السفر بالنسبة للروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، متعة عرفها منذ نعومة أظافره، ولعب دوراً في تغذية مخيلته الروائية ليغزل فيما بعد أروع الروايات التي تحول بعضها لأعمال درامية، ورشحها القراء لتحتل مرتبة بين أهم الروايات المصرية. بلسانه يقول:
- السفر دهشة ومعرفة لقد عرفت السفر مبكراً؛ إذ كان والدي يعمل بالسكة الحديد وكثيراً ما كان يذهب في مهام إلى الصحراء الغربية في الصيف ويأخذني معه. كنت في سنوات الطفولة لم أبلغ العاشرة بعد وكانت المحطات التي يمر عليها القطار شبه خالية ورؤية بدو الصحراء، وحضور بعض احتفالاتهم أمراً مثيراً جداً للخيال. أول أسفاري كانت إلى هذه الصحراء، ولا بد أنها كانت أحد أسباب غرامي بالغرائب والخيال.
- كانت رحلتي الأولي إلى أسوان والقاهرة عام 1964، حيث كانت المدارس الثانوية بالإسكندرية تنظم كل عام رحلة إلى أسوان والقاهرة، واشتركت في إحداها. ما زلت أذكر اتساع الدنيا في أسوان وأذكر العمال في السد العالي، حيث زرنا موقعه. كان المثير في هذه الرحلة هو القطار نفسه. ركبنا الدرجة الثالثة وبتنا ليلة في القطار، وكان الزحام رهيباً جداً. كان هذا الزحام مدهشاً لي، ففي الطريق مع والدي إلى الصحراء الغربية لم تكن القطارات مزدحمة هكذا، بل تكاد تكون خالية. عندما عدنا من أسوان إلى القاهرة مشيت في منطقة الجمالية أبحث عن شخصيات روايات نجيب محفوظ الذي كنت قرأته وأحببته حتى فاتني الوقت وتخلفت عن العودة مع الرحلة. حينها قررت أن أعمل وأعيش بالقاهرة، وكنت أنام في مسجد الحسين. وبعد ثلاثة أيام نفدت نقودي وعدت للإسكندرية لأجد الدنيا «مقلوبة» في البيت والمدرسة.
- لا أسافر بشكل منتظم. لكني بصراحة في سنوات الشباب كنت بعد السفر بأسبوع أو أسبوعين أشعر بالحنين إلى الوطن. الآن لا يحدث معي هذا وأتمنى البقاء أكثر، وبخاصة في فرنسا أو المغرب، والحمد لله تتكرر زيارتي لهما كثيراً. وأتمنى زيارة الصين والهند واليابان، لكن العمر والصحة لا تساعدان على السفر الطويل الآن.
- أقوم بالتسوق في أي بلد عربي أو أوروبي أزوره، وغالباً يكون ما أشتريه هدايا لأسرتي، لكني حريص على الأماكن الأثرية والثقافية. هكذا أفعل في كل الدول العربية ما بقي منها وما ضاع، وهكذا أفعل في أوروبا وفعلت في نيويورك. المتاحف غرام كبير لا أمله في هذه البلاد وبخاصة أوروبا. أعشق الفنون التشكيلية وتاريخها.
- لا أحرص على اصطحاب شيء معين في السفر. ولو استطعت السفر من دون حقيبة سفر واشتريت ملابسي من البلد التي أسافر إليها لفعلت. لا شيء أكثر من كتاب أو اثنين أقرأهما في الطائرة. ورحلات العمل أحولها إلى عطلة فلا أقف كثيراً عند موضوع العمل. أعرف أن الفائدة الأعظم من أي سفر هو ما أراه من حياة جديدة، وأحرص علي جو البهجة والضحك في حديثي في الندوات لأنتهي بسرعة وأنطلق في الشوارع.
- أحب الجديد في طعام البلاد. أذكر أنني كنت في باريس وجاءني صديق بعد وصولي إلى الفندق وقال لي إنه سيصحبني إلى مطعم «فلافل» فضحكت، وقلت له أنا تركت الفلافل منذ ست ساعات حرام عليك خدني إلى مطعم آكل فيه فواكه البحر يا أخي. صرت أحب الأكل في الشارع وبخاصة الكريب بالشيكولاتة أو النوتيلا. أحببت طعام كل بلد زرته: «مسجوف» العراق، وكباب الشام وسلطاته، وكسكس وطاجين المغرب والكباب والخبز الإيراني في الخليج. وأعشق الخبز الأوروبي وكذلك التونسي والمغربي، وأحرص على العودة ومعي شيء منه.
- حقيبتي تقريباً شبه خالية ليس بها إلا قليل من الملابس والكتب وعادة أجهزها ليلة السفر أو صباحه إذا كانت الطائرة في وقت متأخر. لا أحرص على شيء فيها الآن إلا الأدوية.
- تعرضت لمواقف كثيرة كلها مضحك في الغالب. في موسكو سنة 1990، كنت نزيلاً بفندق روسيا وهو فندق ضخم جداً، وكانت تلك آخر سنوات الاتحاد السوفياتي، سُرقت ملابسي الداخلية كلها، وكانت تلك آخر ليلة لي في الفندق قبل السفر. كان الوضع مأساوياً في الاتحاد السوفياتي والفقر شديد حولنا وملابسي الداخلية جديدة وقطن مصري. أما في ولاية رود أيلاند بأميركا عام 1996، فقد انتهي مؤتمر كنت أشارك به ورحل كل الضيوف وكان موعد سفري في اليوم التالي بعدهم، ووجدت نفسي وحيداً في مبنى الضيافة وسط الغابات. كانت ليلة طويلة جداً قضيتها أتحدث بالتليفون الموجود بالمنزل مع أسرتي ومع صديقي سعيد الكفراوي. حكايات كثيرة جميلة لا تنتهي.
أسفاري أحد أسباب غرامي بالغرائب والخيال
رحلة مع الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد
أسفاري أحد أسباب غرامي بالغرائب والخيال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة