن نقل كل ما يفعله من صلاة واحتفال وتحية وإهانات وألفاظ نابية وكل ما يشعر به كل رجل وإمرأة وطفل في لحظة ما.
إنها خفة دم مارادونا الموجودة دائما فأول مرة قابلته عندما كان يخطط لتأسيس رابطة لتمثيل حقوق اللاعبين ضد الاتحاد الدولي (الفيفا) وفي داخل أحد الفنادق الفاخرة في باريس قال "دعنا نذهب لتناول البيتزا" وحذرنا أنه عند خروجنا من الفندق "سيكون هناك العديد من الناس لذا انتبهوا" وبمجرد أن أنهى حديثه اختفى وسط مجموعة كبيرة المشجعين الذين كانوا يهتفون باسمه ويده ممدوة في الهواء وهم يحاولون الوصول إليه ولمسه.
وفي تلك المناسبة كان يصحبه صديقه ومديره جويرمو كوبولا الذي ناداه مارادونا مع اختفائه وسط المشجعين وأوقف كوبولا سيارة رولز-رويس مكشوفة كانت تمر بالصدفة قبل أن يركبها مع مارادونا لتنطلق السيارة وكل ذلك في لحظات.
وكلاعب كان مارادونا من خارج هذا العالم ووصفه فيكتور هوجو موراليس المذيع في أوروغواي عندما كان يعلق على هدفه الثاني في مرمى إنجلترا في 1986 بأنه "طائرة ورقية من كوكب اخر" وأصبح الهدف والتعليق أسطورتين.
وما يفعله مارادونا بالكرة كان دليلا على أن كرة القدم نوع من الفن فما كان يفعله بجسده وعقله بالكرة يساوي مع فعله أعظم المؤلفين في الموسيقى وأعظم الرسامين بفرشة الرسم وبعض الألوان وأعظم الكتاب بالكلمات والأقلام والأوراق.
وأعاد دييجو كتابة "الوصايا العشر في كرة القدم" وقدم معجزات وقدرته على لف كاحله 360 درجة كانت تساويها رؤيته الكاملة وقدرته على التعامل مع التفاصيل والتحركات من حوله.
وعندما أصبح مشهورا في برنامج تلفزيون الواقع للرقص وهو مكتنز الجسم وبعيد عن لياقته البدنية أظهر مرة أخرى قدرته على الدوران بسهولة ورغم أننا لم نشاهد يدور برأسه دورة كاملة فيمكننا تخيل أنه يستطيع فعل ذلك.
وعاش حياة مليئة بتجاهل واضح لقوانين وقيم الانسان ولم يكن تعاطيه الكوكايين سوى أحد هذه المظاهر وهدفه باليد وإطلاق النار على الصحفيين عند منزله عندما كانت ابنتاه في سن صغيرة هي أمثلة أخرى بسيطة.
وكان ظهوره الأخير في كأس العالم عندما كان يخرج من الملعب وتسير أمامه ممرضة في 1994 من أجل خضوعه لاختبار الكشف عن المنشطات والذي جاء إيجابيا لكنه نفض غبار هذه الفضيحة ليصبح مدرب الارجنتين في كأس العالم 2010 ويجذب أنظار العالم مرة أخرى في أكبر حدث كروي.
ويقول الناس عنه إنه "كان ذكيا بقدمه" لكن ليس بتفكيره أو إنه "عظيم كلاعب لكن ليس كإنسان" وكأننا نستطيع التفريق بين الاثنين.
ويمكن وصف شهرة مارادونا حول العالم بأفضل طريقة ممكنة لو تقبلنا التناقض كحقيقة فسلوكه المثير للجدل ليس حالة شخص يتأرجح بين الخير والشر لكن تجسيدا للأمرين.
فالإفراط في كل شيء هو أسلوبه المفضل والحياة على الحد وهو الأمر الذي أدى به إلى المستشفيات وغرف الطوارئ أكثر من مرة وكان من حصل على فرصة التعامل معه سواء كانوا أطباء أو قضاة أو أطباء نفسيين يفصحون عن الأمر لذا يمكننا سماع التفاصيل مثل أن دخوله عيادة خاصة في أوروغواي بعد احتفال مثير في ليلة رأس السنة كان بسبب إفراطه في تناول البيتزا والشمبانيا بكميات كبيرة وليس لاستخدام عقاقير أو مواد محظورة.
وفي لحظات جنونه كان دائما متماسكا وانتهى "عرضه" في مباراة نيجيريا والارجنتين في سان بطرسبرج بحاجته لرؤية الطبيب.
ودخل أحد أكثر المشاهير إثارة للجدل وشعبية على وجه الأرض الذي كانت حياته الخاصة حديث العامة في مشاكل مع صديقه كوبولا بسبب أخطاء في معاملات مالية قبل 15 عاما.
ولم يلتقيا سويا بعد ذلك إلى أن تقابلا في سان بطرسبرج وانتشرت صورة لهما وهما يحتضنان بعضهما وانفصل مارادونا عن زوجته الأولى وابنتيهما بعد عقود من الزمن احتفظن به الثلاث سيدات الخارقات وحافظن عليه على قيد الحياة.
وربما تلخص تغريدة ابنته الكبرى دالما المؤثرة شعورنا نحوه لو غاب عنا "لا أعلم هل افتقد إليه داخل أم خارج الملعب. اعتقد الاثنين".