إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

الثنائي الشعبوي المتنافر دي مايو وسالفيني يحكمان الوضع الجديد من خلف الستار

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه
TT

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

إيطاليا ثمرة ناضجة تُهرس في خلاطة الفواكه

إيطاليا في أزمة عميقة رغم تأليف الحكومة الجديدة برئاسة البروفسور المحامي جيوسيبي كونته (54 سنة) بعد ثلاثة أشهر من الانتظار والخلاف والمماحكة والبهلوانيات والشقلبة وانقلاب عقبيها فوق رأسها.
وهذا، رغم تنفس الشعب الإيطالي الصعداء إثر تشكيل الوزارة الجديدة المؤلفة من 18 وزيرا معظمهم من «هواة» السياسة والوافدين الجدد إلى مسرحية الحكم على الطريقة الإيطالية المرحة، بعدما أعرب الناس عن مللهم وغضبهم من النزاع على المناصب مثلما كانت تفعل الأحزاب التقليدية، ولكن الحكام، في أي حال، يسمون الوضع الجديد «الجمهورية الثالثة»!
لاحظت الجماهير أن إيطاليا أصبحت حديث العالم منذ أن وصفت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية الوضع بـ«أن البرابرة اقتحموا أسوار روما» مثلما سمعنا في التاريخ عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية. ووضعت مؤسسات الاتحاد الأوروبي يدها على قلبها حين سمعت أن وزير الاقتصاد والمالية المقترح البروفسور باولو سافونا (81 سنة) أبدى حنينه للعودة إلى الليرة الإيطالية القديمة والخروج من عملة اليورو، لأنه يعاير أن «ألمانيا سجنت إيطاليا في قفص».
حينذاك بدأ مقياس «سبريد» - أو مؤشر المجازفة بالقياس إلى الثابت المالي الألماني - في الارتفاع، أو بعبارة أخرى الفرق في العائدات المالية بين السندات الحكومية في ألمانيا وإيطاليا، الذي يجعل إيطاليا أكثر خطورة على المستثمرين. هذا يعني إعادة تصنيف الاقتصاد الإيطالي بدرجة أدنى نتيجة زيادة المخاطر في الاستثمار فيها، ما أثار الرعب لدى البنوك إزاء قدرة إيطاليا بالوفاء بديونها المتراكمة. والسبب أن الفائدة على الديون ستزيد بنسبة زيادة «سبريد» الذي تخطى 300 نقطة ثم انخفض إلى 235 نقطة بعد تأليف الحكومة وكان نصف ذلك قبل الانتخابات نتيجة التحسن البطيء للاقتصاد الإيطالي هذا العام.
- أزمة بسبب سافونا
في ظل هذا الوضع، وضع رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا (76 سنة) قدمه على مكبح السيارة، وبذل قصارى جهده لإقصاء سافونا عن هذا المنصب الحساس الذي قد يهدد البلاد بإعلان الإفلاس، فاعتذر كونته عن تشكيل الحكومة ومضى عائدا إلى جامعته في فلورنسا بالقطار السريع.
بعد ذلك، استدعى ماتاريلا خبيراً سابقاً في صندوق النقد الدولي هو كارلو كوتاريللي. كوتاريللي جاء من مدينة ميلانو والتحق بالقصر الجمهوري على عجل، ومعه حقيبة السفر لتشكيل الحكومة باعتبار رئيس الجمهورية الحارس الأمين على مبادئ الدستور، ولأن قضية الخروج من اليورو لم تبحث أثناء الحملة الانتخابية. غير أن هذا التطور أثار حنق لويجي دي مايو، زعيم رابطة «خمس نجوم» التي فازت بثلث أصوات الناخبين في 4 مارس (آذار) المنصرم، فطلب في ثورة غضبه عزل رئيس الجمهورية من منصبه.
استمرت هذه الفوضى والمسرحية الهزلية أربعة أيام، أعلن بعدها دي مايو وماتيو سالفيني زعيم حركة «الرابطة» (التي كان اسمها «رابطة الشمال» سابقا لأنها كانت تسعى للانفصال عن بقية إيطاليا) أنهما اتفقا على تبديل سافونا وإعطاء حقيبة وزارة الاقتصاد والمالية للبروفسور جيوفاني تريا (69 سنة) الذي لا يريد الخروج من منطقة اليورو، ومن ثم، إرضاء سافونا بمنصب وزير دون وزارة للشؤون الأوروبية!
وفجأة انتهت «المسرحية»... إذ رجع كوتاريللي إلى القصر الجمهوري ثم اختفى عائداً إلى منصبه السابق في ميلانو، بينما عاد كونته فورا بسيارة تاكسي إلى القصر الجمهوري، وخرج بعد بضع ساعات ليعلن التشكيل النهائي للحكومة. لقد سلم رئيس الوزراء المستقيل باولو جنتيلوني جرس الحكومة الصغير، الذي يضبط فيه رئيس الوزراء مناقشات المجلس بشكل رمزي طبعاً، وجلس كونته بجانب رئيس الجمهورية ماتاريلا إبان العرض العسكري في وسط روما احتفالا بالعيد الوطني يوم 2 يونيو (حزيران) وكأن شيئا لم يكن، وحافظ الجميع على المراسم بأكملها، لكن كان واضحاً أن اليوم التالي ليس يوماً طبيعياً عاديا في حياة إيطاليا.
- السلطة لدي مايو سالفيني
يلحظ أي مراقب محايد منصف أن سلطة الحكم الفعلي ستكون بيد دي مايو وسالفيني، فهما مَن اختار رئيس الوزراء كونته وليس العكس. ذلك أن كونته مقرب من حركة «خمس نجوم»، التي أسسها الممثل الفكاهي الشهير بيبي غريللو قبل 9 سنوات، والتي تكره الطبقة الحاكمة وتفضل ديمقراطية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بعد رمي الساسة القدامى العجائز الذين «نهبوا الأخضر واليابس وأصبحوا مثل الآثار الرومانية التاريخية» إلى سلة المهملات. وهذا ما ينطبق، في رأس الحركة، على سيلفيو برلوسكوني رئيس الوزراء الأسبق والحليف السابق لسالفيني الذي ما زال يأمل في العودة إلى الواجهة السياسية، وأجنحة الحزب الديمقراطي اليساري المتناحرة والمتشرذمة باستمرار.
لقد تسلّم كل من دي مايو وسالفيني منصب نائب رئيس الوزراء وسيبقيان الحاكمين الفعليين في المستقبل القريب. وما يهم دي مايو (31 سنة)، الذي لم يكمل دراسته الجامعية والمكلف بوزارة العمل ووزارة التنمية الاقتصادية، هو خلق فرص العمل والتقليل من البطالة التي تصل إلى 11 في المائة حسب الإحصائيات الرسمية، وتأمين راتب المواطنة لمن لا عمل لديهم أو ذوي الدخل المحدود ومنحهم 780 يورو (أو 905 دولارات) شهريا. هذا الوعد جلب الكثير من الأصوات في الانتخابات لحركة «خمس نجوم» حتى أن بعض المواطنين في جنوب إيطاليا كانوا يبحثون عن الاستمارة التي يتوجب إملاؤها للحصول على هذا الراتب.
أما سالفيني (45 سنة)، الذي كان يؤيد الحزب الشيوعي الإيطالي في شبابه ثم انحاز إلى أقصى اليمين في السنوات الأخيرة، فهمه الأول كوزير للداخلية هو طرد المهاجرين غير الشرعيين من إيطاليا، ومنع تدفق سفن إنقاذ اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط. وهو بالفعل، طالبهم منذ اليوم الأول بحزم حقائبهم والعودة إلى بلدانهم، ثم مفاوضة الدول الأوروبية الأخرى لتخفيض قبول عدد اللاجئين إلى إيطاليا هذا العام واتباع سياسة صارمة إزاءهم، والبحث مع دول شمال أفريقيا منع المهاجرين من ركوب السفن المتجهة إلى إيطاليا. وللعلم، يتهم البعض سالفيني بأنه يفضل غرق المهاجرين في البحر على وصولهم إلى جزيرة صقلية، كما حصل منذ أيام حين غرق 48 من التونسيين في البحر، إذ أنه لا يعتبرهم لاجئين فارين من الحروب والاضطهاد... بحجة أن تونس تعيش بسلام، وأن دوافعهم هي تحسين وضعهم الاقتصادي على حساب العاطلين الإيطاليين. كما أنه اتهم تونس بإرسال المحكومين بالسجن إلى إيطاليا... وهو ما أثار سخط السلطات التونسية ودهشتها.
بطبيعة الحال، في طليعة المعجبين بسالفيني في أوروبا قادة اليمين المتطرف من أمثال مارين لو بين، زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، وفيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري، وفي أميركا ستيف بانون المستشار العقائدي والاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وصل إلى إيطاليا بعد الانتخابات ليبشر بـ«ثورة ترمب» ويهنئ سالفيني ودي مايو كنموذج يحتذى في أوروبا والولايات المتحدة. بل، ودعا بانون إلى تعاون الحركات الشعبوية من اليمين واليسار مثل «الرابطة» و«خمس نجوم» للإطاحة بالطبقة الحاكمة في بلدانها بحجة أنها «سببت» الأزمة الاقتصادية العالمية قبل عشر سنوات، وهي الأزمة التي ما زالت إيطاليا تعاني من نتائجها ومن الركود الاقتصادي المستمر.
- برلوسكوني: غير متجانسين
سيلفيو برلوسكوني يرى أن الحكومة الجديدة «تحمل آراء متضاربة غير متجانسة لمسؤولين قليلي الخبرة سيضطرون إلى الارتجال والتعلم أثناء ممارسة العمل»، على رأسهم رئيس الوزراء كونته الذي لم يسبق له أن شغل منصبا رسميا من قبل، إلا أنه - رغم ذلك - ويلقب نفسه «محامي الشعب» (مثل روبيسبير إبان الثورة الفرنسية).
أما الحزب الديمقراطي اليساري، برئاسة موريتزيو مارتينا، فقد أعلن معارضته القوية للحكومة الشعبوية الراديكالية وأكد تمسكه بـ«الاتحاد الأوروبي» وعملة اليورو وتأييده المطلق لرئيس الجمهورية. ومن ثم، ستتألف المعارضة من حزب برلوسكوني اليميني المسمى «فورتسا إيطاليا» (إلى الأمام يا إيطاليا)، والحزب الديمقراطي وخاصة زعيمه السابق ماتيو رينزي الذي حاول إصلاح النظام لكنه مني بالفشل. وفي ظل الأمر الواقع، تجد الطبقة الحاكمة القديمة نفسه الوضع الجديد الذي لا يعرف أحد كيف سيتطور، أو كيف سينفذ وعوده الانتخابية المكلفة رغم فقر إيطاليا للموارد،... ومَن سيطعن مَن في الظهر للاستئثار بالسلطة بعد أشهر. وهنا، لا ننسى ما قاله غريللو، مؤسس الـ«خمس نجوم» خلال العام الماضي عن سالفيني «إنه خائن سياسي وأفعاله أقبح من برلوسكوني ورينزي معاً». وأيضاً ما قاله دي مايو أيضا «أنا من نابولي... من الجنوب، وسالفيني من الشمال الذي كان يأمل أن تمحو حمم بركان فيزوف مدينة نابولي. إن التحالف معه مستحيل لأنه يبحث فقط عن المناصب وكرسي الحكم». وهكذا، فحركات وتصرفات الحكام الحديثي النعمة تنبئ عن ارتباكهم وصعوبة تصديقهم أنهم تولوا الحكم، حتى رغم فوز الحكومة بالثقة في البرلمان، ثم سفر رئيسها إلى كندا لحضور «قمة الدول الصناعية السبع» (السبعة الكبار) في كندا قبل أن يتمكن من دراسة عميقة للملف بأكمله.
- تحدّيات المستقبل
نعم، تعيش إيطاليا هذه الأيام تحولاً تاريخياً يحمل عدة تحديات قد يؤثر على مستقبل أوروبا بأكملها... وقد ينتهي بفشل سريع.
يكمن التحدي الأول في تحسين الوضع الاقتصادي المأزوم، ومن يتمشّى في شوارع روما هذه الأيام سيرتاع لمدى الإهمال الكبير في صيانة هذه العاصمة الجميلة المليئة بالسائحين. فالحفر في كل مكان، من الأرصفة إلى الشوارع المعبدة، ويسخر بعض الأهالي من عمدة المدينة فيرجينيا راجي (من الـ«خمس نجوم») قائلين «إذا لم تجد المال الكافي لتنظيف الحدائق العامة من الأعشاب الضارة فنقترح عليها جلب الخرفان للرعي فيها مجاناً!
