طالبت وزارة الأوقاف، المسؤولة عن المساجد في مصر، بشكل رسمي أمس، لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب (البرلمان)، بالتسليم بأحقية أئمة المساجد في إصدار الفتوى العامة بعد رفض مشيخة الأزهر ذلك. وأكدت أن «التضييق على الدعاة ومنعهم من الإفتاء يفسح المجال أمام (المتطرفين) لإصدار (الفتاوى المتشددة)».
وقال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن وزارته أرسلت خطاباً رسمياً للجنة الشؤون الدينية في البرلمان، فيما قال مصدر في اللجنة الدينية في المجلس لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللجنة تدرس طلب الأوقاف لإدراج أئمتها في مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة الذي حظر التصدي للفتوى في الأمور العامة بوسائل الإعلام إلا من خلال هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء، في محاولة لضبط مشهد انفلات الفتاوى التي تجتاح وسائل الإعلام المصرية، ومواجهة (مشايخ الفضائيات)».
وكانت أزمة نشبت بين الأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مطلع يونيو (حزيران) الجاري، بسبب رفض المجمع إسناد بعض مهام الفتوى للأوقاف، وأن يصبح للأخيرة الحق في إصدار تصاريح للإفتاء على الفضائيات. وبرر المجمع رفضه وقتها بأن الوزارة غير معنية بالإفتاء، بل منوط بها ممارسة العمل الدعوي على منابر المساجد فحسب، الأمر الذي أغضب «الأوقاف». ووعدت الوزارة حينها بإرسال الأوراق الرسمية التي تفيد بوجود إدارة الفتوى إلى لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، لاتخاذ القرار التوافقي بين «الأزهر والإفتاء والأوقاف».
وقال وزير الأوقاف خلال اجتماع لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في مجلس النواب أمس، إن التضييق على أئمة المساجد في مجال الفتوى يفسح المجال أمام «المتطرفين» لإثارة اللغط والبلبلة في المجتمع، وأنه عندما يتم طرح موضوع مُعين، إن لم يوضحه أئمة المساجد في خطب الجمعة وغيرها، ستترك الفرصة لـ«المتشددين» لإثارة البلبلة. وأضاف أن «دعوات الجماعات الإرهابية عادت مرة أخرى على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تشوه في إنجازات الدولة المصرية، وخصصنا خطبة الجمعة عن حرمة الكذب وإشاعة الفوضى في المجتمع، فنحن أمام قضايا وطنية، التضييق فيها على الفتوى غير مقبول، وأئمتنا صاروا علماء يتحدثون في الداخل والخارج ونتحدى بهم الجميع».
ويقول مراقبون إنه «رغم الإجراءات التي وضعتها وزارة الأوقاف لبسط سيطرتها على المساجد، بتوحيد خطبة الجمعة، وعدم السماح إلا للأزهريين بالخطابة، فإنه ما زال يعتلى بعض منابر المساجد والزوايا في بعض المناطق والمحافظات بربوع البلاد متشددون ينشرون الفكر المتطرف، وهو مصدر الخوف من عدم إدراج أئمة المساجد ضمن الفئات المصرح لها بالفتوى».
وقال الدكتور أسامة العبد، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في البرلمان: «عندما علمت بحذف إدارة الفتوى في وزارة الأوقاف من مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة من قبل الأزهر في التعديلات التي تقدم بها، طلبت من الوزارة تقديم ما يفيد بوجود هذه الإدارة سابقاً، والفيصل في ذلك، هو الوجود القانوني لإدارة الفتوى في وزارة الأوقاف». وأضاف أن اللجنة الدينية هي عامل أساسي في التوافق بين وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر، ولا يستطيع أن يعمل أحد منفرداً على الإطلاق، وإنما لا بد أن يكون هناك تكامل وتوافق.
وقال العبد خلال اجتماع لجنة الشؤون الدينية لمناقشة مشروع قانون «تنظيم الفتوى العامة» أمس: «لا نستطيع أن نضيع قدر الأزهر على الإطلاق، ولا نستطيع أن نضيع قدر دار الإفتاء ولا مجمع البحوث الإسلامية، وكلنا في ميدان واحد، ووزير الأوقاف كان طالباً في الأزهر، والأزهر لا نستطيع إلا أن نتحدث في مكانته وعلو قدره، وما نريده ألا يكون لدينا تعصب ولا تطرف ولا تشدد، وإنما السهل الميسور، هذا هو منهج الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء».
وأضاف أن «هناك توافقا كاملا بين الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف وليس هناك إطلاقاً ما يشوب هذا التوافق والترابط، وكل ذلك من أجل مصلحة مصر». ويعاقب قانون «تنظيم الفتوى» بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تزيد على خمسة آلاف جنيه، كل من يفتي وهو غير مُصرح له، وفي حال تكرار الأمر، تكون العقوبة هي الحبس وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه.
وقال الدكتور محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية أمس، إن «دور الأزهر معلوم، ودور (الأوقاف) معلوم أيضاً، ولا يوجد أي خلاف، لكن لا بد للمسائل أن تكون واضحة للجميع، إن الأزهر له اختصاص والوزارة لها اختصاص، ونحترم دور وزارة الأوقاف، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».
وقال الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن «العلاقة بين المؤسسات الثلاث علاقة تكامل وليست علاقة تضاد، وكلها أجزاء تحت مسمى واحد هو المؤسسة الدينية». وتعاني مصر من ظاهرة الفتاوى العشوائية، بعد أن كثر المفتون في الفضائيات ووسائل الإعلام. ولم تعد البرامج الدينية والحوارية (توك شو) وقفاً على الحديث في أمور السياسة والعبادات والأخلاق، بل تصدى دخلاء ممن لا تتوافر فيهم شروط الفتوى، إلى القضايا الكبرى والفتاوى المصيرية.
وأكد الدكتور عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية في مجلس النواب، أن مشروع قانون «تنظيم الفتوى العامة» يهدف إلى محاسبة كل من تسول له نفسه تصدر مشهد الإفتاء على مختلف وسائل الإعلام، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مشروع القانون حظر بأي صورة التصدي للفتوى العامة، إلا لمن يحمل تصاريح رسمية من الجهات المخولة منح التصاريح».
تحذيرات من تضييقٍ على الدعاة المعتدلين يفتح الباب لفتاوى المتشددين في مصر
تحذيرات من تضييقٍ على الدعاة المعتدلين يفتح الباب لفتاوى المتشددين في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة