مَن وراء انتفاضة الأسواق في إيران؟

مَن وراء انتفاضة الأسواق في إيران؟
TT

مَن وراء انتفاضة الأسواق في إيران؟

مَن وراء انتفاضة الأسواق في إيران؟

ظل البازار الكبير في طهران مغلقاً لليوم الثاني على التوالي، مع محاكاة الأمر في الأماكن التجارية الأخرى من البلاد مثل: مقصود - شاه، وقيسارية، وخيام، وسيد والي، وباشنار، من بين أماكن أخرى.
وفي الوقت نفسه، نظمت الأسواق في عدة مدن أخرى، من أبرزها: أصفهان، ومشهد، وبندر عباس، وكرمان، وتبريز، اضطرابات رمزية مماثلة للإعراب عن التعاطف مع تجار العاصمة طهران.
وإغلاق البازار الكبير ليس هيّناً، وهو أمر لم يحدث منذ الأيام العنيفة التي ميّزت الانتفاضة الشديدة ضد الشاه الراحل والتي كانت في أوج ذروتها في عامي 1978 و1979.
ويتألف البازار الكبير في طهران من أكثر من 40 ممراً مترابطاً تغطي في مجموعها مساحة تبلغ 10.6 كيلومتر. وتنقسم الممرات إلى 20 قسماً كل قسم منها متخصص في تجارة بعينها، من متاجر الأغذية، وورش الذهب والمجوهرات، ومعارض السجاد، وكل ما يمكن أن تحتاج إليه المدينة الكبيرة التي يتجاوز عدد سكانها 15 مليون نسمة.
ومع ذلك، فإن البازار الكبير ليس مجرد مركز ضخم للتجارة والتسوق؛ بل إنه جوهر الطريقة الكاملة للحياة في العاصمة الإيرانية.
ويحتوي البازار الكبير على 6 مساجد، و30 فندقاً، وأكثر من 20 مصرفاً، و6 مكتبات، و9 معاهد دينية، و13 مدرسة ابتدائية وثانوية، ومسرحين، و«بيت القوة» أو (الزورخانة باللغة الفارسية) حيث يدخل الرجال الأشداء الفعليون أو المفترضون في مباريات المصارعة التقليدية، وممارسة رياضة بناء الأجسام.
ويوفر تجار البازار الكبير أيضاً جزءاً معتبراً من الدخل الذي يكسبونه لرجال الدين من علماء المذهب الشيعي في صورة «الخُمس» من الأرباح، و«سهم الإمام»، ومجموعة كاملة من التبرعات الطوعية الأخرى. ومن دون الأموال الصادرة عن البازار الكبير وغيره من المؤسسات التجارية الأخرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها، لم يكن لرجال المذهب الشيعي أن يتمكنوا من المحافظة على مكانتهم عبر التاريخ الإيراني المفعم بالتقلبات العاصفة.
ومن الناحية التقليدية، لعب البازار الكبير دوراً رئيسياً في تعزيز التماسك الاجتماعي في البلاد، وأغلب ذلك من خلال الجمعيات التي تمثل الأشخاص من 31 محافظة إيرانية. وأكبر هذه الجمعيات هي «رابطة أذربيجان»، وبعدها «رابطة أصفهان» في العاصمة طهران.
وتعتمد أكثر من 500 جمعية خيرية إيرانية على الدعم المقدم من البازار الكبير والذي يرتبط كذلك بعدد لا يُحصى من الأخويات الصوفية في البلاد. وتملك الحركة القائمية، التي تنظم يوم ميلاد الإمام الغائب في 15 شعبان على التقويم القمري، نحو 1.5 مليون عضو في طهران الكبرى وحدها. وتفرض نفس الحركة عضلاتها ونفوذها في كل عام حلال الأشهر الحزينة من شهر محرم حتى شهر صفر من خلال تنظيم أكثر من 500 موكب حداد في جميع أرجاء طهران، العاصمة مترامية الأطراف والتي تغطي مساحة تبلغ 662 كيلومتراً. وتحتفظ الجمعيات الإقليمية التابعة للحركة بشبكات موالية لها في أرجاء إيران كافة، وعند الحاجة، يمكنها جلب المزيد من النفوذ إلى العاصمة من خلال المئات من البلدات والآلاف من القرى القريبة والبعيدة التابعة لها.
والأهم من ذلك، ربما أن البازار الكبير هو مصدر العمالة المباشرة وغير المباشرة لأكثر من 600 ألف مواطن.
