منذ أن عرف المصريون الكنافة وهم يعتبرونها واحدة من الحلوى التي يهجرون أشغالهم من أجلها. فبمجرد الإعلان عن استطلاع هلال شهر رمضان، يشرع كثير منهم في بناء أفرانها من الطوب الأبيض أمام منازلهم، وبعد أن ينتهوا منها، يضعون صوانيهم النحاس فوقها، ويستعدون لثلاثين يوماً من عملها.
يحترف هؤلاء صناعة الكنافة على مدار الشهر الفضيل، منحين صناعاتهم الأساسية جانباً، ويبدأون في التجهيز لها من الصباح الباكر يومياً، يجلبون الطحين الفاخر، وأكواز الرش، والصواني النحاسية التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم، وينشغلون طول نهار رمضان في صناعتها. الفرح بالكنافة وبهجة صنعتها لا يخفى عن عيون الأحفاد، فيروي عنتر أبو زيد، «فران» في منطقة الهرم، أنه ورث المهنة عن والده صانع الحلوى، وبدأ في رش الكنافة وهو في الخامسة عشرة من عمره، أي منذ ثلاثين عاماً: «فرح والدي بي كثيراً، كان يراقبني من بعيد. في البداية، تقطعت مني الخيوط، لكنه راح يعلمني كيف أضبط يدي، وكيف أحركها، إلى أن أصل إلى آخر نقطة في منتصف الصينية».
كل شيء في عملية صناعة الكنافة لا بد أن يتم بدقة بالغة، حسب أبو زيد، فيجب أن يتم إعداد الخلطة جيداً، وتحريك العجينة مع إضافة الماء بعناية، مع استمرار التحريك، وإضافة قليل من الملح، بعدها يظهر على السطح مادة صفراء، عندها تكون العجينة جاهزة للرش، ولا يعمل أبو زيد شيئاً آخر طوال رمضان سوى رش الكنافة، وذكر أنه «بمجرد استطلاع الهلال، نترك كل شي، ونبني الفرن، وقد تعود الناس هنا في المنطقة على وجوده كل عام، حتى أنهم يقومون بأنفسهم باستخراج تصاريح إنشائه، ويقولون لنا لا تتوقفوا عن عمل الكنافة، أطفالنا يلمسون فيها الأجواء الرمضانية».
ولا يتفق الباحثون على الأصل التاريخي لصناعة الكنافة، فمنهم من يشير إلى أمويتها، وسميت بكنافة معاوية. ومن هنا، عرفت بحلوى الأمراء. وهناك من يذكر أنها ترتبط بالمصريين، وتعود للعصر الفاطمي والمملوكي، وقد انتقلت مع مرور الزمن لباقي طبقات المجتمع، وصارت جزءاً من الطقوس المرتبطة برمضان، ويحرص عليها الفقراء والأغنياء على حد سواء، ومن هنا اكتسبت طابعها الشعبي. لكن الطلب على هذا النوع من الكنافة، في رأي أبو زيد، ما عاد كما كان في السابق، لأن الكنافة الشعر كادت تكتسح الأسواق، ويتم صناعتها طوال العام، وقد تعود المصريون عليها، لكن الكنافة البلدي مطلوبة من زبائن معينة، أغلبهم من كبار السن، يأتون إليه من مناطق مختلفة.
ومن جهته، قال حس أبو زيد، الحاصل على «بكالريوس زراعة» شريك عنتر في الفرن: «إن صناعة الكنافة في الماضي لم تكن تحتاج لمكان، كنا بمجرد استطلاع الهلال نبني الأفران أمام بيوتنا في العمرانية، وهي أحد أحياء الجيزة، وكانت تعتبر باب رزق لعدد كبير من المصريين، وتنتشر في الماضي». وذكر أن الصينية الموضوعة فوق الفرن قديمة جداً، وموروثة عن عمه وأبيه، وهي من النحاس الأحمر، ولها مواصفات خاصة لكي تصلح لعمل الكنافة، ولها سمك معين، كما أنها لا بد من أن تصل لدرجة حرارة معينة حتى لا تلتصق العجينة بها.
وأشار إلى أن الفرن يساهم كثيراً في إضفاء أجواء رمضانية على المنطقة، وهناك كثير من الجيران يأتون لنا بأطفالهم لالتقاط صور لهم معنا في أثناء العمل، وهي أشياء تجعلنا نشعر بأهمية تراثنا الشعبي، وقيمة الاستمرار في الحفاظ عليه، خصوصاً في شهر رمضان.
الكنافة... حلوى المصريين على موائد رمضان
تعود للعصر الفاطمي والمملوكي
الكنافة... حلوى المصريين على موائد رمضان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة