جدل المنافسة على منصب الرئيس يستبق الاستفتاء على الدستور في مصر

عبد الفتاح السيسي و حمدين صباحي
عبد الفتاح السيسي و حمدين صباحي
TT

جدل المنافسة على منصب الرئيس يستبق الاستفتاء على الدستور في مصر

عبد الفتاح السيسي و حمدين صباحي
عبد الفتاح السيسي و حمدين صباحي

يتجه أكثر من 50 مليون ناخب مصري للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد خلال أسابيع، لكن عيونهم تترقب بتحفز أكثر معركة تدور في الأفق حول رئيس مصر القادم. واحتمالات ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد الجيش، ومن خلفه المرشح السابق حمدين صباحي، الذي أعلن رسميا نيته خوض غمار السباق، وسط أسماء تطرحها بورصة الترشيحات في وسائل الإعلام من هنا وهناك، من بينها استمرار الرئيس المؤقت عدلي منصور في موقعه، باعتباره شخصية وطنية قد تحظى بتوافق القوى السياسية المتصارعة.
ويوجه الرئيس المؤقت عدلي منصور كلمة للشعب غدا (السبت)، يحدد فيها موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، والمتوقع أن يجري مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل، ليصبح أول استحقاق رئيس في خارطة مستقبل مصر.
وتنص مسودة الدستور المصري على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعد لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ التصديق عليه، وترك الدستور للرئيس المؤقت حرية تحديد أي من هذه الانتخابات أولا. رغم نص خارطة المستقبل السياسية على البدء بالانتخابات البرلمانية، تليها الرئاسية.
تقول الدكتورة منى ذو الفقار، نائب رئيس لجنة «الخمسين» لتعديل الدستور، لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشروع الدستور فتح الباب للرئيس المؤقت لتحديد أي انتخابات تجرى أولا، بعد أن لمسنا رغبة شعبية في الإسراع بالانتخابات الرئاسية»، مشيرة إلى أن «مخالفة ترتيب خارطة المستقبل لن تشكل أزمة قانونية بعد الموافقة الشعبية على الدستور، لأنه بإقراره سيجب كل ما قبله».
وتفضل ذو الفقار، وهي محامية وناشطة حقوقية، انتخاب رئيس للبلاد في أسرع وقت، وتقول: «انتخاب رئيس جديد هو الطريق الأسرع نحو الاستقرار.. وإذا عدنا لمطالب حملة تمرد التي التف حولها الشعب المصري فنرى أنها كانت تنادي بعزل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة». وأضافت: «المصريون الآن يتطلعون لرئيس لديه القدرة على لم الشمل، في حين ستشعل الانتخابات البرلمانية العصبيات بين القبائل والمنافسات الحزبية».
وتنظر قطاعات واسعة من المجتمع المصري وسياسيون إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسي باعتباره الشخصية الأنسب لقيادة البلاد، بينما تطرح بورصة الترشيحات عددا من الأسماء لعسكريين وسياسيين آخرين، بعضهم أبدى نيته للترشح، والآخر طرح في وسائل الإعلام. منهم «حمدين صباحي، الفريق سامي عنان، اللواء مراد موافي، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح».
وقاد السيسي عملية عزل الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، في 3 يوليو (تموز) الماضي، عقب احتجاجات شعبية عارمة ضده، وبمشاركة قيادات دينية وسياسية.
وأبدى السيسي في عدة مقابلات إعلامية إشارات متباينة بخصوص احتمال ترشحه، قائلا إنه لا يسعى للسلطة، لكنه ترك الاحتمال قائما.
وفي تسريب صوتي جديد منسوب إليه نشر أمس، تنبأ السيسي بحكمه للبلاد، قائلا إنه رأى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في المنام ودار بينهما حوار قال له السيسي خلاله إنه سيصبح رئيسا لمصر. وتداول المصريون المقطع كدلالة على وجود نية لدى السيسي للترشح للرئاسة.