ويرجع التاريخ المبكر للبازار الكبير إلى نحو 400 عام في الحقبة الصفوية الإيرانية. غير أن الهياكل الرئيسية للشبكة الحالية قد أقيمت قبل قرنين من الزمان تحت سلطان الأسرة القاجارية. وفي ظل حكم رضا شاه الكبير، مؤسس أسرة بهلوي الحاكمة، تبنى البازار الكبير منهجاً نقدياً حيال النظام الحاكم الجديد نظراً إلى المشروع التحديثي الذي تضمن الحد من نفوذ رجال الدين والترويج للتجارة والشركات على النمط الأوروبي. وفي عهد الشاه الأخير، تحسنت العلاقات في البداية وإنما بصورة طفيفة، واعتباراً من عام 1978 وما تلاه تحول الأمر إلى عداء صريح ومفتوح ضد السلالة البهلوية. ويوافق أغلب الخبراء في الشأن الإيراني على أنه من دون الدعم المالي القوي والقوى البشرية الكبيرة من البازار الكبير لم يكن لآية الله روح الله الخميني وحلفاؤه من الشيوعيين أن يسيطروا على السلطة في البلاد من دون كثير قتال وسفك للدماء.
ومنذ ذلك الحين، خفت الحماس الهادر في البازار الكبير لصالح النظام الخميني بدرجة ما من دون أن يتحول إلى عداء مفتوح. وبالتالي، فإن الأحداث الراهنة لا بد أن تعد إما أنها حالة استثنائية عابرة، وإما أنها إشارة قوية على أن النظام الخميني قد بدأ يفقد إحدى قواعد الدعم الشعبي الرئيسية في البلاد.
وبطبيعة الحال، وبما أنه لا شيء يحدث في إيران على حقيقته الظاهرة أبداً، فإن الاحتجاجات الحالية قد تكون جزءاً من صراع السلطة داخل المؤسسة الخمينية الحاكمة.
وإن كان هذا هو الحال فلا بد على المرء أن يفترض أن أحد الأطراف المتشددة، الذي يمثل بالطبع المرشد الإيراني علي خامنئي، هو الذي ساعد في تأجيج الاحتجاجات الراهنة وظهورها على أنها انقلاب واضح على حكومة الرئيس حسن روحاني المحتضرة.
وتلمساً لليقين في ذلك، هناك مجموعة من الحقائق التي تؤكد هذه النظرية.
يتحدث الأعضاء المتشددون في المجلس الإسلامي، ومن بينهم أحمد أمير عبادي، وفاطمة ذو القدر، وآية الله مجتبى ذو النور، بصراحة عن استجواب حسن روحاني أو إجبار حكومته على الاستقالة. وفي واقع الأمر، وقّع 71 عضواً متشدداً من أعضاء المجلس الإسلامي، أمس، على اقتراح يمنح الرئيس روحاني مهلة 15 يوماً للتقدم بسياسة جديدة أو مواجهة الاستجواب البرلماني.
وإنهم يعتقدون أنه من واقع الاتفاق النووي الذي صاغه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والذي يعد اتفاقاً ميتاً الآن، فقد الرئيس روحاني «درة التاج» في إدارته السياسية لحكومة البلاد.
وحقيقة أن بعض الشخصيات العسكرية البارزة، ومن بينهم القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني الجنرال يحيى رحيم صفوي، والقائد الأسبق لقوات الباسيج (التعبئة) الجنرال غلام حسين غيب برور، قد وجهوا الانتقادات غير المباشرة ضد الرئيس روحاني، تمنح ثقلاً معتبراً لهذه النظرية.
وهناك العديد من الأعضاء المتشددين من رجال الدين، ومن بينهم آية الله نور همداني، وآية الله مكارم شيرازي، قد خرجوا لدعم تجار البازار وأصدروا لأجل ذلك التحذيرات الشديدة ضد الرئيس روحاني وفريقه.
غير أن محللين آخرين يعتقدون أن البازار يعكس مخاوف وشواغل أكبر من ذلك داخل المجتمع الإيراني في الوقت الذي تتزايد فيه الصعوبات الاقتصادية والقمع الاجتماعي. وكانت مخاوف مماثلة قد تسببت في اندلاع الاحتجاجات العارمة على مستوى البلاد في الشتاء الماضي تلك التي انتشرت في أكثر من 1250 مدينة في جميع أرجاء إيران.
ويضفي العديد من الحقائق قدراً من المصداقية على هذا التحليل. بادئ ذي بدء، فإن وسائل الإعلام الرسمية لا تصف الاحتجاجات الحالية بأنها «مؤامرة صهيونية أميركية استخباراتية خبيثة» كما يحلو لها أن تفعل منذ عام 1979 وحتى اليوم. ويزعم بعض وسائل الإعلام أن الاحتجاجات قد ثارت بسبب «مثيري الشغب» أو «مخربي الاقتصاد»، ولكن ليست هناك محاولات لربطهم بالجماعات المنفية، أو القوميين التقليديين، أو المعارضين الإسلاميين الماركسيين ضد النظام الحاكم.
وهناك أمر واحد أكيد: أن البازار الكبير يحظى بآليات راسخة ومجرّبة للتعبئة الشعبية وإظهار القوة في الشوارع. وإنْ أُثير غضب البازار الكبير، فيمكنه التعبير عن غضبه بكل وضوح. وعندما يفعل ذلك، فمن الحمق الشديد لأي شخص ألا ينتبه لذلك الغضب العارم.



