«العاصوف» يخرج الدراما السعودية من نفق التكرار

صوّر المسلسل حياة الحارة في الرياض خلال السبعينات
صوّر المسلسل حياة الحارة في الرياض خلال السبعينات
TT

«العاصوف» يخرج الدراما السعودية من نفق التكرار

صوّر المسلسل حياة الحارة في الرياض خلال السبعينات
صوّر المسلسل حياة الحارة في الرياض خلال السبعينات

استحوذ مسلسل «العاصوف» للنجم السعودي ناصر القصبي والمؤلف الراحل الدكتور عبد الرحمن الوابلي على الأضواء في شهر رمضان، وأصبح حديث السعوديين فيما يتعلق بالدراما. ووسط موجة التجاذبات وردود الفعل التي أحدثها العمل، يعتبر «العاصوف» تجربة كبيرة ومهمة من شأنها أن تمهد الطريق للدراما المحلية للانسلاخ من الكوميديا المبتذلة ودراما المعاملات، إلى نمط الأعمال الاجتماعية الشعبية التي ترصد التحولات على الصعد كافة داخل المجتمع.
«العاصوف» فكرة ملهمة لازمت القصبي لعقد من الزمن. ورغم أنها كانت تقض مضجعه بين الحين والآخر، فإنها كانت أيضاً مصدر اطمئنان بالنسبة له بأنها الفكرة الأمثل التي سيغير بها جلده الكوميدي متى ما حانت اللحظة المناسبة، حتى لمعت بارقة في عينيه بعثوره على الشخص المناسب لبلورة الفكرة للشاشة. وكان هذا الشخص هو الوابلي (أستاذ التاريخ الحاصل على الدكتوراه من جامعة شمال تكساس)، فهو إضافة إلى استيعابه الكامل للمرحلة بتفاصيلها كان كاتباً درامياً فذاً وسبق أن قدم للمسلسل السعودي الشهير «طاش ما طاش» عدداً من الحلقات المرتبطة بالقضايا الفكرية والاجتماعية وكانت مثار جدل للجرأة في تناول القضايا المطروحة.
اتسقت رؤية الوابلي والقصبي في تجربة «العاصوف» الذي أحدث هزة داخل أروقة مؤسسات الإنتاج المحلية التي عانت من إشكالات إنتاجية في الماضي لا تتناسب مع الدعم الذي تحصل عليه، سواء من القطاع الإعلامي الحكومي أو الخاص. والمثير أن هذه التجربة الاجتماعية جاءت بعد سنوات طويلة من ارتباط المشاهد المحلي بأعمال درامية عربية تتناول التاريخ الاجتماعي بشيء من الطوباوية والمثالية المزيفة. ملأت هذه النوعية من الأعمال المستوردة من بيئات أخرى الفراغ الوجداني للمشاهد، حتى بدأ يحفظ أنماطاً وقوالب لدراما يرى فيها نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الدراما التاريخية والاجتماعية. وهذا فخ وقع فيه بعض المشاهدين الذين توقعوا أن يسير «العاصوف» في سياق تلك الأعمال أو يدور في فلكها.
الوجه الآخر للقضية المثارة أن تأطير العمل في قضية «الصحوة» فتح عليه باب الهجوم من قبل تيار لا علاقة له بالفن تعوّد الجمهور منه المناكفات وخلق الأزمات منذ مسلسل «طاش ما طاش». وضاعف من الهجوم أن هذا التيار لديه موقف متأزم تجاه القصبي على وجه التحديد، وهذه حقيقة لا يمكن توريتها.
منذ الحلقات الثلاث الأولى لـ«العاصوف» الذي توقع نجمه أن يكون عرضة للهجوم ممن وصفهم في تغريدة بـ«المدرعمين»، بدأت حملة ممنهجة في محاولة تجييش رأي عام ضد المسلسل الذي ينسب إليه الفضل مثلما أسلفنا في إخراج الدراما السعودية من القمقم وإعادتها إلى جادة الطريق بعد أن دخلت نفقاً مظلماً مع الكوميديا والحلقات المنفصلة قبل نحو عقدين ونيف. وكانت هذه الحملة الإقصائية ضد المسلسل بعيدة عن الإطار النقدي والفني، ومثل تلك الآراء المؤدلجة كانت تحمل بذرة فنائها بداخلها.
