في مدينة عائمة مثل فينيسيا، تحملها المياه على أمواجها وتمثل مصدر حياتها كما تمثل الخطر القادم وهو غرقها، ليس غريباً أن يكون بعض الدول المشاركة في بينالي فينيسيا للعمارة اختارت أن تتناول المياه وتأثيرها في العمارة والحياة بصفة عامة.
بريطانيا... جزيرة
الجناح البريطاني في قلب أرض العرض، «الجارديني»، قدم مفهوم «المساحات الشاغرة»، وهو موضوع البينالي لهذه الدورة، عبر تفريغ المبنى بالكامل، فهو مساحة فارغة بالفعل. وحيث إن الفكرة التي يقوم عليها الجناح هي «الجزيرة»، فقد حول فريق العمل سطح المبنى إلى مساحة عرض بديلة.
على جانب مبنى الجناح البريطاني نصعد درجات سلالم معدنية تأخذنا إلى السطح، لمنظر عام للبحر وللحدائق الممتدة. الجزيرة كمفهوم لجناح بريطانيا يمكن تفسيرها على أكثر من مستوى، فهي قد تكون ملجأ أو منفى. المساحات الفارغة تدعو للتفكير في ما خلفها من المعاني، قد تكون إعادة البناء وهو انطباع قد يراودنا بعد ارتقاء كل تلك الدرجات الحديدية والتي تذكّرنا بمواقع البناء، أو قد يكون المعنى دالاً على الانعزال وهو أيضاً ما يمكن فهمه على خلفية قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي لتصبح، كما يرى البعض، جزيرة منعزلة. اختار منسقو الجناح، معماريو كاروسو سانت جون والفنان ماركوس تايلور، أن تكون المساحات الفارغة داخل حجرات الجناح بمثابة تأملات في الحياة على الجزيرة.
سلوفينيا... الحياة مع الماء
جناح سلوفينيا أيضاً يستوحي موضوعه من الماء وتأثيره على الحياة، وتحت عنوان «الحياة مع الماء» يستكشف الجناح أهمية الماء في الحياة اليومية للمواطنين، فسلوفينيا بها أنهار وبحيرات متجمدة وشلالات وينابيع مياه معدنية. تأثيرها قاطع سواء في الطبيعة وأيضاً كمياه للشرب. ترتبط بالأساطير والإبداع كما ترتبط بالسياسة وبالاحتجاج. حسب البيان الذي يشرح فكرة الجناح فهناك نحو 160 ألف شخص يعيشون في أماكن معرضة للفيضان في البلاد، حيث تفيض المياه أكثر من 50 مرة كل عام. هناك أيضاً المفارقة بين قانون يؤكد الحق في مياه الشرب وحماية خُمس المناطق التي تضم مصادر للمياه، وما بين إعطاء رخص لشركات لإدارة بعض مصادر المياه الأخرى.
من خلال العرض يستكشف فريق المعماريين والفنانين أهمية إعادة التفكير في إدارة وحماية موارد المياه.
كوسوفو... المدينة في كل مكان
في جناح كوسوفو تتعامل المنسقة إليزا هوكسا مع فترة التسعينات حين طُرد الكوسوفيون الألبان من المؤسسات التابعة للدولة، وهو ما تراه بمثابة طردهم من الحياة العامة. كردة فعل، خلق الكوسوفيون الألبان نظاماً بديلاً لتمثيل المؤسسات العامة ولكن من داخل بيوتهم.
حوّلت المنسقة هوكسا، الجناح إلى بيت غير مكتمل اندمج فيه العام والخاص، تحول البيت إلى مساحة عامة ومدرسة ومطعم ومكتب ومعرض فني ومستشفى ومنزل. تحاول المنسقة القول: إن البيوت في كوسوفو والتي تحولت لكيانات مستقلة يمكنها التعويض عن المساحات الشاغرة. تعبر عن كل تلك الأفكار بتركيب عشرات الأطباق اللاقطة والمرايا، تدخل للمساحة فيراودك شعور باللانهائية، كل خطوة تأخذك لأبعد، فالمرايا تفتح المساحات أمامك والأطباق الفضائية اللاقطة في أعلى الغرفة قد تكون أيضاً طريقاً لعوالم أرحب، تمنحك الحرية للتفكير والحلم ولكن ليست هناك حرية حركة حيث التأثير العام للعرض يوحي بالازدحام.
فرنسا... المساحات اللانهائية
في الجناح الفرنسي عرض جاذب جمالياً يركز على فكرة إعادة مبانٍ غير مستخدمة للحياة وللاستخدام مرة أخرى. يقدم الجناح 10 مشاريع نُفِّذت لإعادة تأهيل مبانٍ شُيِّدت ما بين 1650 و1977. معظم تلك المشروعات حاول خلق مساحات وفرص جديدة للمجتمعات المحلية. في عرض بديع بالفعل قدم الجناح الفكرة عبر الصور والمجسمات والخرائط ومتعلقات من تلك المباني كلها عُلِّقت بشكل بديع أعلى جدران الجناح.
ألبانيا... المساحة صفر
جناح ألبانيا مفاجأة بالفعل، يجذبك لداخله بعرض منسق جمالي إلى حد بعيد ويضمن اندماج الزائر منذ الخطوة الأولى ليأخذه في رحلة عبر الصور والأفكار لاستكشاف مفهوم الفضاءات الشاغرة. عبر مجموعة من الأبواب الخشبية العتيقة الموزعة عبر الجناح والتي يختار عدد من الزوار فتحها واستخدامها للدخول أو الخروج، ربما فقط لأنها أبواب يمكن استخدامها رغم عدم وجود حاجة عملية إلى استخدامها. بالنظر إلى أعلى نجد أنفسنا في وسط غابة من الصور المتدلية على خيوط. كلها صور لأشكال من الحياة العامة، أشخاص في مقاهٍ أو في متاجر أو يجلسون في غرفة، حياة بأكملها تتجلى في تلك الصور، ما يدعو الزائر إلى تخيل أماكن وقصص مختلفة لهذه المساحة والتي ترمز إلى مدينة تيرانا عاصمة ألبانيا.
إندونيسيا... شاعرية الصمت
جناح إندونيسيا والذي يعرض عملاً ضخماً مصنوعاً من الورق بطول 21 متراً، كان جاذباً للجمهور. مجسم عملاق مصنوع من الورق عُلِّق باستخدام إطارات خشبية على جانبي حجرة العرض في ما يشبه الستائر الضخمة. المساحة الرحبة والصامتة جذبت الزوار للتجول على أطرافها ومن خلال فتحات في المنتصف، كأنهم وسط حقول ممتدة متماوجة، وكأن العمل يجرّد فكرة العمارة والبناء لأساسها وهو تنظيم الناس والمساحات وإقامة ما يشبه الحوار بينهم.