البرلمان الإيراني يُسقط الثقة عن وزير الاقتصاد

همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
TT

البرلمان الإيراني يُسقط الثقة عن وزير الاقتصاد

همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)
همتي يدافع عن سجله أمام نواب البرلمان اليوم (أ.ب)

صوت البرلمان الإيراني بحجب الثقة عن وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي في جلسة وجه النواب له فيها سيلاً من الانتقادات الحادة لإدارة الملف الاقتصادي في حكومة مسعود بزشكيان، ما أدى إلى تفاقم الأزمات.

وبدأت جلسة البرلمان اليوم بخطابات النواب المعارضين لبقاء همتي في منصبه، بعد استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، خصوصاً الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية (الريال) بحكومة بزشكيان التي بدأت مهامها أغسطس (آب) الماضي.

وأفاد موقع البرلمان الإيراني بأن الجلسة التي استمرت نحو 5 ساعات، جاءت استجابةً لطلب 119 نائباً، وتركزت حول تأثير السياسات الاقتصادية على الأوضاع المعيشية والتضخم.

وفي النهاية، أعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أن 182 نائباً صوتوا لتأييد سحب الثقة من الوزير، بينما عارض 89 مشرعاً، وامتنع نائب عن التصويت. وحضر جلسة اليوم 273 من أصل 290 نائباً في البرلمان الإيراني.

وكشفت الجلسة عن انقسام حاد بين البرلمان والحكومة بشأن إدارة الملف الاقتصادي، بينما يترقب الشارع الإيراني مآلات الملف الاقتصادي، بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعادة استراتيجية الضغوط القصوى التي تتمحور على منع بيع النفط الإيراني.

وحاول الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الدفاع عن الوزير أمام النواب. وقال بزشكيان: «نحن في خضم حرب (اقتصادية) مع العدو».

وأضاف: «المشاكل الاقتصادية التي يشهدها مجتمعنا اليوم غير مرتبطة بشخص واحد، ولا يمكننا إلقاء اللوم فيها على شخص واحد»، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

بزشكيان يدافع عن وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي اليوم (إ.ب.أ)

ورفع كثير من النواب أصواتهم، وتناوبوا على انتقاد الوزير بغضب، معتبرين أنه المسؤول عن الوضع الاقتصادي المزري.

وقال العضو في البرلمان روح الله متفقر آزاد: «لا يستطيع الناس تحمل الموجة الجديدة من التضخم، ولا بد من السيطرة على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والسلع الأخرى».

في المقابل، أكدت النائبة فاطمة محمد بيغي: «لا يستطيع الناس تحمل تكاليف شراء الأدوية والمعدات الطبية».

من جانبه، أكد الوزير عبد الناصر همتي الذي كان في السابق محافظ البنك المركزي، إن «المشكلة الكبرى التي تواجه الاقتصاد هي التضخم. إنها مشكلة مزمنة تؤثر على الاقتصاد منذ سنوات».

وتولى مسعود بزشكيان منصبه في يوليو (تموز) مع طموح معلن بإنعاش الاقتصاد، وإنهاء بعض العقوبات التي فرضها الغرب.

لكن وتيرة انخفاض قيمة العملة الإيرانية (الريال) ازدادت، خصوصاً منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول)، الذي كانت إيران حليفته الرئيسية.

وقال همتي: «سعر الصرف ليس حقيقياً والسعر عائد إلى توقعات تضخمية».

«تضخم مزمن»

وتابع الوزير: «المشكلة الأخطر في اقتصاد البلاد هي التضخم، وهو تضخم مزمن يعاني منه اقتصادنا منذ سنوات».

وبحسب أرقام البنك الدولي، ظل معدل التضخم في إيران أعلى من 30 في المائة سنوياً منذ عام 2019.

ووصل إلى 44.5 في المائة بحلول عام 2023، بحسب هذه المؤسسة التي يقع مقرها الرئيسي في واشنطن. ومعدل العام الماضي غير معروف.

وأضرت العقوبات الغربية لا سيما الأميركية المفروضة منذ عقود بالاقتصاد الإيراني، مع تفاقم التضخم منذ انسحاب واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، إحياء سياسته المتمثلة بممارسة «ضغوط قصوى» على إيران، ما أدى إلى تشديد القيود على الجمهورية الإسلامية.

وبموجب الدستور الإيراني، تصبح إقالة الوزير سارية المفعول على الفور، مع تعيين قائم بأعمال الوزير حتى تختار الحكومة بديلاً.

وسيكون أمام الحكومة بعد ذلك 3 أشهر لتقديم بديل، والذي يتعين التصديق على تعيينه من خلال تصويت آخر في البرلمان.

وفي أبريل (نيسان) 2023، حجب أعضاء البرلمان الثقة عن وزير الصناعة آنذاك رضا فاطمي أمين، بسبب ارتفاع الأسعار المرتبط بالعقوبات الدولية.

وفي السوق السوداء الأحد، كان الريال يتداول بأكثر من 920 ألفاً في مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بأقل من 600 ألف في منتصف عام 2024.