ومن جانبه، جدد حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، تأكيد خوضه سباق الانتخابات الرئاسية، قائلا في تصريح له أول من أمس: «استخرت الله وأعلنت ترشحي للرئاسة.. فأنا أبحث عن تعبير لائق بالثورة وقواها وشعبها وأهدافها».
وفضل صباحي استمرار السيسي وزيرا للدفاع، وقال إنه «من الأفضل أن يظل في موقعه كقائد للجيش.. لكنني سأحترم اختيار القوى السياسية للفريق السيسي إذا أرادوا خوضه سباق الرئاسة».
واحتل صباحي المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، خلف الرئيس السابق محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق. واعتبر صباحي إعلان نيته الترشح الآن «ليس بحثا عن سلطة، وإنما أداء واجب وطني».
لكنّ استطلاعا للرأي أجراه «المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والاستراتيجية»، وهو مركز مستقل، كشف عن تصدر السيسي قائمة «افتراضية» لأكثر مرشحي الرئاسة شعبية، تلاه صباحي، بينما حل الدكتور حسام بدراوي، القيادي السابق بالحزب الوطني (المنحل)، ثالثا في القائمة.
وشملت القائمة بعض الشخصيات التي أعلنت نيتها الترشح للرئاسة القادمة، بالإضافة إلى مرشحين في الانتخابات السابقة 2012، منهم الفريق أحمد شفيق، والفريق سامي عنان، واللواء مراد موافي، والدكتور سليم العوا، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور محمد البرادعي.
وحول هذه الترشيحات تقول الدكتور ذو الفقار: «لا يوجد أحد واضح حتى الآن، والمرحلة القادمة ستشهد مرشحين جددا»، مشيرة إلى أنها تفضل وجود مرشح مدني قوي مع استمرار وجود السيسي كوزير للدفاع.. «لكن حال عدم وجود هذا المرشح فليس أمامنا سوى السيسي رئيسا».
وتثق ذو الفقار في الموافقة على الدستور. وترجع اهتمام الناس في الشارع بالانتخابات الرئاسية إلى «الثقة الموجودة لدى الجميع بأن الدستور سيمر بموافقة أغلبية مريحة»، باعتباره «أول دستور متوازن وتوافقي في تاريخ مصر»، على حد قولها.
وحل السيسي (58 عاما) أولا في استطلاع لقراء مجلة «التايم» الأميركية حول شخصية عام 2013، بعد أن ظهر كشخصية تتمتع بشعبية جارفة بين المصريين، خصوصا في الأوساط الشعبية. وانتشرت صوره في كل مكان باعتباره امتدادا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
تقول حنان زناتي، الباحثة في مجال العلوم السياسية: «رغم قناعتي بضرورة انتقال مصر إلى عهد ديمقراطي يحكمها رئيس مدني منتخب، فإن هذه المرحلة السياسية الحرجة في مصر تتطلب وجود شخصية بمواصفات خاصة من أهمها القوة والحزم والرؤية والاستقلال الوطني، وكلها تنطبق على شخصية السيسي، وحتى الآن لا يظهر أي منافس حقيقي».
وأضافت زناتي أن «السيسي لا يتمتع بهذه المواصفات فحسب، بل يتمتع بشعبيته جارفة بين المواطنين وداخل قوات الجيش.. وهو ما يضمن استمراره وعدم الانقلاب عليه».
ويسعى عدد من الائتلافات الشعبية والسياسية لجمع توقيعات شعبية لدفع السيسي للترشح للرئاسة. ودشن شباب حملة تحت اسم «كمِّل جميلك» يقولون إنهم جمعوا توقيعات 15 مليون مصري يطالبون السيسي بالترشح.
وفي ظل احتمالية امتناع السيسي عن الترشح، اتجه بعض السياسيين إلى طرح فكرة ترشيح الرئيس الحالي عدلي منصور، رغم إعلانه عدم نيته خوض الانتخابات، ورغم نص مشروع الدستور في مواده الانتقالية على عدم جواز ترشح الرئيس المؤقت، فإن مشرعين تحدثوا عن جواز ترشحه دستوريا. وقال محمد سلماوي، المتحدث باسم لجنة «الخمسين» لتعديل الدستور: «الرئيس منصور من حقه الترشح للرئاسة حال استقال من منصبه، حيث تنص المادة (233) على أنه عند خلو منصب رئيس الجمهورية المؤقت للاستقالة أو لأي سبب آخر حل محله بالصلاحيات ذاتها أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، أي أن الدستور عمل حساب استقالة الرئيس المؤقت ونص على ما يترتب عليها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.