هل ستبقى إيطاليا مرتبطة باليورو وتحاول تحسين علاقاتها المتوترة مع ألمانيا وفرنسا؟ أم ستستمر في الانتقاد الذي يمهد لأزمة مالية عالمية، خاصة إذا تطوّر الوضع إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة قبل نهاية العام الحالي مع احتمال فوز حزب «الرابطة» بمزيد من المقاعد النيابية - كما توحي الاستطلاعات الراهنة - لأن سالفيني يعبر بقوة عن فكرة التمرّد والزعامة القوية والنزعة العنصرية المكبوتة منذ أيام زوال موسوليني والحكم الفاشي؟ ولقد رد سالفيني بعنف على انتقادات الاتحاد الأوروبي التي تقول أنه يتوجب على الإيطاليين أن يفكروا بالأرقام لا بالكلمات لتأمين مستقبلهم وعليهم العمل بجهد أكبر وبفساد أقل، فتساءل: هل تقرر الأسواق المالية مستقبل البلاد أم صناديق الاقتراع؟ وماذا تبقى إذاً من الديمقراطية الليبرالية إذا قرر الأغنياء لوحدهم مصيرنا؟
ومن ثم، يعتقد الخبراء أن إيطاليا ستحاول في نهاية المطاف الحصول على تسوية ما لأنها تدرك أنها جزء لا يتجزأ من أوروبا وأن المغامرة في المجهول ستكون مكلفة وربما كارثية. ذلك أن العودة إلى الليرة وتخفيض قيمة العملة باستمرار الذي ساعد في الماضي الفئات الصغيرة ومتوسطي الحال من المنتجين لن يتحقق مجدداً في العصر الحديث لأن التهرب من دفع الضرائب سيكون أكثر صعوبة في التقنيات الحديثة، وكذلك قوانين العمل والتشغيل البائدة والفساد المفضوح والإيحاء بأن الإصلاح يأتي بضغط خارجي. ويتكهن الكثير من المراقبين بأن الإيطاليين سيصوتون بالبقاء في منطقة اليورو إذا قامت الحكومة بإجراء استفتاء عام رغم تضرر الكثر من الالتحاق بالعملة الموحدة.
التحدي الثاني هو في كيفية معالجة مشكلة اللاجئين. لقد بدأ سالفيني عمله كوزير للداخلية فور أدائه اليمين، واستدعى إلى مكتبه في الليل قائد الشرطة وكبار المسؤولين في الوزارة. ثم سافر يوم العطلة الأسبوعية إلى جزيرة صقلية ليراقب بنفسه ما يجري هناك يومياً من تهريب للمهاجرين غير الشرعيين، وغالبيتهم من أفريقيا جاؤوا عبر الموانئ التونسية والليبية من قبل عصابات منظمة. والحق أن فرص العمل ضئيلة في إيطاليا لكنها مجبرة على قبول اللاجئين لأنها المكان الأول لنزولهم من السفن حسب قوانين الاتحاد الأوروبي وضغوط الكنيسة الكاثوليكية لدواع إنسانية.
