يقدم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري اليوم صيغة جديدة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أثناء لقاء مزمع بينهما، تتضمن طرحاً آخر في محاولة لإنهاء التعثر في التأليف الحكومي المتواصل منذ أكثر من شهر، وسط تضاؤل في الآمال بالتوصل إلى صيغة حلّ، على خلفية أزمتين مستمرتين، أولهما مرتبطة بالحصص المسيحية، وثانيهما بالحصة الدرزية.
ورغم الحركة اللافتة أمس لتفعيل جهود تأليف الحكومة، التي تمثلت باتصال بين الرئيس الحريري والرئيس عون الذي يستقبل الرئيس المكلف اليوم، لم يرتفع منسوب التفاؤل كثيراً بإعلان سريع عن التوافق على صيغة حكومية. وقال مصدر قيادي في «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك مقترحات جديدة لكن «التأليف السريع مرتبط بردة فعل الرئيس عون على تشكيلة جديدة سيطرحها الحريري»، مقللاً من احتمالات قبولها من طرف عون. وقال المصدر إن طلبات رئيس الجمهورية «تعجيزية»، في إشارة إلى المطالب بأن تكون حصة الرئيس و«التيار الوطني الحر» 11 وزيراً في الحكومة، مضيفاً: «وليس بالضرورة أن تتناسب صيغة الحريري الجديدة مع مطالب الرئيس».
وأكد المصدر نفسه أن المشكلة الأساسية مرتبطة بأمور «ليس من السهولة حلها»، لافتاً إلى أن الإصرار على توزير 11 وزيراً من حصة التيار والرئيس «سيبقي كل الجهود في طريق مسدود»، مؤكداً أن هذه العوائق «الرئيس وحده قادر على تذليلها»، وأن «الحل عنده».
وتمثل عقدة توزير المسيحيين، أبرز النقاط العالقة، إلى جانب الإصرار على توزير النائب طلال أرسلان، وهو ما يعارضه «الحزب التقدمي الاشتراكي»، فضلاً عن مطالب «حزب الله» بتوزير شخصية سنية من قوى 8 آذار، وهو ما يرفضه «المستقبل»، و«لا يتوقف عنده ولا يأخذه على محمل الجدّ»، بحسب ما قال المصدر.
ويحق للمسيحيين في حكومة ثلاثينية 15 وزيراً، يفترض أن يتم توزيعهم على حصة رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ووزير من حصة «تيار المردة»، بحسب المقترحات، فضلاً عن اقتراح وزير لكتلة «العزم» في حال تعذر منحها وزيراً سنيّاً، ويمكن أن يكون هناك وزير لجنبلاط بدلاً من وزير درزي يمكن أن يذهب من حصته لأرسلان، إلى جانب مقترحات بتوزير حزب «الكتائب»، علماً بأن المقترحات تلك لم تستقر بعد على صيغة، وقد لا تشمل منح حصص لكل تلك الأطراف.
وقالت مصادر مواكبة لعملية التأليف لـ«الشرق الأوسط»، «إن المبدأ الأساس في البدء ببلورة صيغة حل، يبدأ من قبول الرئيس عون بتسعة وزراء من حصته وحصة (الوطني الحر)، عندها تكون هناك إمكانية بأن تُعطى القوات اللبنانية أربعة وزراء والتوصل إلى صيغة ترضي الآخرين».
وتواصل «القوات» التي أبدت مرونة خلال الأيام الماضية مشروطة بتنازل الآخرين أيضاً، بالتأكيد على «نيات إيجابية» لمساعدة الرئيس المكلف. وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نقترح صيغاً. المسألة موجودة بيدي الرئيس المكلف الذي يعمل على تشكيل الحكومة، وهو الذي يحدد الصيغ والهيكليات المناسبة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية». وشددت المصادر على «النيات الإيجابية كفريق سياسي أساسي لمساعدة الرئيس المكلف»، لافتة إلى أنه «في هذا السياق بالذات جاءت مبادرة د. سمير جعجع لتهدئة المناخات السياسية من طرف واحد من أجل مساعدة الرئيس للتأليف بظروف مؤاتية ومساعِدة»، مؤكدة أن «كل الأطراف معنية بمساعدة الحريري لتدوير الزوايا وتسهيل تأليف الحكومة». وفي السياق نفسه، لم يجزم عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، بأن الجمود الذي رافق تشكيل الحكومة، انتهى بالحراك أمس، لكنه عبّر عن «تفاؤل دائم»، إذ أعرب عن اعتقاده «أننا في مكان ما بدأنا نلمس تفهماً لمطالب كل الفرقاء». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا صارت هناك قناعة وتفهماً لمطالب كل الكتلة السياسية وأحجامها وقاعدة تمثيلها، فإننا بالتأكيد سنصل إلى حلول لتأليف الحكومة».
وقال عبد الله: «بالنسبة لنا في اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي، اتجاهنا واحد ومطالبنا واحدة»، مشدداً على أن المطلوب «أن يعرف كل فريق حجمه ودوره ويحترم إرادة الآخرين». وقال: «موقفنا واضح، فالمطلوب من العهد احترام خيار كل اللبنانيين وليس المسيحيين فقط، وأن يترك لرئيس الحكومة المكلف تخييط الحكومة ضمن إطار مشاركة كل الأطراف بحسب أحجامها». وأكد أنه لا خيار للجميع سوى إنجاز التشكيلة الحكومية على قاعدة اعتماد معيار موحد، «فالوضع الاقتصادي لا يحتمل، كذلك وضع المنطقة».
في غضون ذلك، أكد النائب ماريو عون، أن عقدة تأليف الحكومة «ليست عند التيار الوطني الحر بل عند القوات اللبنانية والدروز»، مشيراً إلى أن التيار تساهل بمطالبه لتسهيل عملية التأليف حيث لم يضع «فيتو» على أحد أو على أي حقيبة، وهو يطالب فقط بأن يتمثّل كلّ وفق حجمه.
واستبعد عون ولادة الحكومة بشكل سريع مع بروز العقد يوماً بعد يوم، جازماً بأن نيابة رئاسة المجلس الوزاري هي من حصة رئيس الجمهورية وفق العرف والدستور. ونفى عون أي خلاف بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري الذي سيزور قصر بعبدا خلال الساعات المقبلة، إلا أن ما يظهر هو اختلاف في وجهات النظر.
اتفاق معراب
وعلى خط موازٍ، استدعى كلام وزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عن أن اتفاق معراب مع «القوات اللبنانية» لم يعد موجوداً، حركة لافتة من قبل «القوات» لتأكيد تمسكها به وبالمصالحة المسيحية. وزار الوزير ملحم الرياشي القصر الجمهوري، حيث اكتفى بالقول إن «اللقاء كان إيجابيّاً جداً».
وقالت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، إن الهدف الأساسي للزيارة هو «إعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين وتأكيد تمسك القوات بالمصالحة وتفاهم معراب»، و«التشديد على ضرورة التمييز بين التباينات السياسية التي يمكن أن تقع بأي لحظة والتفاهمات السياسية»، بمعنى: «يجب ألا تنعكس التباينات على التفاهمات»، علماً بأن التباينات كانت قائمة في الحكومة الماضية وستبقى في الحكومة المزمع تشكيلها.
وكان النائب ماريو عون أكد في حديث إذاعي أن «ورقة تفاهم معراب لم تسقط ولكن الاتفاقات السياسية مع القوات سقطت، ولم تعد قائمة، لا سيما في العناوين الأساسية المطروحة، التي يدور الجدل حولها».