في سبعينات القرن الماضي، بدأت جامعة عين شمس المصرية في إنشاء مركز «الثروة الميكروبية» بكلية الزراعة، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، وهو اتجاه بدا حينها مُستغرباً من قبل العاملين في المجال البحثي. لكن المجال الذي كان يُنظر إليه استغراباً أصبح راهناً محور حديث دوريات علمية كبرى، فضلاً عن أنه أصبح مساحة للتنافس في فهم أسرار الميكروبات التي باتت تُستغل في مجالات تبدأ بالأدوية وعلاج المياه، وتنتهي بمجالات البناء وإنتاج الوقود الحيوي. وتتنوع المساهمات البحثية العربية في هذا المجال الواعد العلمي، وترصد «الشرق الأوسط» أبرز إنجازات الباحثين العرب في مجال الميكروبات.
أبحاث الدواء
توصل فريق بحثي مصري إلى استغلال الميكروبات في تهيئة بعض المركبات الطبيعية للاستخدام في مجال صناعة الدواء. وتقول هاله عبد السلام أمين، الباحثة بقسم كيمياء المنتجات الطبيعية والميكروبية بالمركز القومي للبحوث بمصر وأحد أعضاء الفريق البحثي، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الاتجاه العالمي الآن في صناعة الدواء هو استخدام المركبات الطبيعية، للحد من الآثار الجانبية للمركبات المحضرة كيميائياً، ولكن استخدام هذه المركبات الطبيعية يحتاج إلى جعلها نشطة بيولوجياً، وهو ما تقوم به الميكروبات».
واستهدف الفريق البحثي في دراسته، المنشورة في دورية Innovation and Research in BioMedical engineering (IRBM) خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، مركبات الصابونين، والتي توصف بأنها مركبات طبيعية توجد في النبات ويوجد لبعضها نشاط هرموني مميز، مثل مركبات «الصابونينات السترويدية»، التي توجد في نبات العرقسوس، وبعضها مضاد للأكسدة ومحفز للجهاز المناعي ومثبط لنمو الخلايا السرطانية، مثل «الصابونيات ثلاثية التربينويد» الموجود في بذور فول الصويا.
وتضيف الباحثة أن الفريق استخدم ميكروب أسبرجلس نيجر (Aspergillus niger NRRL 595) في إجراء التحول الميكروبى لمركب الجلسرهزين إلى حمض الجلسرهيتك، وقد أظهر مركب الجلسرهيتك (الجليكوجين الناتج من التحلل المائي) فاعلية تجاه علاج بعض الأمراض الصدرية، وقرحة المعدة، والالتهابات الفيروسية الخاصة بالكبد.
شروخ البناء
وأوجد الباحث الفلسطيني أحمد البغدادي في أثناء إعداده أطروحة الماجستير في الجامعة الأميركية بالقاهرة، قبل عامين، استخداماً آخر للميكروبات، حيث اختبر إضافة أحد أنواع الميكروبات إلى الخرسانة في أثناء البناء، لعلاج شروخ المباني ذاتياً دون الحاجة إلى تدخل.
ويشرح البغدادي لـ«الشرق الأوسط» فكرة هذه التركيبة قائلاً: «أضفت بكتيريا (سيدوفيرمس) إلى خلطة البناء، مع غبار السيليكا لكي يقلل من قلوية الخرسانة، لتظل البكتيريا خاملة، وتستمر على هذه الحالة إلى أن يحدث تسرب للماء أو الهواء من خلال الشروخ، فتنشط تلك البكتيريا، وتستمد غذاءها من تراب المشطورات (الدياتوميت) الذي تم وضعه بالخلطة، ومن ثم تعمل على تكوين الكلس (كربونات الكالسيوم) التي تسد الشرخ، وترأب الصدع».
وتسبق إضافة البكتيريا إلى خلطة البناء خطوة أخرى يشير إليها البغدادي، وهي التجهيز المعملي لها بإضافة مواد كيميائية تمكّنها من العيش في بيئة الخرسانة، وتضمن عدم تأثرها بالماء المستخدم مع الخلطة.
وقود حيوي
وكانت المدرسة البحثية السعودية حاضرة في مجال الثروة الميكروبية، وتحديداً في مجال الوقود الحيوي، إذ توصل فريق بحثي عالمي يقوده باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، أخيراً، إلى أن سمك الجراح الذي يعيش في البحر الأحمر ويتغذى على الطحالب البحرية، يستعين على هضم أنواع مختلفة من الطحالب ببكتيريا ضخمة متنوعة أيضاً.
ويقول الفريق البحثي في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، إنهم اكتشفوا عن طريق تحليل الجينومات أن مجموعة واحدة من البكتيريا العملاقة تُدعى (الإيبولوبيسيوم) تسيطر على التجمعات الجرثومية في أمعاء السمك، وأنها تفتقر إلى التنوع الذي نصادفه في الميكروبات البرية العاشبة.
وخلصوا إلى أن القدرة على تخمير الطحالب التي تمتاز بها بكتيريا الإيبولوبيسيوم، يمكن أن تجعل منها مصدراً جينياً قيماً لتطوير الوقود الحيوي القائم على الطحالب.
زبادي لهشاشة العظام
ومن الاستخدامات المهمة للثروة الميكروبية والتي بدأت تظهر، أخيراً، هو توظيفها في إنتاج الغذاء الوظيفي، كما حدث في الإنجاز البحثي الذي خرج في يناير (كانون الثاني) الماضي عن المركز القومي للبحوث بمصر، والذي يتعلق بإنتاج زبادي خاص بمرضى هشاشة العظام.
وهشاشة العظام من المشكلات الشائعة التي تزيد من احتمالية الكسور في العظام، خصوصاً عند السيدات المتقدمات في العمر، وتحدث الهشاشة نتيجة غياب هرمون الأستروجين وفقد الكالسيوم في البول وعدم تناول كميات كافية من المعادن، أو تناول ما يعوق امتصاص هذه المعادن مثل حمض الفيتيك الموجود في بذور القمح والذرة والأرز وفول الصويا.
ويرتبط هذا الحمض بعدة معادن مهمة لتكوين العظام منها (الكالسيوم – الماغنسيوم – الزنك – النحاس – الحديد – البوتاسيوم) ليكوّن مركبات غير قابلة للامتصاص، ونظراً إلى عدم وجود إنزيم الفيتز في معدة الإنسان الذي يعمل علي تحرير هذه المعادن وسهولة امتصاصها ليستفيد الجسم منها فإنه من المفيد تناول الإنسان لهذا الإنزيم أو البكتيريا المنتجة له مثل «لاكتوبسلس ريوترياى».
وتقول د.معتزة الشافعي، الباحثة بقسم التغذية بالمركز القومي للبحوث وعضو الفريق البحثي، لـ«الشرق الأوسط»: «ما فعلناه أننا أنتجنا منتجاً لبنياً (زبادي) يحتوي علي عدد كبير من هذه البكتيريا ومتابعة 12 سيدة مريضة بهشاشة العظام وافقن علي تناول المنتج لمدة شهرين مع تناول خبز وأرز إلى جانب المنتج، وتم عمل أشعة كثافة العظام (ديكسا) قبل وبعد تناول المنتج، كما تم أخذ عينة دم لقياس مستوى المعادن في الدم، وكذلك تقدير مستوى مؤشرات الأكسدة قبل وبعد التجربة«.
وتضيف: «أظهرت النتائج تحسناً واضحاً في كثافة العظام وارتفاع في نسبة المعادن في الدم، ومن ثم نوصي بإنتاج هذا المنتج واستخدامه».