أما التحدي الثالث، فهو في كيفية تمويل الوعود الانتخابية بينما تفتقر الخزينة إلى الأموال الكافية لتنفيذ الالتزامات الراهنة. خاصة إذا جرت الموافقة على الضريبة الثابتة للدخل بنسبة 15 في المائة لعموم الشعب و25 في المائة للأغنياء. ويكرّر مارتينا، من الحزب الديمقراطي المعارض، أن وعود حكام «الجمهورية الثالثة» ليست سوى كلام معسول لا يمكن الوفاء به. من سيموّل البرنامج الطموح للحكم الجديد؟ وهل ستكون ألمانيا والاتحاد الأوروبي «البقرة الحلوب» لإنجاح التجربة الإيطالية في حين تطبق على نفسها التقشف والميزانية الرشيدة، مع العلم، أن المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل لا تريد أن تصبح أوروبا اتحادا للمديونين؟ ولماذا تتسم مواقف الحكومة الشعبوية الإيطالية بالغموض في المسائل المالية... فهي تنوي تخفيض الضرائب وتخفيض سن التقاعد ما يزيد من الأعباء على الخزينة... فهل سيموّل الشمال الغني في إيطاليا جنوب البلاد الموبوء بالمافيا والفقر؟ للعلم، تقدّر كلفة تنفيذ الوعود مبلغاً ضخماً يزيد على 65 مليار يورو (أو 76 مليار دولار) وربما على ضعفي ذلك المبلغ، ولا يبدو في الأفق القريب مَن يدري كيف سيجري تمويل هذه الأحلام. إذ أن الأنفاق العام المتصاعد محفوف بالمخاطر وما جرى في الأزمة المالية مع اليونان قبل سنوات أفضل مثال. ولعل حل أزمة البقاء لشركة اليطاليا للطيران أمر مستعجل وسيعطي مؤشرا عن طريقة عمل واختيارات الحكومة الجديدة.
أخيراً، التحدي الرابع، هو اتجاه السياسة الخارجية الإيطالية. وزير الخارجية الجديد إنزو موافيرو ميلانيزي (63 سنة) قانوني مستقل مخضرم، عمل سابقاً في الاتحاد الأوروبي، ثم تبوأ منصب وزير للشؤون الأوروبية قبل سبع سنوات في حكومة التقشف - آنذاك - ولا يمكنه استبعاد تأثر سالفيني باعتباره نائبا لرئيس الوزراء وهو من المطالبين دوماً برفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا. وكان الملياردير المجري جورج سوروس، المعروف باستثماراته الدولية الضخمة، قد أبدى خلال زيارته الحالية لإيطاليا قلقاً شديداً على مستقبل البلاد نظرا للعلاقات الوطيدة بين بوتين وسالفيني، من منطلق أن روسيا لا تبغي تدمير أوروبا بل استغلالها لأن روسيا تملك المواد الخام الأولية بينما تختص أوروبا بالصناعة المتطورة. ولا يختلف دي مايو كثيرا عن مواقف سالفيني تجاه العلاقات مع روسيا بل يفضل إعادة العلاقات مع النظام الحالي في سوريا والابتعاد عن سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يتهمه بأنه «خرّب الاقتصاد الإيطالي بسياسة الصرامة والتزمت». ومن جهة أخرى، أعلن كل من نائبي رئيس الوزراء في العقد الذي يجمعهما لتشكيل الحكومة الحالية عن السياسة الودية التقليدية تجاه الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترمب والولاء لحلف الأطلسي (الناتو).
- الإيطاليون على مفترق طرق
> إيطاليا الآن على مفترق طرق. فالنظام الحاكم اليوم يقف ضد الطبقة الحاكمة القديمة وسياساتها المعروفة ومؤسساتها التقليدية، إلا أنه يحتاج إلى طرق عصرية غير مألوفة للنجاح. ولا أحد يعرف كيف ستخرج إيطاليا من عصارة الفواكه بعد هرس الثمرة الناضجة وأي طعم ستكون عليه. الانتخابات التي أجريت قبل 3 أشهر كانت انفجاراً غاضباً على الطرق السائدة والفساد وسوء الإدارة، وضرباً بالعصي على الحزب الديمقراطي الذي أخفق في تبديل المؤسسات وتعديل الدستور، وتوبيخاً قاسيا لبرلوسكوني على مسلكه واستهتاره وتفضيله لطبقة الأغنياء ومصالحه الخاصة.
الرسالة كانت: كفى... نريد تحطيم القديم، ولكن المشكلة تبقى في العاقبة والنتائج. والأهم هو إيجاد الحلول الاقتصادية الواقعية، وهذا أمر لا تضمنه الكلمات والوعود والقرارات الحكومية. إن إيجاد فرص العمل ليست سهلة في عالم يتطور بسرعة في تنافس مستمر وبتقنيات عالية في الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي.
يمتاز الإيطاليون بالذكاء والقدرة على إيجاد الحلول غير المتوقعة، لكن التحديات كبيرة هذه المرة ومن الصعب التكهن بالمستقبل إذا لم يكن الحل مناسباً لحجم إيطاليا.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».