وبالنظر إلى حبكة المسلسل من دون ترصدات مسبقة وبلا مؤثرات عاطفية وبعيداً عن النهج التوثيقي، نجد أننا أمام حارة في الرياض في عقد السبعينات يعيش أفرادها حياة طبيعية وتتنازع نفوسهم دوافع الخير والشر كأي مكان على وجه الأرض. في هذه الحارة التي تم بناؤها خصيصاً للعمل على مساحة قدرها 6500 متر مربع، تحرك الأحداث الدرامية أسرة الطيّان التي تعيش في منزل شعبي ويتكون أفرادها من الأم (ليلى سلمان) وخالد (ناصر القصبي) ومحسن (عبد الإله السناني) ومحمد (عبد العزيز السكيرين) وسارة (زارا البلوشي) والشاب يوسف (عبد الرحمن نافع).
وإلى جانب منزل الأسرة، تنتقل الأحداث إلى منزل الأخت طرفة (ريماس منصور) الذي يضم حمود (حبيب الحبيب) وجهيّر (ريم عبد الله) وموضي (مها زين) وإلهام الرشيدي، إضافة إلى مشاركة ممثلين آخرين مثل عبد الله المزيني وحمد المزيني ومحمد الكنهل.
يبعث العمل «نوستالجيا» مدفونة في نفوس المتابعين. أما على الصعيد الفني فخرج لافتاً، بداية من شارة المقدمة التي تعد إحدى أجمل المقدمات الغنائية للأعمال الرمضانية هذا العام. ونجح الكاتب خلف الحربي في صياغة كلماتها المعبرة، ولحنها باقتدار الموسيقار ناصر الصالح ليصدح بها النجم راشد الماجد ويهديها إلى طاقم العمل.
اللافت أيضاً في «العاصوف» أن هناك مساحة تمثيل ممتازة لكل الشخصيات، فهو عمل لم يقدم للنجم الأوحد ولم يكتب لفنان يتداخل مع كل الخطوط الدرامية. وهذا أمر جيد واحترافي لدرجة بروز أسماء استطاعت عبر المسلسل إظهار طاقتها الكامنة مثل الممثل عبد الإله السناني الذي كان نجماً يصنع الصراعات داخل الأسرة ويدفع بالأحداث الدرامية إلى الأمام في كل مرة، وعبد العزيز السكيرين الذي قدم واحداً من أهم أدواره في مشواره الذي قارب 30 عاماً وكذلك الفنانة ليلى سلمان الأم المسؤولة عن التوازنات في المنزل وتهدئة الأزمات والتي كانت نجمة في دورها، بل حتى الأطفال وجدوا مساحة لهم في السياق الدرامي، وهذا الأمر غير معهود في الدراما السعودية التي تدار من قبل النجم الأوحد الذي يظهر في كل مشاهد العمل. ومسلسلات رمضان ليست عنا ببعيد، وهذا أيضاً تغيير في المنهجية وطريقة بناء العمل لم نعهده أو لم نتمرس عليه في الصناعة المحلية.
صحيح أن المسلسل عاب عليه في بعض الأحيان المط والتطويل. لكن لعل المسوّغ الدرامي لذلك هو تعريف المشاهد بأدق تفاصيل الحارة في السبعينات وبناء تصوره الكامل عن الشخصيات والأماكن والأزمنة، لا سيما أن العمل سيمتد إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر، باعتباره مشروعاً درامياً برؤية مختلفة، وستتطور الشخصيات والصراعات بالتدريج في الحلقات المقبلة.
على مستوى الصورة، حاول المخرج المثنى صبح جاهداً أن ينقل المشاهد ويحرك الكاميرا صوب بعض معالم الرياض الأشهر في تلك الفترة مثل ميدان الصفاة وساعته الشهيرة، وبرج خزان المياه والإطلالة على المدينة من سطوح المنازل. تلك المشاهد كانت تعزز الهوية البصرية للمسلسل لدى المتلقي الذي يخاله الشك أحيانا في أن بعض الأحداث الدرامية في المسلسل جاءت وانتهت بطريقة عبثية من دون أن يدرك أن جميع الصراعات الماضية سيتم البناء عليها لاحقاً لأحداث لم يتوقعها، وسترتفع وتيرة المواجهات الثنائية في العمل، ومنها على سبيل المثال الصراع بين الشقيقين (خالد ومحسن). بعد أزمة الطفل اللقيط، ستكون هناك أزمات أخرى بينهما بانت بعض ملامحها في الحلقات الماضية، وتطور العلاقة بين أسرة الطيّان وبيت الشيخ الشامي (محمد سعيد). وهذا الأمر يشير إلى أن النص متماسك درامياً ومكتوب بحرفية عالية وتسلسل منطقي والانفعالات والحوارات بلغة سهلة بعيدة عن التحذلق أو الابتذال.



محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
TT

محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)

تباينت نهايات الحلقات الأخيرة من مسلسلات شهر رمضان، التي تزامن عرْض بعضها مساء (الجمعة) مع أول أيام عيد الفطر في كثير من دول العالم، بين النهايات السعيدة والصادمة وأخرى دامية.
كما اتّسم أغلبها بالواقعية، والسعي لتحقيق العدالة في النهاية، ولاقى بعضها صدى واسعاً بين الجمهور، لا سيما في مسلسلات «جعفر العمدة»، و«تحت الوصاية»، و«عملة نادرة»، و«ضرب نار»، و«رسالة الإمام»، و«ستهم».
وشهدت الحلقة الأخيرة من مسلسل «جعفر العمدة» نهاية سعيدة، وفق محبّيه، انتهت بمواجهة ثأرية بين المَعلّم جعفر (محمد رمضان) وزوجته دلال (إيمان العاصي)، حيث طلب من نعيم (عصام السقا) إبلاغ الشرطة لإلقاء القبض عليها، بعدما تمكّن الأول من تسجيل فيديو لزوجته وشقيقيها وهي تقتل بلال شامة (مجدي بدر) واعترافاتها بكل ما قامت به.
وبعد ذلك توجّه جعفر مع ابنه سيف (أحمد داش) إلى بيته في السيدة زينب، حيث اقتصَّ من شقيقَي زوجته دلال، ثم أعلن توبته من الربا داخل المسجد ليبدأ صفحة جديدة من حياته، ولم تتبقَّ سوى زوجته ثريا (مي كساب) على ذمته.
وأشاد الجمهور بأداء الفنانة إيمان العاصي وإتقانها دور الشر، وتصدرت ترند «تويتر» عقب انتهاء الحلقة، ووجهت الشكر للمخرج محمد سامي والفنان محمد رمضان، وكتبت عبر «فيسبوك»: «مهما قلتُ وشكرت المخرج الاستثنائي بالنسبة لي، ونجم الشعب العربي الكبير الذي يحب زملاءه ويهمّه أن يكونوا في أحسن حالاتهم لن يكفي بوست واحد لذلك».
مشهد من مسلسل «ضرب نار» (أرشيفية)

وفي مسلسل «ضرب نار» شهدت الحلقة الأخيرة نهاية دامية بمقتل مُهرة (ياسمين عبد العزيز) أثناء احتفالها وجابر (أحمد العوضي) بزواجهما مرة أخرى، حيث أطلق نجل تاجر مخدرات رصاصة لقتل الأخير، لكن زوجته ضحّت بنفسها من أجله، وتلقت الرصاصة بدلاً منه، قبل القبض على جابر لتجارته في السلاح، ومن ثم تحويل أوراقه للمفتي.
من جهته، قال الناقد الفني المصري خالد محمود، إن نهاية «(جعفر العمدة) عملت على إرضاء الأطراف جميعاً، كما استوعب محمد رمضان الدرس من أعماله الماضية، حيث لم يتورط في القصاص بنفسه، بل ترك القانون يأخذ مجراه، وفكّ حصار الزوجات الأربع لتبقى واحدة فقط على ذمته بعد الجدل الذي فجّره في هذا الشأن».
وأضاف محمود في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «نهاية مسلسل (ضرب نار) جاءت بمثابة صدمة للجمهور بمقتل مُهرة، لكن المسلسل حقق العدالة لأبطاله جميعاً؛ مُهرة لكتابة ابنها من جابر باسم زوجها الثاني وتضحيتها بحبها، وجابر لقتله كثيراً من الناس، كما اقتص من زيدان (ماجد المصري)».
بوستردعائي لمسلسل «تحت الوصاية» (أرشيفية)

بينما انحاز صناع مسلسل «تحت الوصاية» لنهاية واقعية، وإن بدت حزينة في الحلقة الأخيرة من المسلسل، حيث قام بحارة بإشعال النار في المركب بإيعاز من صالح (محمد دياب)، وفشلت محاولات حنان (منى زكي) والعاملين معها في إخماد الحريق، ثم تم الحكم عليها بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ في قضية المركب.
وشهد مسلسل «عملة نادرة» ذهاب نادرة (نيللي كريم) إلى حماها عبد الجبار (جمال سليمان) في بيته للتوسل إليه أن يرفع الحصار عن أهل النجع فيوافق، وبينما يصطحبها إلى مكان بعيد حيث وعدها بدفنها بجوار شقيقها مصوّباً السلاح نحوها، سبقته بإطلاق النار عليه ليموت في الحال آخذة بثأر أخيها.
وانتقدت الناقدة الفنية المصرية صفاء الليثي نهاية مسلسل «عملة نادرة» بعد قيام البطلة (نادرة) بقتل عبد الجبار، ثم تقوم بزراعة الأرض مع ابنها وكأن شيئاً لم يحدث، وسط غياب تام للسلطة طوال أحداث المسلسل، «وكأن هذا النجع لا يخضع للشرطة، ومن الصعب أن أصدّق أن هذا موجود في مصر في الوقت الحالي».
مشهد من مسلسل «ستهم» (أرشيفية)

بينما حملت نهاية مسلسل «ستهم» من بطولة روجينا عديداً من المفاجآت، حيث قام الرئيس بتكريمها ضمن عدد من السيدات اللاتي تحدَّين الظروف ومارسن أعمالاً شاقة وسط الرجال، حيث أشرق وجهها فرحة بعد سنوات من المعاناة.
واختار المخرج السوري الليث حجو، نهاية ثوثيقية للمسلسل الديني «رسالة الإمام» عبر تتر الحلقة الأخيرة، الذي تتّبع كيف انتهت رحلة شخصيات المسلسل الذي تناول سنوات الإمام الشافعي في مصر، موثقاً هذه الحقبة المهمة في تاريخ مدينة الفسطاط، ومن بينها تنفيذ السيدة نفيسة وصيةَ الشافعي وقيامها بالصلاة عليه بعد وفاته، لتبقى في مصر حتى وفاتها عام 208 هجرية.